رد العالم في العلوم السياسية والمؤرخ الروسي أوليغ كوزنيتسوف على أسئلة يوميات أوراسيا عن الأزمة السورية ، أثناء لقائه رئيس المؤسسة الأورأسيوية الدولية للصحافة أمود ميرزاييف في باكو.
من الجدير بالذكر أن الأمين العام لحلف الناتو عن أعرب دعمه لضربات سوريا. ولم تبلغ روسيا عن توجيه الضربات لسورية مسبقا من قبل الولايات المتحدة وحلفائها.
- كيف تقيم التصعيد الأخير في سوريا؟
- يعتبر أنظمة الدفاع الجوي الروسية والسورية قوية لدرجة كافية. عند نوقشت الخطط الأولية حول شن الغارات الجوية المشتركة على سوريا في عام 2013، أي ضد الحكومة الشرعية ضد بشارالأسد بالذات، كان حلف شمال الأطلسي يملك 1300 طائرة. إذا أشرك الحلف كلها في الغارات ، فكان يحسر 450-550 طائرة. هذا هو في الواقع ثلث الأسطول بأكمله. تكلفة طائرة عسكرية واحدة 700 من مليون إلى 1.5 مليار دولار. في ذلك الوقت (2013) وكانت الدفاعات الجوية السورية قوية بحيث كانت على استعداد لإشقاط ثلث طائرات التحالف المؤيدة للولايات المتحدة، الذي كان في ذلك الوقت في حالة حرب مع داعش.
وبناء على ذلك، فإن سعر مثل هذه الحرب، والخسائر المادية لدول الناتو، ستصل إلى نحو تريليون دولار، طبعاً الغرض من أي حرب هو النصر الذي يضمن الفوائد المالية أياً كان. وأما هذه التكاليف المادية فمن الواضح أنها لم تقابل الفوائد المحتملة من الإطاحة بنظام الأسد. ثم رفض جيش الناتو هذه الخطة.
والآن أصبح التواجد العسكري الروسي في سوريا قوياً لدرجة كافية. يقع حوالي 40% من المجال الجوي السوري في مناطق مسؤولية الدفاع الجوي الروسي. وبهذا المعنى، فإن الغارات واسعة النطاق على كامل أراضي الجمهورية العربية السورية ليست ممكنة واقعياً. خصوصاً أن هيئة الأركان العامة الروسية بينت بكل وضوح أنه لن يتم إسقاط صواريخ كروز فقط، ولكن أيضا الطائرات وغيرها من وسائل حملها. يمكن أن تشمل وسائل الحمل كلاً من الغواصات والسفن، أي يمكن توجيه الضربات على هذه الوسائل بالضبط. ولكن، يجب أن نفهم أن تكلفة هذه السفينة أو الطائرة أعلى بما لا يقاس، بالإضافة إلى تكاليف كبيرة للسمعة.
أنا أفهم جيداً أن إمكانيات قتالية للجيش السوري منخفضة على قدر الحاجة. هناك الأمثلة الكثيرة حول أن الطيارين العرب خلال الحروب العربية الإسرائيلية لم يتحملوا أعباء المعركة من النواحي النفسية والعاطفية. أنهم كانوا يقذفون أنفسهم بالمقاعد المقذوفة دون التأكد في إصابة الطائرة. وهناك الحالات أن أطقم الدبابات السورية عند تعرضهم لنيران المتمردين والإرهابيين الدوليين، بسبب صفاتهم العاطفية كانوا يتركون دباياتهم ببساطة دون الإصابة أو بالإصابة الخفيفة. ومن الناحية المادة البشرية لم يكن الجيش السوري قوياً بما فيه الكفاية. بطبيعة الحال، كان العدو بما فيه العسكريون للناتو يستفيدون من هذه العوامل وبعتمدون عليها. ولكن عند توجيه ضربة على الأراضي التي تتحمل روسيا الاتحادية المسؤولية عنها، قد يواجه حلفاء الولايات لمتحدة مشاكل أكثر خطورة.
- لماذا لا يقدّر المجتمع الدولي، ولا سيما الدول الكبرى الأعضاء في مجلس الأمن للأمم المتحدة، حياة سكان سوريا تقديراً عالياً؟
- في الغرب هناك نظرية "المليار (البليون) الذهبي" ("Golden Billion"). إن المليار الذهبي يشمل الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي، أو الاتحاد الأوروبي أو مجموعة الدول السبع، بما في ذلك اليابان وأقرب حلفائها مثل هونغ كونغ وسنغافورة وهما من الدول القزمية التي لها اقتصاد متطور للغاية. تكمن عقلية الغرب في حقيقة أن الجميع الذين ليسوا معهم هم ضدهم ، بما في ذلك روسيا والصين وأذربيجان وجميع دول آسيا والعالم الإسلامي بأسره وإفريقيا وأمريكا اللاتينية بأكملها. وهذه الدول في رأي الغربيين هي الدول السافلة (rogue states) ، يمكن أن تتصرف بها بطريقة مختلفة عن الدول الداخلة في البليون الذهبي. من البداية، في عقلية العالم الغربي هناك تقسيم العالم إلى "لنا" و"لغيرنا".
في عهد الرئيس يلتسين، كانت روسيا جزءاً من مجموعة الدول الثماني الكبرى (G8). ثم تم تخفيض عدد الدول في هذه المجموعة وعزلت روسيا عن البليون الذهبي. بقية العالم، بما في ذلك سوريا، لم تكن تنتمي إلى "نادي النخبة". وفقاً لإيديولوجية الغرب، فإن كل أولئك الذين هم خارج البليون الذهبي هم أعداء. ولذلك، فإن دماء سكان الشرق الأوسط وروسيا ببساطة لا تؤخذ بعين الاعتبار. نحن أشخاص من الدرجة الثانية بالنسبة لهم. وبهذا المعنى، فإن أياً من الخبراء الأوروبيين لا يشعرون بالحيرة من مشكلة قتل كم مئات الآلاف من الناس. لأنهم ليسوا من وسطهم.
- لماذا لا تسمح للدول التعامل بنفسها مع مشاكلها؟ هل يحق للقوى العظمى أن تغزو الدول المستقلة؟
- مرة أخرى، أعود إلى نظرية "البليون الذهبي". يقر سكان الدول الداخلة في المليار الذهبي أو الحلفاء المقربين لهم فقط مصيرهم. انهم معجبون بهذا وهذا مسموح لهم. تعتبر بقية الدول بمناطق الفوضى وفي حقها يتم اعتماد السياسة المختلفة تماماً عما تنص عليه الاتفاقيات الدولية والبيانات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة.
- ما هي توقعاتك للسنوات القريبة القادمة في المنطقة؟
- الحديث عن التخطيط الاستراتيجي الجاد متهور للغاية، ولكن يمكن تتبع اتجاهات معينة. أولا، العالم الأحادي القطب لم يعد موجوداً ولن يكون موجوداً. الآن هناك تطور سريع لثلاثة مراكز إقليمية بديلة: الصين والهند والبرازيل. هذه الدول لديها إمكانات بشرية وصناعية ضخمة. والأهم من ذلك، لديها إرادتها السياسية الخاصة.
بالطبع، نحن لا نأخذ بعين الاعتبار روسيا التي عارضت نفسها للولايات المتحدة. وإذا كانت أميركا وحلفاؤها تحاول الحفاظ على هيمنتهم السابقة بالسبل العسكرية، فإن الصين والهند ستواصلان سياساتهما في المجال الاجتماعي والاقتصادي أكثر. إننا نعلم جيدا أن نصف بلدان إفريقيا لم تستخدم الدولار كعملة منذ فترة طويلة. إن إفريقيا بأكملها التي تقع في نصف الكرة الجنوبي، باستثناء جنوب أفريقيا وناميبيا تستخدم اليوان الصيني كوسيلة رئيسية للدفع.
- أتمنى ألا يعرف الناس الحرب، ويعيشوا بسلام مع عائلاتهم على أرضهم. ما هو الشيء الآخر المطلوب للسعادة لمواطن عادي في العالم ؟!
- أنا أتفق معك تماماً. للأسف، أولئك الذين يطلقون الحروب، لديهم معايير التقييم الأخرى. ندرك تماماً أن المهمة الرئيسية لتدمير النظام السياسي في سوريا هي فتح إمكانية بناء خط أنابيب الغاز من قطر إلى أوروبا. وبالتالي، يتم تحرير أوروبا من تأثير الغاز الروسي. والحرب في سوريا من وجهة نظر الاقتصاد الكلي لها توجه معادٍ لروسيا.
قطر هي الدولة الثانية في العالم من ناحية احطياطيات الغاز الطبيعي. من أجل نقل الغاز من قطر إلى أوروبا، من الضروري وضع البلدين وهما سوريا وتركيا على ركبتيهما. لذلك، كانت هناك محاولة للانقلاب في تركيا في العام الماضي، ويعود سبب الحرب في سوريا إلى تمكن الغاز القطري من التنافس بالغاز الروسي في الأسواق الأوروبية.
لا يهتم مدبروا الحروب بحياة الناس والقيم الثقافية والمفاهيم الإنسانية العامة القريبة من الجزء الأكبر من سكان العالم ما لها قيمة لهم على الإطلاق. وأنهم يسعون إلى الهيمنة الاقتصادية والسياسية الكاملة. يقارنون أنفسهم مع الآلهة.