"عيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ بِما مَضى أَم بِأَمرٍ فيكَ تَجديدُ؟!"، تلك الكلمات التي انطلقت كالرصاص من فم أبي الطيب المتنبي هي الأكثر تعبيرا عن حال العرب والمسلمين مع عيد الفطر هذا العام، حيث بدت الأمة أكثر انقساما، وأكثر عرضة للالتهام من القوى الكبرى فيما يسمى صفقة القرن وتوابعها.
فاليوم هو عيد الفطر في مصر والأردن وليبيا وأندونيسيا وإيران، وقد كان العيد بالأمس (الثلاثاء) في السعودية ودول الخليج وتركيا والعديد من الدول الإسلامية الأخرى، رغم قسوة هذا الأمر إلا أنه ليس جديدا فقد حدث من قبل مرات كثيرة، لكن الجديد هذا العام هو الانقسام داخل الوطن الواحد، خذ عندك مثلا السودان الذي اعتمدت قوى الحرية والتغيير يوم أمس عيداـ أقامت فيه صلوات في بعض أماكن نفوذها، بينما حدد المجلس العسكري اليوم الأربعاء عيدا، وهو ما تكرر في سوريا حيث احتفلت المناطق الخاضعة للثوار بالعيد يوم أمس بينما حدد نظام الأسد اليوم عيدا في مناطق نفوذه، وفي بريطانيا كان العيد في لندن يوم أمس بينما هو اليوم في اسكتلندا،وجلاسكو، وفي العراق كان العيد أمس الثلاثاء في المناطق السنية بينما هو اليوم في المناطق الشيعية، وفي فلسطين احتفلت مناطق الـ48 أمس بينما العيد اليوم في الضفة وغزة والقدس، تبدو الصورة أكثر فجاجة في اليمن، إذ لم يقتصر الخلاف على كتلتين رئيستين أنهت إحداها الصوم يوم أمس والثانية اليوم، بل تجاوز الأمر ذلك إلى تعدد العيد داخل المحافظة أو المدنية أو البلدة الواحدة، فبينما كان العيد أمس في كل من عدن ومأرب والجوف وحضرموت والمهرة وشبوة، فإنه سيكون اليوم في صنعاء وذمار وإب، وحجة والمحويت وعمران وصعدة ( وهي مناطق النفوذ الحوثي)، بينما نجد الإنقسام داخل المدينة الواحدة مثل الحديدة، ورداع، وتعز.
الصورة المؤلمة:
تلك هي الصورة المؤلمة لواقعنا الإسلامي في رمضان وعيد الفطر، وهي تتويج للسنوات العجاف بعد انقضاض الثورات المضادة على أحلام شعوب المنطقة في العيش والحرية والعدالة والسلام، وبعد تصاعد روح الفرقة والاختلاف بدلا من الوحدة والاعتصام، وهو ما أنتج في النهاية ذلك الخلاف الكبير حول رؤية هلال شوال، ووضع الناس في حالة ارتباك يرثى لها في أكثر من مكان كما هو الحال في مصر التي استعد أهلها للعيد يوم أمس الثلاثاء، وتعطلت المصالح الخاصة والعامة، وتحرك أبناء الأقاليم إلى بلدانهم الأصلية لقضاء العيد مع أسرهم ثم يفاجأ الجميع بتحديد العيد اليوم الأربعاء رغم أن الرؤية الشرعية أثبتت أن العيد الثلاثاء كما هو الحال في السعودية ودول أخرى (الغريب أن قائمة هذه الدول تضم حلفاء نظام السيسي وخصومه)، أو عبر الحسابات الفلكية كما هو الحال في تركيا ودول أخرى، وعلى العكس من ذلك بات الليبيون ليلة الإثنين استعدادا لصيام يوم جديد الثلاثاء ثم تغير الموقف بعد منتصف الليل ليكون العيد الثلاثاء وليس الأربعاء.
ليس هناك مبرر شرعي مقبول خلف هذا الـ"العك" والتفرق، فسواء كان الإعتماد على الرؤية البصرية المباشرة، أو الحسابات الفلكية فإنه من الممكن توحيد الأمر بين الجميع، خاصة أن كل الدول العربية بل كل الدول الإسلامية تشترك مع بعضها في جزء من الليل، بل يمكن تجاوز كل هذه الخلافات إذا توفرت الإرادة الحقيقية لذلك عبر تأسيس مرصد موحد تابع لمنظمة التعاون الإسلامي ويشارك في إدارته ممثلون لكل الدول الإسلامية بالتناوب، ويكون قراره ملزما للجميع بعيدا عن ألاعيب السياسة التي أفسدت على الناس عيدهم، وقد تكون أفسدت صومهم أيضا.
إطلاق قمر إسلامي:
هذا المرصد هو مطلب قديم، وأتذكر أنني ناقشت فكرة إطلاق قمر اصطناعي إسلامي مع الراحل الدكتور سيد طنطاوي حين كان مفتيا لمصر(قبل أن يكون شيخا للأزهر)، وكان الرجل مهتما بالفكرة، وأظنه سعى لدى بقية أجهزة الدولة في ذلك الوقت لتوفير مبلغ 5 ملايين جنيه ( بمقاييس تلك الفترة أواخر الثمانينيات)، لكن المشروع ظل حبيس الأدراج ناهيك أنه لم يكن ليلبي الغرض بشكل كامل لاقتصاره على مصر ( المعروف أن طنطاوي كان يعتمد الحسابات الفلكية على خلاف المفتي الحالي)، كما أن مجمع الفقه الإسلامي دعا مرارا إلى تأسيس هيئة شرعية في مكة المكرمة تضم عدداً مناسباً من الفلكيين تنسق مع جهات اتخاذ قرار إثبات الشهر في العالم الإسلامي ومع منظمة التعاون الإسلامي ومجمع الفقه الإسلامي الدولي في كل ما يتعلق بهذا الموضوع الحيوي.
وللتذكير فإن مجمع الفقه الإسلامي قرر في دورته الثانية في جدة عام 1985 والثالثة في عمان عام 1986، أنه "إذا ثبتت الرؤية في بلد وجب على المسلمين الالتزام بها ولا عبرة لاختلاف المطالع لعموم الخطاب بالأمر والصوم بالإفطار".
حالة التردي العامة والخلافات السياسية داخل بلداننا وفيما بينها وبعضها هي السبب الرئيسي لهذه المأساة التي ظهرت جلية هذا العام، وحين تتوفر الإرادة السياسية لحل هذه المشكلة فسوف تحل فورا، وستصبح الأعياد مظهرا لوحدة المسلمين وليست مظهرا لفرقتهم، ولن تتوفر هذه الإرادة إلا بعد تحرر الشعوب العربية والإسلامية من الديكتاتوريات الحاكمة لتحل محلها حكومات معبرة بحق عن تطلعات وإرادة هذه الشعوب.