نهاية صفقة وبداية قضية

تحليلات 18:00 23.02.2020

ظل المغاربة، والعرب والمسلمون أجمعون، على صلة بفلسطين طيلة عدة قرون. كان الحاج المغربي المتفقه، في زمان غير زماننا، لا تكتمل مناسك حجه، أو عمرته بدون زيارة القدس، تماما كما كان الحاج من الأوساط الشعبية، ينهي أداء شعائره للأماكن المقدسة، بما فيها القدس، بالذهاب إلى بغداد لزيارة مولاي عبد القادر الجيلالي تأكيدا لعمق الروابط الروحية والوجدانية والثقافية بين مكونات الإنسان في الوطن العربي والإسلامي.

فلسطين تحتل في الوجدان العربي والإسلامي مكانة خاصة، ولا يمكن أن ينتزعها أحد. ولقد ظلت منذ بروز الكيان الصهيوني شوكة في حلق الإنسان العربي. ورغم كل ما تعرضت له منذ 1948، و1967 إلى الآن جرحا لا يندمل، وفي كل المؤامرات التي تحاك ضدها باطراد، كان الإحساس بالألم يتضاعف. وفي كل اللحظات التي كانت فيها الحركات الشعبية العربية قوية كان أي مس بالقضية الفلسطينية يؤثر بشكل كبير على واقع البلدان العربية، فيكون التعبير عن الغضب العربي مؤرقا للأنظمة. لكن التطورات المتلاحقة، وتزايد التناقضات والصراعات التي عرفها الجسم العربي الإسلامي منذ أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر)، أدى إلى تراجع القضية الفلسطينية عن مكانتها من القلوب والنفوس، وتدخلت في ذلك عوامل محلية فلسطينية وإقليمية وعالمية جعلتها تحتل موقعا هامشيا حتى جاء ترامب ليحقق لإسرائيل وهمها التاريخي، بطرحه القدس عاصمة أبدية، في مرحلة، وفي أخرى إعلانه ما صار يسمى “صفقة القرن”، فكان ذلك بداية جديدة لدخول فلسطين مسارا جديدا لا يمكن توقع ما سيؤول إليه.

إن تحريك القضية الفلسطينية بهذه الكيفية التي حولت ما يتعلق بمصيرها إلى حدث يتصل بـ”القرن”، لا يمكن إلا أن تكون له مضاعفات ليس لفائدة الصفقة، ولكن لصالح القضية، وذلك لسببين اثنين: لقد أبانت الصفقة أنها لا شرعية ولا قانونية، وتعبر بجلاء عن التسلط الأمريكي الإسرائيلي، ولا يمكن لذلك أن يستمر إلى ما لا نهاية. أما السبب الثاني فيتجلى في كون الصفقة لا يمكن إلا أن تجعل الفلسطينيين أمام خيار واحد ووحيد هو تجاهل كل تناقضاتهم الثانوية، وتوحيد تصورهم للتصدي لها برؤية جديدة تقطع مع كل الممارسات التي أضرت بالقضية في صيرورتها التاريخية.

إن الأحداث الكبرى تخلق منعطفات جديدة إذا تم التعامل معها بوعي جديد يقطع مع الرؤيات التقليدية. ولقد آن الأوان لجعل مسار القضية يسير في اتجاه غير الذي عرفته منذ أحداث الحادي عشر من أيلول على وجه الخصوص. لقد استغلت أمريكا قضية الإرهاب لإيهام الأنظمة العربية للسير على نهجها لاقتلاعه، وإنهائه لأنه يهددها هي أيضا. فانخرط الجميع في محاربته باعتباره القضية المركزية، وكان ذلك على حساب القضية الفلسطينية، ولم تستفد من ذلك غير إسرائيل. وما إن بدأ يقل الحديث عن الإرهاب، حتى جاء الربيع العربي.

كان الربيع العربي الذي طالب بإصلاحات بسيطة تتعلق بحياة كريمة، قبل أن يتحول إلى المطالبة بتغيير بعض الأنظمة التي لم تؤد إلا إلى الهزيمة، مناسبة للالتفاف على مطالب الشعب، وعمل على تغذية التقاطبات الجديدة التي باتت تتحكم في مصير الشرق الأوسط، وتدخله إلى مرحلة جديدة من الصراع لم تشهدها المنطقة في القرن الماضي. وما تعرفه العراق وسوريا بالخصوص من تدخل سافر من أمريكا وروسيا وإيران وتركيا سوى تأكيد لهذا الاصطفاف، هذا إلى جانب ما تعرفه ليبيا واليمن.

لم تتحقق في هذه الصيرورة مطالب الشعب العربي، وتعرضت البلاد للدمار، والجسم العربي للمزيد من الانقسام والصراعات الداخلية. فكان التراجع عن تحقيق أي مطلب يهم الأمة العربية منذ دخولها العصر الحديث عن طريق الاستعمار. إنه الطريق المسدود. كانت للعرب قضية مركزية واحدة هي فلسطين حتى الستينيات، فإذا القضايا تتعدد، وتتهمش فلسطين لتغرق الأمة العربية ـ الإسلامية في أتون قضايا أخرى تتعداها إلى العراق وسوريا وليبيا واليمن، إلى جانب قضايا الدول العربية الأخرى. ولم يكن المستفيد الوحيد من ذلك سوى أمريكا وإسرائيل، وتكالبت روسيا وإيران وتركيا، وكل منها يبحث له عن موقع في ظل الشلل الذي عرفته القضية العربية وقد تشظت إلى قضايا لا حصر لها.

إن الصراع في الشرق الأوسط لا يمكنه إلا أن يتواصل بسبب تداخل عاملين أساسيين: اقتصادي ـ مالي، قوامه النفط، وثقافي ـ ديني، أساسه الصراع التاريخي بين الشرق الإسلامي، والغرب اليهودي ـ المسيحي. ولقد استمر هذا التقاطب منذ الفترة الاستعمارية إلى الثمانينيات من القرن الماضي. لكنه سرعان ما بدأ يتعقد ويتشابك بتدخل عناصر قومية جديدة تسعى لأن لها يكون موقع في هذا الصراع (الفرس والترك). وخلقت إلى جانب ذلك صراعات جديدة بين المسلمين، والصهيونية، من جهة، وأمريكا الفاعل التقليدي الذي بات يوازيه الطموح الروسي لاحتلال موقع في المنطقة، من جهة أخرى.

غياب العرب كرؤية وممارسة للصراع في المنطقة لم يكن يعبر إلا عن الضعف والعجز. وكان لتبعية القضية الفلسطينية نفسها منذ الستينيات لأحد القطبين العربيين، وهما يتخندقان في صف الاتحاد السوفياتي أو أمريكا، دوره في المساهمة في جعل التناقض الثانوي بين الفلسطينيين تناقضا رئيسيا، فكان الانقسام بين الفلسطيني عاملا من عوامل الضعف الذي سيتكرس بتقسيم جناحي الطائر الفلسطيني إلى ضفة وغزة. استغلت إسرائيل هذا التقسيم وجعلته أساس التعامل مع الضفة لإقصاء غزة. بل إنها كانت تعتبر إمكانات التفاوض مشروطة بعزل غزة، بل ومحاربتها. ولم يكن لذلك من نتائج غير تعريض غزة للقصف العشوائي، وبناء المزيد من المستوطنات في الضفة.

إن صفقة القرن تعيد إلى الأذهان التي غيبتها التحولات المتلاحقة أن إسرائيل دولة محتلة، وأنها وليدة الاستعمار التقليدي، وأي سلام فعلي في المنطقة لا يضع في الاعتبار الحق الفلسطيني لا يمكنه إلا أن يديم الصراع في المنطقة. فهل من مصلحة أمريكا وإسرائيل والدول العربية، بل والعالم أجمع أن يستمر هذا الصراع؟ ومن يمكنه أن يستفيد منه؟

لقد استغلت قضية الإرهاب، بعد انهيار المنظومة الاشتراكية، لإعطاء أمريكا موقعا عالميا تفرض فيه سلطتها على الجميع، ولإسرائيل فرصة تحقيق المزيد من المصالح على الأرض، واستغل الربيع العربي لضرب أي تحول ممكن في الوطن العربي لفائدة الأنظمة العربية. فإلى متى يمكن أن يستمر هذا الوضع عالميا وفلسطينيا وعربيا؟

لا يمكن لأسطورة القوة الأمريكية أن تتواصل إلى ما لا نهاية. وبما أن تسلط إسرائيل مستمد من القوة الأمريكية، فهو مهدد بالزوال بزوال القوة التي تقف وراءه. لقد كان اللاعب المركزي في صيرورة الصراع في الشرق الأوسط أبدا هو الغرب، وهو الآن يعرف تراجعا كبيرا، ثم صارت أمريكا التي تتنازعها اليوم قوى أخرى، ولا يمكن لقوتها إلا أن تتراجع عاجلا أو آجلا. أما العرب الذين يعولون على أمريكا أو على إسرائيل ليقيموا معها علاقات من أي نوع، فلن يجنوا أبدا من ذلك سوى المزيد من الاستغلال والتبعية والإذلال، وتاريخ العلاقات العربية مع أمريكا لا يحتاج إلى بيان.

صفقة القرن تعيد القضية الفلسطينية إلى موقعها الحقيقي، وتبين أن القدس تختزل قضية وجود أمة ووجدانها ولا يمكنها إلا أن تعرف مسارا جديدا، والتاريخ شاهد على ذلك، والمستقبل يحبل بما لا يتوقعه الغاصبون.

 

سعيد يقطين

كاتب مغربي

ما مدي عدالة محكمة العدل الدولية ؟ - أومود ميرزايف يجيب

أحدث الأخبار

وزير الخارجية المصري يبحث الملفات الإقليمية والدولية مع نظيرته الجنوب أفريقية
14:00 20.04.2024
مباحثات تركية- مصرية تتناول جهود وقف النار في غزة
13:30 20.04.2024
دولة فلسطين نحو اعترافات إضافية غداة الحجب الأمريكي لعضويتها الأممية
13:00 20.04.2024
ثوران جديد لبركان روانغ في إندونيسيا. وخطر تسونامي لا يزال قائماً
12:30 20.04.2024
انفجارات أصفهان.. القصة الكاملة للهجوم الإسرائيلي على إيران
12:00 20.04.2024
انطلاق الانتخابات العامة في الهند... وحزب مودي الأوفر حظاً
11:30 20.04.2024
الأمم المتحدة تستنكر التحطيم المتعمد للأجهزة الطبية بمستشفيات غزة
11:00 20.04.2024
أسطول الحرية مستعد للإبحار من تركيا لغزة. وتحذير لإسرائيل من أي هجوم
10:30 20.04.2024
إسرائيل تسعى إلى منع صدور أمر اعتقال بحق نتنياهو
10:00 20.04.2024
ارتفاع عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34 ألفا و12 شهيدا
09:30 20.04.2024
ميرزايف : نشهد أحداثًا تاريخية
09:00 20.04.2024
أسرار استهداف إيران لأذربيجان
17:16 19.04.2024
في يومها الأخير جلسات الاستماع في الدعوي الارمينية ضد أذربيجان
16:00 19.04.2024
كواليس انسحاب قوات حفظ السلام الروسية من قراباغ
15:00 19.04.2024
زرادشت علي زاده : الولايات المتحدة لا تريد أن يتم فتح طريق زانجيزور في ظل هذه الظروف
14:00 19.04.2024
ما تأثير انسحاب قوات حفظ السلام من قراباغ؟
13:00 19.04.2024
اشتباكات بين الدفاع الجوي الإيراني وطائرات إسرائيلية بطهران
12:00 19.04.2024
جوتيريش العمليات العسكرية الإسرائيلية في رفح ستفاقم الأوضاع الإنسانية
11:45 19.04.2024
صندوق النقد الدولي يتوقع أن يبقى النمو في الشرق الأوسط مكبوحاً
11:30 19.04.2024
صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة وورلد برس فوتو لعام 2024
11:15 19.04.2024
فيضانات نيجيريا تزيد من نقص محصول الكاكاو
11:00 19.04.2024
قطر تعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار في غزة
10:45 19.04.2024
بوركينا فاسو تطرد ثلاثة دبلوماسيين فرنسيين بسبب نشاطات تخريبية
10:30 19.04.2024
اليونيسف طفل يصاب أو يموت كل 10 دقائق في غزة
10:15 19.04.2024
الهند تشهد أكبر انتخابات في تاريخها بمشاركة مليار ناخب
10:00 19.04.2024
المياه تغمر نحو 18 ألف منزل في روسيا بسبب الفيضانات العارمة
09:45 19.04.2024
الحرس الثوري الإيراني يعلن تحديد مواقع المنشآت النووية الإسرائيلية ويحذر تل أبيب
09:30 19.04.2024
أجندة واسعة لزيارة إردوغان للعراق
09:15 19.04.2024
السفير الأمريكي في أذربيجان يزور أغدام
09:00 19.04.2024
بوركينا فاسو تطرد ثلاثة دبلوماسيين فرنسيين بسبب نشاطات تخريبية
01:00 19.04.2024
ميرزايف : هذه المحاكمة تأخرت 30 عاما
17:00 18.04.2024
علي الحوفي: من الأفضل للجميع أن يعم السلام والاستقرار في المنطقة
16:00 18.04.2024
فؤاد عباسوف: من يريد السلام مع جاره لا يحاكمه!
15:00 18.04.2024
سياسي أوكراني : انسحاب الجيش الروسي من قراباغ انتصار سياسي لأذربيجان
14:00 18.04.2024
موسكو تدعم رئاسة كازاخستان لمنظمة شنغهاى للتعاون
13:00 18.04.2024
هل كان وجود قوات حفظ السلام الروسية في قراباغ يمثل تهديدا لأذربيجان؟
12:00 18.04.2024
ميرزاييف: كنت أنتظر انسحاب قوات حفظ السلام الروسية لقراباغ بفارغ الصبر
11:30 18.04.2024
البنك الدولي يعتزم توصيل خدمة الكهرباء لـ 300 مليون أفريقي
11:15 18.04.2024
الانتقام الإيرانى كثيف وناعم ومثير
11:00 18.04.2024
اليونيسف استشهاد ما يقرب من 14 ألف طفل في غزة منذ بدء الحرب
10:45 18.04.2024
جميع الأخبار