المقابلة الصحفية مع ألكسندر شوميلين، المستشرق والباحث العلمي الأقدم في قسم الأمن الأوروبي في معهد أوروبا لأكاديمية العلوم الروسية.
- هكذا، مضى اللقاء بين بوتين وترامب. ولكن بصرف النظر عن الكلمات العامة، لم يبين أي شيء عن نتيجة المحادثات. وقال ترامب إنه بعد المحادثات ستتغير العلاقات بين الدولتين إلى الأفضل، وقال بوتين إن المحادثات كانت ناجحة. ماذا يعني هذا الإيجاز والكلمات العامة؟
- أولاً، من المهم تقسيم بين محتويات اللقاء والأسلوبية، التي أقيم فيها لقاء الرئيسان. بالحديث عن الأساليب، فإننا نعني تعبيرات الوجه، والإيماءات، إن صح التعبير، ولحن نغمة التواصل، ومسلكه ... حاولت أن أراقب كل ذلك بعناية. منذ البداية، كان من الواضح أن ترامب كان متوتراً للغاية، عصبياً. في الحين كان بوتين مركزاً وهادئاً نسبياً وسيطر بدون شك على الاجتماع. وأصبحت نتائجه نجاحاً له.
كل هذا مهم لفهم جوهر ما فجر المؤسسة الأمريكية، وحتى الطبقة السياسية في دول أوروبا، أي ما حدث خلال المؤتمر الصحفي عندما صرح ترامب أنه مع كل الاحترام الواجب للخدمات الأمنية الأمريكية، كان بوتين مقنعاً للغاية ، قائلاً إن روسيا لم تتدخل في الانتخابات الأمريكية. أذكر أن ترامب حرفياً قال ما يلي: "لا أرى أي سبب لماذا يمكن أن تكون روسيا". وفي مواجهة انتقادات حادة لدى عودته إلى واشنطن، سارع ترامب إلى إيجاد حجة لتبرير ما حدث، مستشهداً بـ "تحفظ". ومع ذلك، من غير المرجح أن تقنع هذه الحجة نقاد ترامب، بما أن ما قاله في هلسنكي يتناسب تماماً مع أسلوب الاجتماع ذاته، وجوه، ومسلك زعيمي الدولتين.
عند التحدث على المستوى العقلاني، فإن رغبة الصاحب الحالي للبيت الأبيض في إيجاد لغة مشتركة مع بوتين لها أسبابها الخاصة. للقيام بذلك، نحن بحاجة إلى فهم ما هي ظاهرة الرئيس دونالد ترامب.
- ترامب هو مؤيد للأحادية، وتدمير نظام المعاهدات الدولية، وإنشاء نظام جديد من الإجراءات الانفرادية والمعاهدات الفردية للبلدان مع أمريكا. ربما يفضله بوتين لأنه هو نفسه، يحاول تدمير النظام العالمي القائم؟ بالإضافة إلى ذلك، يضع ترامب التجارة في مركز سياسته. وهو من الحمائيين الذين يسعون لحماية السوق الأمريكية من السلع المنافسة من الدول الأخرى، وشن حروب تجارية مع الصين وأوروبا ، وانتقاد حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي. لكنه لا يستطيع أن يتشاجر مع الجميع. من هنا اختيار الشركاء، مثل التقارب الحاد مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. لماذا لا مع بوتين. هل توافق على هذا التقييم؟
- مثل هذه التقييمات الحادة لكلا الرئيسن نسمعها اليوم بكثرة، خاصة وأن هناك الكثير من الذاتية فيها. لكننا نحتاج هنا إلى توضيحات. من بين مجموعة الأسباب التي يسعى ترامب إلى إقامة على أساسها علاقات وثيقة مع روسيا، برأيي، هناك حساباته مفادها ممارسة الضغط على الاتحاد الأوروبي بهذه الطريقة (عبر روسيا). أنظروا، كم هو بارد في كثير من الأحيان عند لقاءاته مع الأوروبيين وكم يتكلم بحرارة عن روسيا. يمكن الافتراض أنه بالتالي يبعث إشارات إلى أوروبا حول ما يلي: إذا لا تريد أن تدفع ما يكفي من المال لصيانة الناتو وتطويره، فلا تريد أن تلعب بقواعدنا في التجارة، إذن في هذه الحالة أستطيع أن أتفق مع بوتين. يقال إن الكرملين له مصالحه الخاصة في أوروبا والعالم. يبدو أن نصبح شركاء معه. ما رأيكم في هذا القرار يا سادة؟
ومع ذلك، فإن هذه المحاولة لممارسة الضغط على أوروبا ليست سوى جزء من تفسير رغبات ترامب. في خططه، تحتل روسيا مكانة مهمة في اللعبة الكبيرة في الشرق الأوسط.
- عشية الاجتماع بين بوتين وترامب، نشرت صحيفة نيويوركر ملاحظات مثيرة للاهتمام حول القضايا التي يعتزم الطرفان مناقشتها. يتطابق هذا مع الاعتبارات التي عبرت عنها، ولكنها تحتوي على بعض التفاصيل المهمة. تدفع إسرائيل والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ترامب لتبادل أوكرانيا مع سوريا (الأحرى، مع التواجد الإيراني فيها). غرضهم هو: تعترف ترامب بالقرم الروسية يضمن رفع العقوبات على روسيا، والاتحاد الروسي بدوره يساعد الولايات المتحدة وإسرائيل في سحب القوات الإيرانية من سوريا، وذلك بعدم السماح لإيران على الاستمرار في توسيع نفوذها في الشرق الأوسط (لبنان وسوريا والعراق هي الآن تحت سيطرة جزئية للميليشيات الموالية لإيران والقوات الإيرانية). ما رأيك في ذلك؟
- هناك بعض الحقائق في هذه الفكرة، في رأيي. من وجهة نظري، أصبحت القضية الإيرانية موضوعاً رئيسياً في الاجتماع بين بوتين وترامب. قام ترامب بمنعطف حاد فيما يتعلق بسياسة الشرق الأوسط مقارنة بسلفه في البيت الأبيض. إذا كان أوباما بارداً تجاه إسرائيل وعمل بنشاط على إبرام الصفقة النووية مع إيران، فإن ترامب يقوم بكل شيء على العكس. وقد ألغى الاتفاق (خطة العمل المشتركة الشاملة - JCPOA) كخطوة مهمة في إحياء وتعزيز الشراكة الاستراتيجية الأمريكية مع إسرائيل والملكيات العربية في الخليج الفارسي/العربي.
والحقيقة هي أن ترامب يبني سياسته في الشرق الأوسط بتوجه في المقام الأول تجاه إسرائيل. ويرجع ذلك إلى مصالحها السياسية الداخلية (الحفاظ على دعم المجتمع اليهودي في الولايات المتحدة)، وكذلك حساباته السياسة الخارجية (الشراكة مع إسرائيل لم تحول دون تعزيز مصالح الولايات المتحدة في العالم العربي، كما كان في الماضي). تمكنت أميركا الآن تحت "مظلة المعادية لإيران" من دمج صداقتها مع إسرائيل والملكيات العربية في الخليج الفارسي/العربي. دعونا نذكر في هذا الصدد أن رد فعل الممالك العرب على نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس لم يكن حاداً وخطيراً بالنسبة لواشنطن.
والآن يحاول ترامب الحصول على دعم بوتين بشأن سوريا ويريد من روسيا ممارسة ضغط على إيران ، ومنع اقتراب الجماعات الإيرانية والموالاة الإيرانية التي تقاتل إلى جانب الأسد، من الحدود الإسرائيلية، حتى تساعد على إضعاف مواقف الإيرانيين في سوريا.
إلى أي مدى ستكون موسكو مستعدة للتعاون في هذا الاتجاه مع الولايات المتحدة - سيثبتها لنا الزمن. دعونا أيضًا نلاحظ أن المصالح الحقيقية لروسيا في الشرق الأوسط أوسع من تلك التي يوفرها التعاون مع إيران. العالم العربي (السني) في نطاقه وأهميته ، بالمعنى المجازي ، يفوق على إيرران.
دعونا نكون صريحين ، وأفاق تحسين علاقات روسيا مع الولايات المتحدة، وطرح مسألة "الاحتياجات الأمنية لإسرائيل" في هلسنكي، لا يمكن إلا أن يزعج الإيرانيين. في نفس اليوم الذي تحدثت فيه مع ممثلين عن وزارة الخارجية والمحللين الإيرانيين، يمكنني القول إنهم قلقون للغاية.
- لكن أقوالك تثير التساؤلات . لماذا يتعين على بوتين تقديم تنازلات للولايات المتحدة بشأن سوريا؟ صفقة إيران في مقابل أوكرانيا أمر غير مرجح. حظر الكونغرس لترامب إزالة العقوبات من روسيا، لا يتمكن الكرملين من ممارسة مثل الضغط على الايرانيين في سوريا لإخراج الإيرانيين من هناك (لم يكن لدي الكرملين القوة والنفوذ الكافية في سوريا ليحل محل القوات الإيرانية والموالية لإيران، التي تشكل جزءاً كبيراً من قوات الأسد وتسيطر على سوريا) . ماذا يمكن أن يقدم ترامب وبوتين بعضهما للبعض؟
- كثير. يمكن لموسكو أن تتخذ بعض الخطوات للحد من نفوذ إيران في سوريا (على سبيل المثال، مع الأخذ بعين الاعتبار الانخفاض المحتمل في وعد البنتاغون في وجودها العسكري في سوريا)، على الرغم من أنه صحيح أن قدرتها على القيام بذلك محدودة. وبدون الدعم الإيراني للأسد، من الصعب أنه يسيطر على البلاد.
يمكن لترامب في المقابل أن يساعد في تخفيف الضغط الدولي على روسيا. ونتيجة لذلك، وبالفعل في منظور القريب يمكن أن تصبح روسيا لاعبا أكثر تأثيراً على الساحة الدولية. ربما بعد ذلك سيكون الكثير من الادعاءات على بلادنا أقل جهورياً.
وعلاوة على ذلك، تحتاج الولايات المتحدة وروسيا إلى التعاون في سوريا بالاعتبار أنه هناك الحقيقة أنه على أراضيها ما زال تتواجد القوات العسكرية للدولتين، والتي في الظروف غير المواتية قد تدخل في الصدام المباشر. مع كل شيء، سوريا منقسمة. وهذا، على ما يبدو، لفترة طويلة.
أجرى المقابلة ميخائيل ماجد، الكاتب الصحفي والخبير في الشئون الشرق الأوسطية،
حصراً لـ Eurasia Diary