إن الفساد في الفكر والتصور والنفاق السياسي والاجتماعي الممارس في الحياة اليومية عندنا من تلك الجراثيم الفكرية والمخلفات الحضارية لهو الخطر الحقيقي والإرهاب الفكري والسياسي الواقعي والتطرف الحقيقي المهدد للقيم والمجتمع والسياسة والاقتصاد والتعليم ومستقبل التنمية والوحدة الوطنية، وهو الصورة الحقيقية للفساد الذي تجب محاربته ابتداء لنظام يدعي الحرب على الفساد والانحياز إلى جانب الفقراء والمقهورين والانتصار لكل القيم وإعلاء الهوية الوطنية والقيم الحضارية ؟
ما من شك أن تبوأ الفاشلين لقيادة الشأن العام وسيطرة النفاق السياسي على الحياة العامة والولاء الكاذب لخدمة المصالح الشخصية والحزبية والفئوية على حساب المصالح العامة للمجتمع لهو الخطر الحقيقي والفساد الذي لا غبار عليه، وهو السبب المباشر للخلل الحاصل عندنا في بناء نسيجنا الاجتماعي الأمر الذي أدى إلى تفكيك القيم المجتمعية وضعف ثقة الناس بعضهم ببعض وهو الأمر الذي تسبب في إعاقة الحركة التكاملية في بناء المجتمع وتجاوز مخلفات الماضي وإرثه ومن ثم صيانة مكتسباتنا وحماية وطننا الذي تهدده الأخطار المختلفة والمتنوعة.
لقد ظل أولئك السياسيين يعملون كسوسة تأكل قلب المجتمع نسيجا للثقافة وقيما إقتصاديا حقيقة إيحاءا وتخطيطا من قبل أولئك السياسيين الأيدلوجيين، الذين يمارسون أبشع صور النفاق الأيدلوجي والفكري والسياسي، فيعملون على إتعاب الساحة الاجتماعية وتفخيخ الفيافي السياسية بالكثير من التناقضات والصراعات مما أرهق حركة الوعي في المجتمع وأصاب أفراده بالإحباط، وهو الأمر الذي أفقد المجتمع ثقته بأغلب من يمارسون السياسية ويلوذون بالثقافة والتعليم، وذلك لان مجتمعنا بذكائه وحسه السياسي، يمتلك حدسا يفوق به كل السياسيين، فهو مجتمع بطبعه البعيد كل البعد عن السذاجة، بل إن مجتمعنا المدني وبفعل طبيعة ثقافته المحظرية أكسبته بصيرة يعرف بها حقيقة كل سياسييشعر ويقيس مدى مصداقية السياسي من خلال تعلقه بممارسة وحب السلطة و الزعامة، وإن كان يفتقر إلى الفعل الحاسم في الجزاء والعقاب للسياسيين والمسئولين ؟! .
إن أغلب الساحات السياسية والفكرية والحزبية الأيدلوجية عندنا ومنذ الذاتية والشهوات الشخصية في النفوس الطبقة السياسية مما يؤدي إلى قوة تأثيراتها السلبية على المواقف اليومية للممارسات السياسية؟.
ويستحيل هنا أن تزكي أي جهة من الجهات دون أخرى بل إن الكل مصاب بذلك الداء العضال، والمخلص من المواطنين تراه مهمشا بل ومبعدا من قبلهم وإلا لو كانت تلك الطاقات النظيفة الوطنية المهمشة تعمل في الساحة الإدارية والاجتماعية والسياسية لأنتجت للوطن خدمات جليلة ولقدمت للمجتمع الكثير!.
والسمة الظاهرة والغالبة أن تلك الطغم المتحالفة في الحكم ، ظلت قادرة على إبعاد كل متعلم مثقف ينتمي للوطن ولا ينتسب لتلك الأيدلوجيات، ليفرضوا عليه الغربة داخل وطنه أو الهجرة خارج بلده، وهو في كلت الحالتين يعيش التهميش الأمر الذي أدى ويؤدي إلى أن يصاب هو وأمثاله بالإحباط والانسحاب من تحمل هموم الوطن، فتضيع الكفاءات وتتعطل طاقات التي كان البلد بحاجة إليها، وتضيع حقوق لأهلها أحوج ما يكونون إليها، فتتسلق في مقابل ذلك فئات فاشلة جاهلة مسؤوليات لا تستحققها الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى ضياع الحقوق وضعف البناء وانعدام مخرجات التنمية بشتى أشكالها فيتعرض الإنسان المخلص المواطن العادي إلى شتى أنواع الابتلاءات فهو بين خمسة شدائد بين حاكم يضيع حقه ويقصيه ومنافق مستشار للحاكم يبغضه ونفس تنازعه وسياسي شيطان يضله ومثقف يحسده، وصفة الحسد خسيسة تمنع المخلص الكفء وتحرم المجتمع من وصول الكثير من الطاقات الجبارة من أداء دورها في هذه الحياة خدمة له ؟.
لقد كان النفاق الاجتماعي هو الأكثر انتشارا في واقعنا مما أدى ويؤدي إلى الخلل في البناء الاجتماعي وصياغة مشروع الوحدة الوطنية، والملاحظ أن الكثير من مظاهر النفاق الاجتماعي موجودة تمارس في الكثير من الفعاليات الاجتماعية على مستوى الأفراد والجماعات وبشتى طبقاتهم والخداع والكذب هما أحد المظاهر البارزة والخطيرة في المجتمع والتي أوجدت الكثير من فقدان الثقة بين مكونات المجتمع، ومظاهر النفاق الاجتماعي كثيرة هي صوره وكثيرا ما يحصل لدى العامة وحتى الخاصة، خلط بين النفاق العقائدي والاجتماعي والسياسي فالبعض قد يفهم بعض الأحاديث النبوية والروايات الفقهية فهما خاطئا كما هو حاصل في فهم حديث المنافق الذي يقول” إذا وعد اخلف وإذا حدث كذب وإذا أتؤمن خان” إذ المقصود الحقيقي من هذا الحديث هو بيان خطر وأثر النفاق الاجتماعي وليس النفاق العقائدي لان المسلم قد يخلف الوعد بدرجات مختلفة وقد يكذب بدرجات مختلفة وقد يخون الأمانة ومع هذا قد لا ينطبق عليه النفاق العقائدي بل النفاق الاجتماعي هو الذي يقع فيه لا محالة؟! .
والبيئة النظيفة التي تصلح لإنبات مشاريع الوحدة الوطنية هي البيئة التي تخلو من مظاهر النفاق السياسي والاجتماعي إننا عندما نحارب مظاهر النفاق نيحارب في المقام الأول النفاق السياسي والاجتماعي وذلك من أجل إيجاد بيئة سليمة تعيش حيوية الحياة ويتحقق فيها العدل والأمن والأمان وذلك لأن النفاق السياسي والاجتماعي هو الذي يخلق عدم الأمن والأمان في المجتمع ويطرد عوامل النمو وأسباب التنمية بشتى أشكالها ويحرم المجتمع من روح المساواة وتحقيق العدل والعدالة والإسلام حين يحارب النفاق السياسي والاجتماعي إنما يحاربه لأجل تحقيق العدل ففي فلسفة الإسلام بالعدل تحيى البشرية بالأمن والأمان وتقوم دعائم المدنية، ومن قيم المدنية أنه لا قيمة لأي إنسان في هذه الحياة ما لم يطهر ذاته من كل الآفات السياسية والاجتماعية، لأنها عاهات وآفات تجعل الإنسان يتعب الآخرين ويعيق حركة الانطلاق والبناء، وأغلب الممارسات السلبية والخاطئة في حياة الأمم والشعوب تعتبر ثمرة من ثمرات النفاق السياسي والاجتماعي الذي لا تحرر من ارث الماضي ومعوقات التنمية إلا بعد القضاء عليه ثقافة وممارسة وجراثيم بشرية حاملة له ؟
فلو كانت القيادة والساسة جادين في الحرب على الفساد والظلم الاجتماعي والانحراف السياسي لأعلنوا الحرب على النفاق السياسي والاجتماعي وعلى الجراثيم البشرية الحاملة له، وهم الأذرع والأبواق السياسية بل الأرجل والأيدي والعيون لكل الحكام والسياسيين إن لم يكونوا هم من ذات الطينة الفاسدة النكدة التي ضيعت القيم وخربت ماخرت بسبب فشلها الذريع ،
إن النفاق السياسي والاجتماعي هما أعلى مراتب النفي الذات في مجتمعنا وأبرز حالة الشعور بالقمع المتجسد في الذات من قبل الآخر أهم عائق التقدم، وهي المتسبب الرئيسي لضمور الإنتاج المعرفي والاقتصادي لمجتمعنا التي يمارس فيها النفاق السياسي والاجتماعي الممنهج كحالنا المرشح. إلى ما لا يمد عقباه.الشيخ الزيتوني لطفي الشندرلي رئيس المركز الدولي لحوار الحضارات