من خلال مصر عرف العالم أهمية الجيوش، في حفظ أمن البلاد من المخاطر والأعداء، وحفظ الدولة من الانهيار، حيث امتلكت مصر أقدم الجيوش النظامية في العالم، وقد سطر الجنود والملوك المصريون الكثير من التضحيات والبطولات من أجل وطنهم، وإعلاء راياته بين الأمم وهى البطولات والتضحيات التي حفظها التاريخ، ودونتها نقوش الآثار، ومنهم من دخل في حروب التحرير.
يقول الدكتور محمد رأفت عباس صاحب المؤلفات الأثرية في العسكرية المصرية القديمة لــ" بوابة الأهرام " إن قائمة الجنود الأبطال في مصر القديمة لا تُعد ولا تحصى ومنهم أحمـس إبانـا، وهو أحد أشهر وأهم قواد الجيش المصري خلال مطلع الأسرة الثامنة عشرة في بداية عصر الدولة الحديثة، وقد قدم خدماته العسكرية في عهود الملوك الثلاثة الأوائل للأسرة الثامنة عشرة «أحمس الأول» و«أمنحتب الأول» و«تحتمس الأول».
ترك «أحمس بن إبانا» نصوص سيرته الذاتية منقوشة على جدران مقبرته بمسقط رأسه ببلدة نخب (الكاب الحالية بأسوان)، وقد منحتنا معلومات تاريخية بالغة الأهمية عن أحداث حرب التحرير ضد الهكسوس، وعن تاريخ مصر خلال نهاية الأسرة السابعة عشرة وبداية الأسرة الثامنة عشرة.
ويوضح محمد رأفت عباس أن «أحمس إبانا» تم ذكره من خلال نصوص سيرته الذاتية أن والده كان جنديا يدعى «بابا»، وقد قدم هذا الوالد خدماته العسكرية في عهد الملك «سقنن رع تاعا الثاني» سلف الملك «أحمس الأول» ، أثناء الحملات الحربية الأولى التي خاضها المصريـون ضد الغزاة الهكسوس، أما عن والدته، والتي نُسب إليها فقد كانت تدعى «إبانا».
وقد بدأ حياته العسكرية شابا في عهد الملك « أحمس الأول » قبل أن يتزوج ، حين عمل جنديا في السفينة المسماة «الثور الوحشي».
وقد أشارت نصوص القائد «أحمس بن إبانا» إلى بطولاته العسكرية المختلفة التي قدمها في تاريخه، حيث ذكر أنه قد خاض القتال والمعارك في البر والنهر، وشارك في معارك حرب التحرير ضد الهكسوس تحت قيادة الملك «أحمس الأول» كأحد رجال الحرس الملكي للفرعون، وعمل في السفينة الحربية التي كان يقودها الملك المسماة «الظهور في منف»، كذلك ذكر أنه قد خاض القتال ضد الغزاة الهكسوس في معقلهم وعاصمتهم (أواريس) بشرق الدلتا حيث قام بقتل اثنين من الأعداء ومنح ذهب الشجاعة مرتين، ومنحه الفرعون بعض العبيد والأسلاب عقب الاستيـلاء على أواريــس.
كمـا تواجـد ذلك القائـد العسكري الشجـاع أحمس إبانا في الحصـار الطويـل الذي ضربه المصريون حول مدينة شاروهين بجنوبى كنعان (فلسطين)، والتي لجأ إليها الهكسوس بعد طردهم من مصر، وبالاستيلاء عليها تم بشكل قاطع القضاء على وجود الهكسوس، وقد أبلى القائد «أحمس إبانا » في تلك الحرب بلاءً حسنا، وبالإضافة إلى ذلك فقد شارك القائد «أحمس إبانا» في حروب الملك «أحمس الأول» فى بلاد النوبة (كوش)، حيث ذكر من خلال نصوص مقبرته الحملات الحربية الثلاث التي قام بها الفرعون هناك.
وفى عهد الملك «أمنحتب الأول»، شارك «أحمس إبانا» في حملات هذا الفرعون على بلاد النوبة، ومُنح الذهب وبعض العبيد كمكافأة بسبب شجاعته في القتال.
وفى عهد الملك «تحتمس الأول»، شارك «أحمس» فى الحملة البحرية ضد القبائل النوبية في وادي النيل، ورُقى أثناء هذه الحملة إلى رتبة «رئيس البحارة»، كما شارك في حملة الفرعون الأسيوية على نهر (ميتانى)، والتي بلغت نهر الفرات.
ويوضح محمد رأفت عباس أن القائد «أحمس إبانا» قد نال تقدير الملك «أحمس الأول»، فأنعم عليه بمنحه ذهب الشجاعة في سبع مناسبات، كما أغدق عليه عدة أفدنة من الأرض الزراعية، فضلا عن تسعة عشرة من الرقيق؛ تقديرا لشجاعته وبطولاته العسكرية التي قدمها خلال خدمته بالجيش المصري. وترجع أهمية نصوص القائد «أحمس إبانا» – الموجودة في مقبرته بالكاب – إلى أنها المصدر الوحيد والمعاصر للمعارك النهائية لطرد الهكسوس من مصر على يد الملك «أحمس الأول» ، بالإضافة إلى نصوص مقبرة القائد «أحمس نخبت»، حيث أن التسجيلات الملكية لهذه الفترة التاريخية المهمة قد تلاشت.
ويقول الدكتور محمد رأفت عباس إن من أعظم المحاربين أيضا الجندي سوبــك خـو، ويعد «سوبك – خو» أبرز جنود الحرس الملكي في عصر الفرعون المحارب «سونسرت الثالث» خامس ملوك الأسرة الثانية عشرة، وقد ترك لنا لوحة هامة، عُثر عليها في أبيدوس العالم الأثري «جون جارستانج» في عام 1901م ، وتتواجد حاليا في متحف مانشستر بانجلترا تحت رقم 3306.
وتحدثت نصوص لوحة «سوبك – خو» عن مهمته في حراسة الملك ومرافقته له في معاركه الحربية المختلفة في آسيا وبلاد النوبة، كما تعد هذه اللوحة الأثر الوحيد الذي تم من خلاله ذكر قيام أحد ملوك الدولة الوسطى بحملة عسكرية على آسيا.
ولد «سوبك – خو» في العام السابع والعشرين من عهد الملك «أمنمحات الثانى»، كما يوضح الدكتور محمد رأفت عباس، مؤكدا أن عند وفاة الملك أمنمحات، كان سوبك قد بلغ العام الخامس من عمره، وفى الرابعة والعشرين من عمره أصبح تابعا وملازما للملك «سونسرت الثالث» مع قيادته لستة رجال، وتمت ترقيته من بين قوات الحرس الخاص بالملك في رتبة « تابع الحاكم ».
قام «سوبك – خو» بقيادة ستين رجلا في إحدى حملات الملك «سنوسرت الثالث» على بلاد النوبة، ورُقى بسبب بسالته إلى رتبة قائد قوات الملك الخاصة (الحرس الملكي)، حيث كان هناك مائة رجل تحت قيادته الشخصية.
كانت الحملة العسكرية التالية للقائد «سوبك – خو» في منطقة سكمم في بلاد رتنو أو سوريا، وقد قام بقيادة قوات الاحتياط في الجيش أثناء نشوب المعارك هناك.
وعندما اشتد رجاله في القتـال أثناء المعركة، استطاع القبض على أسير، وقام اثنان من رجاله بنقل الأسير ونـزع سلاحه، وقد استمرت المعركة وكوفىء «سوبك – خو» من الملك بهدية من السلاح كانت مماثلة لأسلحة الأسير.