بات الموسيقي العربي اليوم، يتوق ويحن، إلى ملامسة بوابات المستقبل الموسيقي الذي ينشد، لكن من دون فائدة مرجوة، حيث تغلق الأبواب في وجه مشروعه أو لنقل حلمه الموسيقي الواعد، لأسباب معلومة، من أهمها التزامه بجماليات اللغة الموسيقية العربية، بالرغم من أدواته المعرفية الحداثية، التي اكتسبها، ومن خلالها يحاول، ما استطاع إليه سبيلا، كتابة موسيقى عربية بديلة ومغايرة للسائد المطروح في المشهد المعاصر.
لكن ليس الأمر مجرد تمنيات، فدونه عقبات وعوائق لاتنتهي، حيث يحيط بهذا المشروع الثقافي التنويري، سارقو الوعي والعقول، من أصحاب المال الأسود، بمنطقه وخياراته التجارية وحدها، بل يتعدى الأمر ذلك، نحو تفريغ هذا الفن من مضامينه التعبيرية والجمالية، ونشر ثقافة القطيع التي تبشر بها وتتبناها منظومة العولمة ومابعدها، حيث صعود صناعة النجوم، وصناعة الإقبال عليها، وهي على كل حال نجوم خلبية، تمتلك كل شيء، الا الموهبة والمعرفة، ممافتح المجال واسعا، لدخول مهرجين ودجالين وأدعياء، هذا المجال الإبداعي النبيل، الذي كان لايقاربه الا ذو موهبة ربانية وحضور معرفي وثقافة فنية واسعة، فما الذي حدث حتى نسير في ركب التغريب والتقليد واستنساخ الآخر من دون إدراك وقراءة واستبصار لهذا التحول نحو الانقياد الأعمى للآخر المغاير كائنا ما كان، وكأن موسيقانا العربية لاتملك تاريخا عظيما، في الإبداع والحضور الفاعل والمثمر، في موسيقات الشعوب، حيث تركت بصماتها المضيئة وحضورها المشع عبر التاريخ تأثيرا وتأثرا، من منطلق التثاقف والحوار الخلاق، وليس كما يحدث في أيامنا الكئيبة هذه، من منطلق التصاغر في حضرة الآخر بشكل دوني، يفصح عن عقدة مستفحلة نحوه، وهذا يعني بشكل أو بآخر تأبيد مقولة المفكر العربي" ابن خلدون" في ولع المغلوب بتقليد الغالب، وهي مقولة يعتنقها بعض الموسيقيين العرب في سبيل الوصول كما يتوهمون إلى عالمية مزعومة هي وهم وخديعة، كما علمتنا تجارب الشعوب الموسيقية ، وكما تخبرنا التجربة الموسيقية العربية المعاصرة، حيث لامكان لأنصاف الحلول، فإما أن تكون مسارات التلحين المعاصرة تستقي مشروعيتها وحضورها في الحياة المعاصرة من خزين الذاكرة الموسيقية وموروثها الإبداعي القديم، نحو مقولة الأديب الألماني العظيم " غوته" في أن الفن هو ارتحال نحو الآخر، وإما أن نبقى ندور في متاهة التقليد القردي على رأي الباحث الكبير "محمود قطاط" ولا خيار أو بديل لهذا الموسيقي من اعتناق وتبني روح المثاقفة والحوار الحضاري، والارتحال نحو كل مايثري ويخصب، مفردات هويته الموسيقية العربية، إن أراد أن يشكل حضور ومكانة رفيعة في الموسيقى العالمية انطلاقا من الداخل وليس فرضا من الخارج، وهو بالتأكيد يعي جيدا الفرق العميق مابين الاتباع والإبداع.