في الآونة الأخيرة، احتل مشروع البحث عن موارد الطاقة في حوض شرق البحر المتوسط وإخراج الاحتياطيات الهيدروكربونية الموجودة من أعماق البحار وتصدريها إلى الأسواق العالمية بمشاركة جمهورية قبرص (قبرص اليونانية) واليونان والدول الأخرى صدارة أجندة الصحافة العالمية.
تشارك الدول مثل قبرص (اليونان) واليونان ومصر وإسرائيل في مشروع استخراج وتصدير المواد الهيدروكربونية الموجودة في حوض شرق البحر المتوسط. لكن غياب جمهورية تركيا وجمهورية شمال قبرص التركية في هذا المشروع قد أثار قلقاً بالغاً لدى الجانب التركي. بقيت تركيا التي تعاني من الأزمة الدبلوماسية مع جميع دول شرق المتوسط تقريباً، خارج نطاق هذا المشروع في الواقع وهذا ليس إلا بانتهاك حقيقي لحقوق الأتراك الذين يعيشون في المنطقة. لهذا السبب، تسببت مسألة مناقشة موارد الطاقة حول قبرص بين الأطراف ذات الصلة توتراً منذ فترة طويلة. في معرض كلمته الملقاة بمناسبة الذكرى السنوية لعملية السلام للأتراك القبارصة، شدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على حيوية هذه القضية وهدد دول المنطقة بتكرار ما وقع في عام 1974 مرة أخرى.
نظراً لأهمية القضية، التقت Eurasia Diary عضو المجلس الصحفي لجمهورية شمال قبرص والصحفي والمحلل السياسي جوكان جولرو أجرت الحوار الحصري معه ونقدم نصه للقراء:
"إنهم يحاولون الاستيلاء على الموارد الطبيعية للجزيرة"
- ما هي الأسباب الرئيسية لمشكلة الطاقة في قبرص؟
- ينص دستور جمهورية قبرص المعتمد في عام 1960 على توزيع جميع الموارد المادية والثقافية للجزيرة على قدم المساواة بين شعبي الجزيرة - الأتراك واليونانيين.
ولكن، مثل ما غذت القوات المسلحة لليونان في جمهورية قبرص في عام 1963 واحتلت الجزيرة كليا بغية إقامة الدولة الموحدة لليونان، وهذه المرة لا يزالون يحاولون الاستلاء على مواردها الطبيعية باستخدام طرق مختلفة. تسبب الاتفاقيات التقييدية للمناطق الاقتصادية الخاصة التي وقعتها الحكومة القبرصية اليونانية في عام 2003 مع مصر وفي عام 2007 مع لبنان وفي عام 2011 مع إسرائيل والتي تخالف مبادئ القانون الدولي النزاعات والتوترات في لشرق المتوسط. لأنه لم يأخذ أي من هذه الاتفاقيات حقوق القبارصة الأتراك والجمهوريات التركية في الاعتبار. وانطلاقاً من هذه الاتفاقيات يدعون أنه لتركيا لا حق في الموارد المكتشفة في المنطقة . السبب الرئيسي للتوتر هو هذا الظلم تجاه تركيا.
- وإذن، ما هو موقف تركيا تجاه هذا الظلم؟
وطرح الجانب التركي (جمهورية شمال قبرص التركية وجمهورية تركيا) أكثر من مرة منذ اليوم الأول "البحث المشترك" و"التقييم المشترك" و"الأرباح العامة" فيما يتعلق باحتياطيات الهيدروكربونات على أساس مصالح كلا الشعبين اللذين يعيشان في الجزيرة وأكد وقد يكون وسيلة لحل قضية الوضع القانوني للجزيرة. ولكن للأسف، فإن الموقف العنيد والمخالف الذي يتخذه الجانب اليوناني منذ بداية المشكلة لم يحل دون حل مشكلة الغاز الطبيعي فقط، بل يعرقل حل قضية الوضع القانوني للجزيرة. وقد أكدت تركيا في كل فرصة، أنها لا تعترف بالاتفاقيات التي أبرمتها حكومة جنوب قبرص من الجاتب الواحد مع شركات الطاقة العاملة في المنطقة وكذلك مع الدول مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا حول المنطقة الاقتصادية الخاصة وتعلن صراحة أنها لا تسمح باستكشاف وإنتاج الطاقة في المناطق التي تسيطر عليها تركيا (أو القبارصة الأتراك).
القضية ليست بقضية الغاز الطبيعي فقط، بل أنها قضية الاستقلال.
- هل لمشكلة البحر المتوسط دور ما في توتر علاقات جمهورية تركية مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة مؤخرًا؟
- بالطبع لها دور. تود الحكومة اليونانية حل قضية قبرص وكذلك قضية الموارد الهيدروكربونية لصالحها وبإعلان مشاريع بحثية للموارد الهيدروكربونية في المنطقة الاقتصادية الخاصة من جانب واحد، ولا سيما بإشراك شركات "إكسون موبيل" الأمريكية و"توتال" الفرنسية و"إيني" الإيطالية تسعى لمواجهة تركيا بالولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي.
- كم هي كمية احتياطيات الغاز في شرق البحر المتوسط ، وخاصة في الأجزاء الخاصة لقبرص ، وهي تسبب توترات خطيرة في المنطقة؟
- يعود 22 % من احتياطيات الزرنيخ المستخدمة في العالم إلى احتياطيات الغاز. تنتج الحقول التي يقال إنها تقع في شرق البحر المتوسط 1.5% فقط من الغاز العالمي. وهذا يعني أن المشكلة ليست في الغاز الطبيعي، ولكن في الاستقلال. يبذل اليونانيون قصارى جهدهم للاستيلاء على موارد الهيدروكربون في قبرص لمصلحتهم الخاصة. لكن الهدف ليس فقط الموارد الطبيعية بل قبرص ككل. بهدف القبارصة اليونانيون إلى حرمان شمال قبرص من الاستقلال ، عن طريقة حرمانهم من ثروتهم الطبيعية. إن استقلال قبرص الشمالية مسألة الشرف بالنسبة لتركيا وجميع الأتراك في العالم. بالإضافة إلى ذلك ، فقدان استقلال قبرص الشمالية وحل مشكلة قبرص لصالح اليونانيين يعني أن المتوسط الشرقي سيغلق في وجه تركيا. في حالة اتخاذ تركيا موقفاً سلبياً في شرق المتوسط وفي بحر إيجه، لن تتمكن أي سفينة متجهة من شمال قبرص إلى تركيا أو من أنطاليا إلى اسطنبول من التحرك إلا بإذن من اليونانيين. هذا هو الحدث المخزي للشعب الذي هيمن على هذه الأراضي والمياه خلال سنوات عديدة ...
المواقف الحالية قد تسبب الحرب في المنطقة.
- بما أنك تقوم بتحليل عميق للوضع، يجب أن أسألك: هل يمكن أن تقوم تركيا بعملية ثانية في قبرص في حالة وجود مثل هذا الخطر؟ هل يمكن أن يتحول التوتر إلى حرب؟
- هناك الاحتمالات لتحول شدة التوتر إلى صراع حار عند مستوى يمكن السيطرة عليه هناك أسباب وإجراءات تخلق هذه الاحتمالات. كما أشرنا أعلاه، قد خطط الجانب اليوناني لعبة تهدف إلى إخلال بالعلاقات بين تركيا والولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا، وذلك بإشراك شركات هذه الدول في مشروع الطاقة فرض إنشاء االمنطقة الاقتصادية الخاصة على العالم طأمر واقع. وثم أدخل مصر وإسرائيل في هذه اللعبة. كما توصلت الإدارة القبرصية اليونانية إلى الاتفاق مع فرنسا حول إقامة القاعدة العسكرية والذي يخالف لميثاق الضمانات واتفاقية التحالف. بموجب اتفاقية التعاون العسكري في مجال الدفاع والموقعة بين وزير الدفاع للقبارصة اليونانيين ووزير الدفاع الفرنسي في 15 مايو، حصلت فرنسا على حق استخدام القاعدة البحرية "إيفانجيلوس فلوراكيس" في جنوب قبرص. تنص هذه الاتفاقية على أتخاذ حاملة الطائرات “Charles de Gauelle” هذا الموقع كقاعدة لها ومواجهتها على العسكريين الأتراك أيضًا. كما يتعهد الأسطول الفرنسي حماية السفن التابعة لشركة Total.
كذلك، رفع الكونغريس الأمريكي حظر بيع الأسلحة المفروض على جنوب قبرص قبل بضعة أيام. كل هذه التطورات تعني، للأسف، انتهاك حيادة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في قضية قبرص. ولكن تجدر الإشارة إلى أنه لا يتمتع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بصلاحيات قانونية دولية في كلمة الفصل. يجب على هذه الدول أيضاً أن تأخذ في الاعتبار أنه من المستحيل القضاء على التوتر في شرق البحر المتوسط عن طريق الاستفزازات. يمكن أن تتسبب المواقف الحالية في نشوب حرب في المنطقة. لذلك ، يجب على الغرب ألا يختبر أبداً تصميم الجانب التركي في هذا الشأن.
تفيد هذه التطورات برمتها الجانب اليوناني. تحاول الحكومة القبرصية اليونانية إثارة المواجهة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وتركيا لحماية مصالحها في شرق المتزسط. نأمل ألا يؤدي إلى هذا الوضع حرب. ومع ذلك، فإن أولئك الذين يضعون هذا السيناريو معروفون.
تبذل تركيا قصارى جهدها لحماية مصاحها الخاصة وكذلك حماية حقوق "الوطن المحبوب" - قبرص الشمالية. كما أنها مستعدة لاتخاذ خطوات محددة وملموسة في حالة انتهاك حقوق الجانب التركي.
أجرت البحرية التركية مؤخراً أكبر التدريبات العسكرية إلى يومنا هذا تحت عنوان "ذئب البحر 2019 " وتضمّ التدريبات في البحر المتوسط وبحر إيجه والبحر الأسود، 131 سفينة عسكرية و57 طائرة و33 مروحية، بحسب قيادة الجيش. تؤكد مناورات " الوطن الأزرق" و"ذئب البجر 2019 عزم تركيا على حماية حقوقها في شرق المتوسط.
تمتلك تركيا حالياً 3 سفن في شرق البحر الأبيض المتوسط: فاتح ويافوز وبارباروس. هذه الأسماء لها معان تاريخية كما هو معروف. فتح الفاتح إسطنبول وفتح السلطان يافوز الشرق الأوسط وبينما فتح وبارباروس البحر المتوسط كله. الاسم الذي أطلقته تركيا على هذه السفن هو رسالة مفتوحة للقوى التي تعد خطط معادية لتركيا في المنطقة: "أنا في البحار لحماية حقوق الأتراك! انا في الجنوب وأنا في الشرق! ولا يمكنكم أن تعملوا في شرق البحر المتوسط دون مراعاة حقوقنا وجقوق القبارصة الأتراك !!! أي أن تركيا لا تريد حرباً في المنطقة، لكن عدم احترام حقوقها يمكن أن يدفع أنقرة الرسمية للحرب.
- بالنظر إلى التوتر في المنطقة، هل يمكن القول إن تركيا ستنشر مجموعات S-400 المضادة للطائرات في الشرق؟
- من المؤكد أن أنقرة الرسمية قد حددت بالفعل مواقع S-400. ومع ذلك، فإن التوتر في المنطقة وحادث سقوط الصواروخ السورية المطلقة لإسقاطه لإيقاف الصواريخ الإسرائيلية على أراضي جمهورية شمال قبرص التركية بعد خروجها عن نظام السيطرة. ونظراً اهذا الحدث والتوتر في المنطقة، يمكن نشر هذه الأنظمة في الشرق. على أي حال، لن تترك تركيا القبارصة الأتراك دون الحماية.
الإعداد: نجات إسماعيلوف
Nicat İsmayılov
الترجمة: د. ذاكر قاسموف
Zakir Qasımov
Eurasia Diary