عد خطوة تكليف الرئيس حسّان دياب بتشكيل الحكومة الجديدة، استعاد العديد من اللبنانيين أوجه الشبه بين هذا التكليف وتكليف الرئيس نجيب ميقاتي في العام 2011 بعد إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري وخصوصاً من ناحية عدم نيل أي من الشخصيتين أصواتاً كافية من النواب السنّة تؤهّل كل منهما للتمتع بالميثاقية المطلوبة.
وإذا كان كل من الرئيسين ميقاتي ودياب وصف بأنه “مرشح حزب الله” غير أن ما يميّز ميقاتي عن دياب هو تمتّع الأول بالحضور والقدرة وبالتمثيل خلافاً للثاني الذي سمّاه ميقاتي في حكومته ولم يترك إنجازات تُذكَر في خلال تولّيه مهامه في وزارة التربية. كذلك فإن ميقاتي نافسه في التسمية اسم الرئيس الحريري الذي نال 60 صوتاً مقابل 68 صوتاً لميقاتي، ومن رجّح الكفّة آنذاك كانت أصوات جبهة النضال الوطني برئاسة النائب وليد جنبلاط الذي نفّذ انعطافة سياسية بعد حركة القمصان السود لحزب الله، وتسبّبت هذه الانعطافة يومها في انشقاق اللقاء الديمقراطي وابتعاد 4 نواب هم مروان حمادة وهنري حلو وفؤاد السعد وانطوان سعد.
أما حسّان دياب فلم تنضج أي تسمية في وجهه، ولم يتبنّ تيار المستقبل ولا القوات اللبنانية خيار تسمية السفير نواف سلام الذي حظي فقط بأصوات “اللقاء الديمقراطي” وحزب الكتائب ورئيس حركة الاستقلال ميشال معوّض والنائب نهاد المشنوق.
ولناحية الظروف التي رافقت التكليف لوحظ أن الثنائي الشيعي كان مصرّاً على عودة سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة، غير أن المفاجأة جاءته من القوات اللبنانية التي قرّرت عدم التسمية خلافاً لما فعلت في مرات عديدة. أضف إلى ذلك، أن تكليف ميقاتي الذي أنتج حكومة سياسيين يختلف عن تكليف دياب الذي سينتج حكومة اختصاصيين. وإذا كانت حكومة ميقاتي تشكّلت من 30 وزيراً وضمّت في صفوفها تمثيلاً جنبلاطياً من خلال وزيرين للحزب الاشتراكي والأمير طلال أرسلان الذي استقال رفضاً لتسميته وزير دولة، فإن حكومة دياب ستكون متوسطة وغير موسّعة ولن يشترك فيها الحزب الاشتراكي لا بل إنه يعارضها فيما هي تحظى في المقابل بتأييد أرسلان.
وفي حصيلة المقارنة بين الحكومتين، أن ميقاتي ضمّت حكومته 18 وزيراً لفريق 8 آذار والتيار الوطني الحر و12 وزيراً لفريق رئيس الجمهورية ميشال سليمان والنائب جنبلاط، فيما حكومة دياب ستكون على الأرجح من لون واحد بعد امتناع تيار المستقبل والقوات والاشتراكي والكتائب عن المشاركة فيها.
في أيام حكومة ميقاتي، بقي الرئيس الحريري خارج لبنان لأسباب أمنية لفترة طويلة وكانت القضية الخلافية الأساسية هي المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وما حُكي عن شهود زور، أما القضية الرئيسية حالياً هي الأزمة الاقتصادية والمالية المتدهورة والانهيار الذي تشهده البلاد.
أما أوجه التشابه بين حكومتي الأمس واليوم فهي استمرار النزاع بين محور الممانعة وعلى رأسه إيران والمحور الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، مع مفارقة أن رئيس الجمهورية آنذاك العماد ميشال سليمان كان ملتزماً سياسة الحياد والنأي بالنفس وجمع الأطراف السياسية في القصر الجمهوري وأصدر “إعلان بعبدا” تشديداً منه على علاقات لبنان العربية والدولية خلافاً لأداء رئيس الجمهورية الحالي العماد ميشال عون الذي هو أقرب إلى محور الممانعة منه إلى اعتماد سياسة النأي بالنفس التي التزمتها حكومة الحريري.
وإذا كان الرئيس سليمان أنهى ولايته بخلاف كبير مع حزب الله بعدما وصف المعادلة الذهبية “جيش وشعب ومقاومة” بـ “المعادلة الخشبية” وردّ عليه حزب الله نازعاً عنه صفة الرئيس ليصفه بـ”ساكن بعبدا” فإن الرئيس عون يبدو ملتصقاً بحزب الله أكثر من أي وقت مضى خلافاً لما كان يأمله البعض من أن يشكّل جسراً بين قوى 8 و14 آذار وأن يترجم عهده فعلاً نظرية “العهد القوي”.
لذلك، وجّه منسق الأمانة العامة السابق لقوى 14 آذار فارس سعيد سلسلة انتقادات للرئيس عون قائلاً “سيسجّل التاريخ ان في عهد الرئيس الماروني القوي تضرّرت علاقات لبنان العربية والغربية، وشعر السنّة بالغبن والمسيحيون بالفقر والشيعة بالانكشاف، وانهار القطاع المصرفي الذي بُني على فكرة قانون سرية المصارف. وأنه في عهده القوي شُيّدت الجدران بين منطقة وأخرى في وسط بيروت وأقفل مجلس النواب أبوابه بالحديد وانتشر لواء لحماية القصر الجمهوري ونزع النواب لوحاتهم عن سياراتهم خوفاً من الناس”.
يبقى أن الثابتة الوحيدة في زمن حكومتي ميقاتي ودياب هي بقاء حزب الله متحكّماً بالوضع الداخلي وباتجاه الأمور. وقد لخّص أحد الناشطين في حزب الله المشهد الذي سبق عملية التكليف واحتراق أسماء المرشحين تباعاً وصولاً إلى تكليف دياب بقوله “بتحسّ القوات والمستقبل والاشتراكي بقيوا يهاجموا للدقيقة التسعين وما حطّوا هدف، فقام التيار والحزب والحركة عملوا هجمة مرتدّة واحدة بالوقت الضائع وحطّوا هدف وربحوا”