التنظيم السري لحركة النهضة الإخوانية ( تونس) يطفو من جديد "نشأته " رموزه " علاقاته بالتنظيمات الإرهابية العالمية
طفا الجهاز السري لحركة النهضة مجددا على السطح بعد أن ظهر القيادي النهضوي و الضابط السابق بالجيش الوطني سيد الفرجاني على قناة نسمة منذ يومين، ليعود الجدل حول هذا التنظيم الخاص بإعلان الجبهة الشعبية عن "حقائق ستكشف لأول مرة عن وجود علاقة عضوية بين حركة النهضة والاغتيالات السياسية" و التي يعد اغتيالا الشهيدين شكري بلعيد و الحاج محمد الإبراهيمي أبرزها.
الجهاز السري لم يعد أمرا مخفيا كما كان في عهد الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي بعد أن كشفه منصف بن سالم قيادي النهضة المتوفي سنة 2014 و وزير التعليم العالي السابق في حكومة الترويكا 1 ، إذ قال بن سالم في حديثه في وثيقة تاريخية و هي عبارة عن رسالة كان قد أرسلها للدكتور أحمد المناعي (مدیر و مؤسس المعھد التونسي للعلاقات الدولیة في فرنسا) سنة 203 " بن علي سرق جهدنا الانقلابي" و ذلك في علاقة بمحاولة الانقلاب التي كانت حركة الاتجاه الإسلامي سابق (النهضة حاليا) قد خططت لتنفيذها في 08 نوفمبر 1987 .
المجموعة الأمنية 1
بن سالم قال في جزء من رسالته و بصفته قائد العملية حينها أن الحركة خططت للإطاحة بالرئیس الراحل الحبیب بورقیبة من خلال جھازھا العسكري المعروف " المجموعة الأمنیة" عن الأسلحة التي أدخلتھا الحركة و الضباط الذین جندتھم و اختراقھا للمؤسسة الأمنیة و العسكریة... مضيفا أن " المجموعة تكونت بسرعة خیالیة وضمّت عددا من العسكریین من شتى الرتب ومن رجال الأمن بكل أصنافھم و من المدنیین، و وضعت المجموعة لنفسھا ھدفا واحدا ھو إزاحة بورقیبة و من سار في دربه في الحكم، أما وسائلھا فھي سلمیة إلى أبعد حد ممكن و لذلك تم جلب 5000 مسدس غازي من الخارج قمنا بتجربتها على أنفسنا للتأكد من عدم إلحاق الضرر بالمستھدف، و كان دور المسدس ھو تحیید المستھدف لمدة نصف ساعة، أما وسائل الدفاع الأخرى من الأسلحة الناریة و الدبابات والطائرات العسكریة فتكون بید رجال المجموعة. و ما لم یكن ذلك یتم تحییده قبل بدء العملیة بساعات محسوبة و مدققة، اخترنا أن تكون العملیة أفقیة أي تعتمد على العنصر القاعدي أكثر منه على القیادات. كما خططنا لدمج المدد المدني في الساعة الثانیة و الثالثة من البدء.".
المنصف بن سالم لم يكن وحده في هذا الجهاز، بل كان يشاركه القيادة عدد من الشخصيات النهضوية التي انسحب أغلبها أو وقع طردها من الحركة، ليبقى الوجه الأبرز حاليا و هو السيد الفرجاني الذي كان يعرف بالاسم الحركي "الأمين" ، أما من وقع التخلي عن خدماتهم ، فيعد صالح كركر أهمهم و الصحبي العمري (الحكيم) أبرز المنفذين و كان قد قدم شهادته في مركز عبد الجليل التميمي للبحث العلمي و المعلومات، عارضا فيها تفاصيل التحاقه بالمجموعة الأمنية بعد خلاف له مع ابن الوزير السابق منصور السخيري في عهد الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة وكيف أن شقيقته المنتمية لحركة الاتجاه الإسلامي التي قام بتهريبها الى الجزائر كانت الوسيط بينه و بينه و بين حمادي الجبالي الذي طلب منه بدوره تهريب فتحي معتوق الى الجزائر صحبة شقيقته.
و يقول د الصحبي العمري في شهادته " وقد اكتشفت فيما بعد أن هذا الشخص (معتوق) كان متورطا في تفجيرات نزل سوسة والمنستير في 02 أوت 1987 وكان مختفيا قرابة الشهرين بعد العملية الارهابية في بيت حامد القروي والد المنتمي للحركة نجيب القروي بسوسة، ثم تلى تلك العملية التوسط في تهريب عنصرين آخرين من قيادة حركة الاتجاه الاسلامي وهما محمد الشملي وعبد المجيد الميلي المتورطين أيضا في تفجيرات نزل سوسة والمنستير… وبعد هروب حمادي الجبالي وصالح كركر من تونس في باخرة الحبيب ، وهما متنكران في أزياء ضباط من الديوانة يوم 26 أكتوبر 1987 من ميناء حلق الوادي، بقيت بطاقة هويتي دون علمي لدى أحد قياديي حركة الإتجاه الإسلامي وهو زياد الدولاتلي و التي تم العثور عليها عند مداهمة بيته في مرناق ، ليقع إيقافي في 22 نوفمبر1987 ضمن المجموعة الأمنية التي كانت تخطط لمهاجمة السجون وإنقاذ قيادة الإتجاه الإسلامي آنذاك التي كانت تنتظر صدور تنفيذ 30 حكم اعدام إضافي في الطور الاستئنافي لمحكمة أمن الدولة يوم 17 نوفمبر 1987، إلا أن انقلاب بن علي أعاد خلط الأوراق وتم إطلاق سراح الآلاف من الموقوفين الإسلاميين سنة 1987 لتلاقي لاحقا المجموعة الأمنية التابعة لحركة الاتجاه الإسلامي، الجحود ونكران الجميل من طرف رئيس الحركة المنتفع مع رفاقه بإلغاء محكمة أمن الدولة وتعليق أحكامها".
و عن نفس الفترة و عن ذات الجهاز الإسلامي الذي كان هدفه الإطاحة بالزعيم بورقيبة، كشف مؤسّس و مدير المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية أحمد المناعي و المنتمي سابق للاتجاه الإسلامي قبل أن يغادره، في تصريح إعلامي "بالنّسبة للتّنظيم الخاصّ أو التّنظيم السّريّ التّابع لحركة النّهضة أقدّر شخصيّا بداية تأسيسه في نهاية تسعينات القرن الماضي بتوجيه بعض الطّلبة الحاصلين على الباكالوريا والتّابعين للاتّجاه الإسلاميّ إلى الأكاديميّة العسكريّة التي تكوّن ضبّاط الجيش الشّرطة والحرس والدّيوانة في تكوين مشترك لمدّة سنتين وبعد ذلك يلتحقون بأسلاكهم."
هذا التّنظيم لم ينكشف إلاّ سنة 1987 بمناسبة المحاولة الانقلابية التي كانت معدة لـ8 نوفمبر من نفس السّنة، و كان المسؤول عن التّنظيم آنذاك هو المرحوم صالح كركر وبعد خروجه من البلاد تولى المنصف بن سالم مسؤوليته... وقد كتبت رسالة استوضحه الأمر فردّ عليّ في 26 مارس2003 شارحا تفاصيل العمليّة. كان التّنظيم يشتمل على حوالي 164 عنصرا بين عسكريّين وأمنيّين وأعوان ديوانة ومدنيين. منصف بن سالم نشر كتابا في 2014 حول الموضوع ولم يخرج للمكتبات".
و لأن الروايات تعددت حول هذه الفترة "السوداء" من تاريخ الحركة الإسلامية كان لزاما الاتصال بمن باشروا الملف، و قد قال أحد الضباط السابقين الذي باشر قضية الاسلاميين في جهاز أمن الدولة المنحلّ مباشرة بعد 14 جانفي لـ"سكوب أنفو" أن "حركة الاتجاه السلامي قد عملت في سبعينات القرن الماضي على اختراق الأجهزة الأمنية و العسكرية بإصرار و بتعليمات من راشد الغنوشي عبر الالتحاق بأكاديميات الجيش و الأمن الوطني و هو ما أدى الى تغلغل الإسلاميين في إدارات حساسة في وزارة الداخلية خاصة".
و لا يسعنا إلا أن نذكّر في هذا المجال بتصريح تلفزي أثار سخرية كبرة على مواقع التواصل الاجتماعي للنائب بالمجلس التأسيسي عن الحركة الصحبي عتيق ، مفاده أن "ملائكة " كانت قد فتحت أغلاله حين كان ينتظر لقاء مدير الامن السابق محمد علي القنزوعي ، في حين أن تلك "الملائكة" لم تكن الا عبد الله غريس الذي لعب دورا حاسما في أمن الجماعة و مدها بالتقارير الأمنية و تحركات الشرطة من خلال موقعه كضابط أمن في "المصالح المختصة" (جهاز المخابرات) إضافة إلى عناصر أخرى تمكنت من التموقع في مناصب حساسة كإبراهيم العمري الضابط في سلاح الطيران وسيد الفرجاني في الاستعلامات العسكرية، وعبد السلام الخماري في جيش البر، و عمل هؤلاء على استقطاب عناصر جديدة للجهاز من زملائهم خاصة اولئك الذين تظهر عليهم علامات الالتزام الديني، إضافة الى دور الصادق شورو القيادي في الجماعة، و الذي كان آنئذ أستاذا لمادة الكيمياء في الأكاديمية العسكرية بفندق الجديد و كان له تأثير كبير على عدد من طلبته.
هكذا إذا استطاع التنظيم الاخواني التغلغل داخل ثكنات الجيش من خلال عشرات العناصر المجندة كأحمد الحجري و سامي الغربي و صالح العابدي و ابراهيم العموري و عبد الله الحريزي و الازهر خليفة و بفضل نشاطهم ستكون داخل مساجد الثكنات مكتبات مؤلفة من كتب سيد قطب و فتحي يكن و سعيد حواء و يوسف القرضاوي و محمد الغزالي.
المجموعة الأمنية 2
بعد خروج القيادة من السجن و هروب شق المهجر إلى أوروبا ، مضت حركة النهضة في قرار لا رجعة فيه و هو ضرورة قلب النظام بالقوة ،رغم إمضاء نور الدين البحيري سنة 1987 على الميثاق الوطني الذي انقلبت عليه الحركة و اتهمت النظام حينها بتزوير نتائج انتخابات 1989 و التي لم يتحصل فيها التيار الإسلامي بشقيه الرسمي ممثلاً في النهضة وفي التشكيلات المتفرقة الأخرى سوى على 17% من الأصوات حسب المراقبين الأجانب ، في حين ادّعت النهضة آنذاك أنها حصلت على 50 بالمائة من الأصوات ، لتسجل تلك الفترة بداية ظهور مناشير قادمة من لندن تحرّض على ما يسمى بتحرير المبادرة.
و على ضوء ذلك القرار، مضى الجهاز العسكري في التحضير لخطة انقلاب عسكري ينفذه أعضاء الجهاز المزروعين داخل المؤسستين الأمنية و العسكرية و تساعدهم فيه قيادة مدنية من الجهاز السياسي لتتشكل ما عرف آنذاك بـ"المجموعة الأمنية الثانية"... و يأتي تصريح الضابط السابق المذكور أعلاه ليؤكد أن المجموعة االتي اخترقت عديد الأسلاك الأمنية على غرار الحرس الوطني والشرطة وجهاز المخابرات والجيش الوطني عبر 156 عنصرا، انطلقت في إعادة التشكل منذ نهاية الثمانينات، ليبدأ استنفار التنظيم لمحاولة تغيير النظام عبر عملية انقلاب ثانية بعد فشل الأولى و تورطت فيها مجموعة "براكة الساحل" و سمّيت بـ"المجموعة الأمنية 2 ".
و عند تفطنه للمخطط الانقلابي للحركة أوائل التسعينات و حسب الكاتب الصحفي أحمد نظيف ، بدأ نظام بن علي في شن حملة اعتقالات طالت بعض قيادات حركة النهضة ، خاصة بعد اكتشاف اختراق ثان للمؤسسة العسكرية و الامنية من قبل ما يسمى مجموعة حبيب الاسود التي "لم تثبت" علاقتها الرسمية بالحركة و هو ما يعني أن النظام الحاكم حينها قد قرّر المضي في سياسة التعاطي الأمني كمقاربة لحسم المعركة مع إسلامي النهضة التي كانت تعيش ارتباكا سياسيا بعد فرار أبرز قياداتها إلى الخارج و تأكد، في مجلس شوراها المنعقد اوائل ديسمبر 1990 و مكتبها التنفيذي الذي كان يرأسه الصادق شورو حينها، قرار المواجهة مع النظام في اطار ما يسمى انذاك "معركة فرض الحريات" مع تبني سياسة تحرير المبادرة( اعلان الجهاد) التي تعطي لاعضاء الحركة حرية اتخاذ اشكال المواجهة و تنفيذها بالتنسيق مع القيادات الوسطى و دون العودة الى القيادات التنفيذية الاولى التي كانت قد بدأت في الدخول في السرية.
إحدى نتائج سياسة تحرير المبادرة كانت عملية باب سويقة التي تمثلت في حرق إحدى شعب الحزب الحاكم آنذاك مما أدى إلى مقتل حارسيها داخلها.
المجموعتان الأمنيتان و الجهاد المسلّح
بدأت عمليات ما يسمى بالجهاد المسلح في تونس بعد تفجيري فندقين في سوسة و المنستير و يعتبر المؤرخون أن العمليتين كانتا تعتبران الشكل البدائي للتفجيرات و قد تورط فيهما منتمون إلى الاتجاه الإسلامي / النهضة كمحرز بودقة الذي قام راشد الغنوشي بتأبينه في مدينة جمال بولاية المنستير و تعتبره حركة النهضة شهيدا بدليل ورود اسمه في باب "شهداء الحركة" على موقعها الرسمي على شبكة الانترنت.
و رغم نفيها لتاريخها "الجهادي" ، فقد فضح القيادي بتنظيم القاعدة أبو مصعب السوري ، وأحد أعضاء الطلیعة المقاتلة لجماعة الإخوان المسلمین في سوریا في السبعینات من القرن الماضي، العلاقة بين التيارات الجهادية و حركة النهضة ، إذ كشف في شهادة له في كتابه "المقاومة الإسلامیة العالمیة" أنه التقى على حد قوله ضباطا في الجیش التونسي والمنتمین إلى حركة الاتجاه الإسلامي خططوا للقیام بتكوین جھاز عسكري سري من أجل الإعداد للانقلاب عسكري.
و قال القيادي بتنظيم القاعدة متحدثا عن النهضة "كان للحركة تصورا طموحا یھدف إلى تأسیس الكوادر والھیاكل التنظیمیة لتنظیر یطمح إلى إسقاط نظام حكم ووراثته على كافة الصعد ولذلك كان للحركة برنامجھا في شتى المجالات السیاسیة والتربویة والاقتصادیة والإعلامیة ...وكان من بین تلك الأجھزة التي أنشأتھا الجھاز العسكري للحركة.... قام مخطط الجھاز العسكري أساسا على زرع عدد من الضباط المتطوعین في الجیش التونسي في أقسامه الثلاثة البریة والجویة والبحریة" و يواصل أبو مصعب السوري قوله "ثم مضى التنظیم على مدى نحو عشر سنوات وفق مخططه الذي كان یقوم على فكرة الانقلاب العسكري أساسا للإطاحة بالسلطة... ووفق ما رواه أحد أصدقائي من الضباط الذین أشرفوا على الإعداد للانقلاب، فقد كان البرنامج محكما وطموحا واستطاع أن یقیم الصلاة بدول مجاورة وینسق برنامجه على مستوى عالي وبحسب الرواة ذوي العلاقة فقد أدى الضعف والتردد لدى أستاذ جامعي من القسم المدني في التنظیم والذي كان على صلة مع قیادة الضباط الانقلابیین إلى كشف المحاولة قبیل تنفیذھا بوقت وجیز فسارع وزیر الداخلیة في حینھا وھو زین العابدین بن علي إلى انقلاب سریع أبیض بالتعاون مع إدارة أجھزة الأمن وبعض أركان النظام من السیاسیین.... وقد أشتمل الاتجاه الإسلامي في تونس على محاور فكریة متعددة كان بعضھا دعوى ویعضھا سیاسي وبعضھا جھادي مثله الشیخ الدكتور صالح كركر وقبض على الشیخ كركر في فرنسا والزمه الإقامة الجبریة.
و علاوة على المحاولة الانقلابية ، فقد اعتبر المؤرخون ، تحرير المبادرة الذي كان وراء عملية باب سويقة يتنزل في إطار الجهاد الإسلامي ضد "النظام العلماني الكافر" قبل أن يتقرّر التحاق شباب الاتجاه الإسلامي بالتنظيمات الجهادية على غرار الملازم بالجیش التونسي كیلاني الشواشي و العضو السابق بالاتجاه الإسلامي الحبیب الضاوي، ليظھر أواخر الثمانینات تنظیم بقیادة العضو السابق في حركة النھضة الحبیب لسود أطلق على نفسه اسم "طلائع الفدى" و تم القضاء علیه أثناء الضربة الأمنیة للنظام بدایة التسعینات، ممّا جعل عددا من الشباب التونسي يلتحق بأفغانستان وكان لهم باع في الصراع ضد السوفيات هناك استمر حتي التسعينات وظهور طالبان والقاعدة و ذلك سنوات قبل استعادة التيار الجهادي" في تونس بريقه بعد 2011 عبر تنظيم أنصار الشريعة الذي كان عدد من قياديي اللنهضة أبرز نجومه في مؤتمره الأول سنة 2011 .
واليوم يكشف جهازا سريا لهذه الحركة الإخوانية تهدد أمن البلاد والعباد