ما الذي عرفه شعب تركيا وجهله العرب؟

تحليلات 18:30 02.02.2020

منذ قرابة العقدين تسير تركيا بخطىً ثابتة نحو تحقيق الرخاء الاجتماعي والنماء الاقتصادي في ظل نظامٍ سياسيٍّ مستقر يقوم على ديمقراطيةٍ أثبتت في تموز 2016 أنها بالفعل تمثل الخيار الحقيقي للشعب في تركيا. لكن ما الذي قام به الشعب في تركيا خلال تلك الفترة وما قبلها وغفل عنه شعب الأقاليم العربية في الشام وبلاد الرافدين والجزيرة العربية وحتى في شمال أفريقية؟ غفلةٌ يحصدُ ثمارَها اليوم 300 مليون عربي فقراً وجهلاً استبدا بهم، حتى صاروا يركبون القوارب المطاطية ويرمون أنفسهم في بحارٍ لا قرار لها.

من السطحيةِ بمكان أن نحاول فهمَ أيٍّ من الجوانب والأحداث الخاصة في المنطقة الممتدة من البحر الأسود إلى بحر العرب ومن الخليج العربي إلى المحيد الأطلسي دون الأخذ بعين الاعتبار ترتيبات إدارة المشهد العالمي بعد الحرب العالمية الثانية. فمنذ عام 1945 تم اختصار العالم في خمسة. أخذت تلك الدول الخمسة على كاهلها قيادة العالم وإدارة موارده ومقدراته حتى صرنا إلى ما نحن عليه اليوم من أزماتٍ وحروبٍ انتشرت في كل مكان، واختلالٍ لموازين العدالة الاجتماعية والاقتصادية، حتى البيئة لم تسلم من مستويات التلوث التي لم يشهد مثلها العالم من قبل. ولهذا، سنحاول قراءة تساؤلنا وإجراء المقارنة في ثلاثة محاور: السياق المحلي والسياق العالمي والجغرافية:
تركيا قد حافظت على وحدة أراضيها طوال القرن العشرين، وظلت -رغم التنوع الديني والقومي فيها- دولةً واحدةً ترعى شؤون أمةٍ واحدةٍ في ربوع وطنٍ واحدٍ تحت ظل رايةٍ واحدةٍ

الجغرافية ومنابع الطاقة: 

 

إن تمركز منابع النفط في الأقاليم العربية جعل الأخيرة تستحوذ على جُلِّ اهتمام القوى الكبرى بل وتسلطها، وذلك للسيطرة والاستفادة من تلك الموارد الهائلة من جانب، ومن جانب آخر، كان من غير المقبول تركُ كلِّ تلك الثروات لأيِّ شعب ليستفيد منها، فالرخاء الاقتصادي قد يُضحي حجر ارتكازٍ لبناء تنميةٍ واستقلالٍ تعطي ذلك الشعب القدرة على الانطلاق قُدُماً في حال توفر القيادة الحكيمة. أما في تركيا، فغياب تلك الموارد وإحكام السيطرة على الموارد المحدودة بموجب اتفاقيات ظالمة ترك تركيا في بحبوحةٍ من الفراغ النسبي من تسلط القوى الكبرى اقتصادياً فاستطاعت القيام بإجراءات قادت الأمة إلى ماهي عليه الآن مجرَّد أن وصل للأمر من هو أهل له.


السياق المحلي:

في تركيا، وبُعيد الحرب العالمية الثانية، كانت المواجهة المحلية مباشرة بين العلمانية والإسلام، وكان إرثُ الخلافة بعيد سقوطها ثقيلاً على كاهل المواطن التركي المسلم. ومثله كانت الإجراءات التي تمت لفرض الواقع الجديد. كل ذلك ولَّد تمسُّكاً فريداً من نوعه عند الشريحة العريضة من الشعب التركي ذات التوجه الإسلامي مع عناصر دينهم الذي اختاروه ونشؤوا عليه ومعه شهدوا عظمة دولتهم ورفعة أمتهم لقرون امتدت. لكن مع الأسف، فهذا التمسك لم يرَ النور في واقع البلاد الاجتماعي والسياسي عندئذٍ، بل مرت عدة عقود تبلور خلالها ذلك تدريجياً وببطء وحذر شديدين حتى بدأنا نرى عودة الأذان إلى المآذن، ثم تشكلت منابر سياسية واجتماعية خجولة في البداية. بيد أنه مع العمل الدؤوب والفكر الذي لا يمل ترسخت تلك المنابر واشتدت سواعدها وانطلقت تقود مسيرة شعب عاد يتنفس من جديد.

أما في الأقاليم العربية، فلم نرَ تلك المواجهة المباشرة، بل على العكس، لقد كان رداء الدين والفضيلة حاضرين مع كل سلطة تستولي على مقاليد الحكم، خصوصاً في حالة الأسر الحاكمة، حتى في سياق الحركات القومية، فهي وإن كانت قد حاربت الإسلام ضمناً وروَّجت لقيمٍ مستمدة من الشيوعية علناً، لكنها لم تجرؤ على فرض هوية منسلخة عن الدين. ربما تكون سوريا هي الاستثناء الوحيد لذلك، فبعد أحداث حماة في عام 1982 كانت هناك حملة شرسة وعلنية ضد الإسلام كدين وهوية، لكنها ما لبثت أن انكفأت وعاد النظام للبس عباءة لا تجعله في مواجهة الشعب ذي الهوية الإسلامية. ونرى في عامة الأقاليم العربية أن شيوخ السلاطين قد عملوا كذلك على التخويف من الخروج على ولي الأمر – وهم الذين خرجوا على ولي الأمر للتو في 1916. فوقف الشعب مذهولاً حائراً وسلَّم أدواته لهم طواعية، ولم ينتبه لما كان يحاك له إلا متأخراً جداّ.

من جهة أخرى نرى أن تركيا قد حافظت على وحدة أراضيها طوال القرن العشرين، وظلت -رغم التنوع الديني والقومي فيها- دولةً واحدةً ترعى شؤون أمةٍ واحدةٍ في ربوع وطنٍ واحدٍ تحت ظل رايةٍ واحدةٍ. أما العرب، فقد تم تقسيمهم شر تقسيم، وباتوا بضعاً وعشرين دولة، فرقتهم الحدود وباعدتهم الايديولوجيات، بل وكم نشبت بينهم الخلافات والحروب وصار بأسهم بينهم.
 

السياق العالمي وما تحت الرماد:

بعد ردحٍ من الزمن، وخلال العقود الأخيرة من القرن المنصرم، كان من الطبيعي أن يظن المراقب الخارجي أن الأمة التركية قد تم بالفعل خنق عنفوانها، وأن القصر المنيف والقلعة الشامخة في ذلك الثغر قد أضحت رماداً وباتت سطراً في كتب التاريخ. والحقيقة أنه من تحت رماد الدمار الممنهج الذي تمت ممارسته على تركيا انتفض طائر العنقاء، وها هو قد فرد جناحيه وبدأ بالتحليق. ليكون مفاجأةً أخذت الخمسة على حين بغتة.

أما العرب، فكان أوار لهيب تطلعهم للحرية لايزال ملتهباً ولم يتوقف، غير أنهم تمَّ تخديرهم بالدين تارةً والوطنية تارةً أخرى وربما بالقومية تارة ثالثة وهكذا. تُطالُعنا انتفاضاتٌ متفرقةٌ هنا وهناك سرعان ما كان يتم وأدها في مهدها. وعندما هدأت أمواج التطلُّع للحرية خلال العقد الأول من هذا القرن، جاء الربيع العربي ليرسل رسالةً لا لُبس فيها أن قلب الأمةِ لازال نابضاً، ولو بدا أن جسدها لا حراك فيه فهي لا تزال مكبلة الأطراف لا تملك زمام أمرها.

هناك الكثير مما يستطيع العربُ أن يتعلموه من التجربة التركية، ويبقى عليهم تطوير منهجٍ يكون على قدر التحديات التي تحيق بهم، وأن يُوجِدوا لذلك الموارد -خاصة البشرية منها- اللازمة للسير قدماً على درب الحرية والكرامة لتحقيق تطلعات ذلك الشعب. وتظل المسؤولية كذلك في عنق تركيا للأخذ بيد أولئك الذين لا يزالون تحت الرماد. نحن لا نعرف الكثير عن طائر العنقاء ولكننا نعلم أن الطيور لا تسافر إلا في أسراب.

طارق الخليل

  •  

 

ما مدي عدالة محكمة العدل الدولية ؟ - أومود ميرزايف يجيب

أحدث الأخبار

أسرار استهداف إيران لأذربيجان
17:16 19.04.2024
في يومها الأخير جلسات الاستماع في الدعوي الارمينية ضد أذربيجان
16:00 19.04.2024
كواليس انسحاب قوات حفظ السلام الروسية من قراباغ
15:00 19.04.2024
زرادشت علي زاده : الولايات المتحدة لا تريد أن يتم فتح طريق زانجيزور في ظل هذه الظروف
14:00 19.04.2024
ما تأثير انسحاب قوات حفظ السلام من قراباغ؟
13:00 19.04.2024
اشتباكات بين الدفاع الجوي الإيراني وطائرات إسرائيلية بطهران
12:00 19.04.2024
جوتيريش العمليات العسكرية الإسرائيلية في رفح ستفاقم الأوضاع الإنسانية
11:45 19.04.2024
صندوق النقد الدولي يتوقع أن يبقى النمو في الشرق الأوسط مكبوحاً
11:30 19.04.2024
صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة وورلد برس فوتو لعام 2024
11:15 19.04.2024
فيضانات نيجيريا تزيد من نقص محصول الكاكاو
11:00 19.04.2024
قطر تعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار في غزة
10:45 19.04.2024
بوركينا فاسو تطرد ثلاثة دبلوماسيين فرنسيين بسبب نشاطات تخريبية
10:30 19.04.2024
اليونيسف طفل يصاب أو يموت كل 10 دقائق في غزة
10:15 19.04.2024
الهند تشهد أكبر انتخابات في تاريخها بمشاركة مليار ناخب
10:00 19.04.2024
المياه تغمر نحو 18 ألف منزل في روسيا بسبب الفيضانات العارمة
09:45 19.04.2024
الحرس الثوري الإيراني يعلن تحديد مواقع المنشآت النووية الإسرائيلية ويحذر تل أبيب
09:30 19.04.2024
أجندة واسعة لزيارة إردوغان للعراق
09:15 19.04.2024
السفير الأمريكي في أذربيجان يزور أغدام
09:00 19.04.2024
بوركينا فاسو تطرد ثلاثة دبلوماسيين فرنسيين بسبب نشاطات تخريبية
01:00 19.04.2024
ميرزايف : هذه المحاكمة تأخرت 30 عاما
17:00 18.04.2024
علي الحوفي: من الأفضل للجميع أن يعم السلام والاستقرار في المنطقة
16:00 18.04.2024
فؤاد عباسوف: من يريد السلام مع جاره لا يحاكمه!
15:00 18.04.2024
سياسي أوكراني : انسحاب الجيش الروسي من قراباغ انتصار سياسي لأذربيجان
14:00 18.04.2024
موسكو تدعم رئاسة كازاخستان لمنظمة شنغهاى للتعاون
13:00 18.04.2024
هل كان وجود قوات حفظ السلام الروسية في قراباغ يمثل تهديدا لأذربيجان؟
12:00 18.04.2024
ميرزاييف: كنت أنتظر انسحاب قوات حفظ السلام الروسية لقراباغ بفارغ الصبر
11:30 18.04.2024
البنك الدولي يعتزم توصيل خدمة الكهرباء لـ 300 مليون أفريقي
11:15 18.04.2024
الانتقام الإيرانى كثيف وناعم ومثير
11:00 18.04.2024
اليونيسف استشهاد ما يقرب من 14 ألف طفل في غزة منذ بدء الحرب
10:45 18.04.2024
تركيا تتهم نتانياهو بـدفع المنطقة إلى الحرب للبقاء في السلطة
10:30 18.04.2024
ترقب في مجلس الأمن للتصويت على عضوية فلسطين الكاملة في الأمم المتحدة
10:15 18.04.2024
ما مدي عدالة محكمة العدل الدولية ؟ - أومود ميرزايف يجيب
10:00 18.04.2024
الاتحاد الأوروبي يتجه لتصنيف الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية
09:45 18.04.2024
ملكا الأردن والبحرين يرفضان كل ما يؤدي إلى الهجمات البرية على رفح
09:30 18.04.2024
الجزائر تقدم مساهمة مالية استثنائية لوكالة الأونروا
09:17 18.04.2024
الكرملين يؤكد الانسحاب من منطقة قراباغ
09:04 18.04.2024
إيقاد شعلة أولمبياد باريس في أولمبيا القديمة
19:00 17.04.2024
أفضل 30 وجهة سفر عالمية لعام 2024
18:00 17.04.2024
سياسي أرميني يوجه نقدًا لاذعًا إلي محكمة العدل الدولية
17:00 17.04.2024
سيلين سينوكاك : فرنسا تشن حملة دبلوماسية لزعزعة الاستقرار في المنطقة
16:00 17.04.2024
جميع الأخبار