في الوقت الذي كان فيه السوريون يقترعون، بهدوء أمني لافت، لبرلمانهم الجديد أمس، كان المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا يطلق جولة جديدة من مفاوضات «جنيف 3»، معلناً عن تأييد واهتمام في موسكو ودمشق وطهران وعمان لمحادثات تهدف لتحقيق انتقال سياسي في سوريا.
وقال وزير الخارجية الأميركي جون كيري إن على جميع الأطراف في الحرب الالتزام بوقف الاقتتال، وإعطاء محادثات السلام التي تقودها الأمم المتحدة فرصة. وامتنعت واشنطن حتى الآن عن إدانة انتهاكات الفصائل المسلحة للهدنة في أكثر من جبهة سورية.
إلى ذلك، ذكرت صحيفة «يني شفق» التركية، أمس، أن الاستخبارات التركية كشفت عن لقاءات سرية بين الولايات المتحدة وعناصر تابعة لتنظيم «داعش» في العراق.
وذكرت الصحيفة، المقربة من «حزب العدالة والتنمية» الحاكم في تركيا، أن الاستخبارات التركية رصدت لقاءات بين أشخاص من الاستخبارات الأميركية والمدعو أبو أحمد العلواني، أحد أبرز قادة «داعش» في العراق، مرتين على الأقل في مدينة الموصل.
وأشارت الصحيفة إلى أن الاستخبارات تمكنت من كشف هذه اللقاءات التي تمت بسرية تامة. وقالت إن أول لقاء بينهما كان في السابع من كانون الأول الماضي، أما الثاني فتم في الثالث من شباط الماضي. وأوضحت أن الولايات المتحدة كانت حريصةً على إخفاء هذه اللقاءات عن تركيا، ولهذا قامت باختيار العشائر الوسيطة لهذا اللقاء بدقة.
وتزامن استئناف المفاوضات في جنيف، مع إجراء انتخابات تشريعية في سوريا يتنافس فيها 3500 مرشح لشغل 250 مقعداً في مجلس الشعب. وكان مقرراً أن تغلق مراكز الاقتراع عند الساعة السابعة مساء، لكن السلطات قررت تمديد الاقتراع حتى منتصف الليل بسبب «المشاركة الكثيفة». واقترع السوريون المقيمون في مناطق الدولة الآمنة، أو الآمنة نسبياً، في انتخابات الدور التشريعي الثاني، وفقاً لدستور العام 2012. وجرت الانتخابات في أجواء أمنية جيدة، وأحياناً حماسية. وبرز عدم تعرض دمشق أو المناطق التي تجرى فيها الانتخابات للقصف، كما كان يحصل سابقاً.
واعتبر الرئيس السوري بشار الأسد، الذي أدلى بصوته للمرة الأولى والى جانبه عقيلته أسماء، في مكتبة الأسد وسد دمشق، أن «الإرهاب لم يتمكن من تحقيق الهدف الأساسي الذي وُضع له، وهو ضرب البنية الأساسية في سوريا، البنية الاجتماعية والهوية الوطنية». وأضاف، رداً على من وصف الانتخابات بأنها غير شرعية، "من الطبيعي أن نكون سوية في هذا النوع من هذا الاستحقاق كمواطنين سوريين يدافعون عن هذا الاستحقاق”.
ورأت موسكو أن تنظيم الانتخابات «لا يعيق عملية السلام». وشدد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف على أن تنظيم الانتخابات هدفه «الحؤول دون وقوع الفراغ» في السلطة السورية، مضيفاً «هذه هي نظرتنا للأمور». وترى روسيا أن المفاوضات بين السلطة السورية والمعارضة ينبغي أن تفضي إلى وضع دستور جديد. وقال لافروف "من الواضح أن نتيجة العملية السياسية يجب أن تكون وضع دستور جديد تُجرى على أساسه انتخابات مبكرة".
وقال متحدث باسم الحكومة البريطانية في جنيف إن تنظيم الانتخابات «يظهر إلى أي حد (هذا النظام) منفصل عن الواقع»، مشدداً على أن «تنظيم انتخابات حرة ونزيهة يصبح ممكناً فقط بعد تشكيل هيئة حكم انتقالي وتوقف المعارك». ووصفت الخارجية الفرنسية الانتخابات «بالمهزلة».
وقال نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، لوكالة «اسوشييتد برس»، إن على المعارضة التخلي عن «حلمها» بحكومة انتقالية تطيح الرئيس بشار الأسد، واصفاً هذا الأمر بأنه يشبه الانقلاب، وهو أمر لن يحصل أبداً. وأشار إلى أنه «يجب التركيز على موضوع تشكيل حكومة وحدة وطنية أو حكومة موسعة، تضم أعضاء من المعارضة».
وبدأ دي ميستورا جولة جديدة من المحادثات في جنيف بمقابلة أعضاء في «الهيئة العليا للمفاوضات»، فيما يتوقع أن يصل الوفد الحكومي، برئاسة بشار الجعفري، إلى جنيف اليوم أو غداً.
وبدا التجهم والتوتر على وجوه دي ميستورا وأعضاء الهيئة مع بدء الجلسة، وظلوا صامتين أثناء تصوير تلفزيوني قامت به مصورة «رويترز» في اللحظات الأولى من الاجتماع.
وأعلن دي ميستورا، بعد اللقاء، أنه يسعى لتجديد الالتزام بالحفاظ على الهدنة الهشة في سوريا، داعياً الجميع إلى احتواء التوتر. ووصف تصاعد الاشتباكات في سوريا بـ "الحوادث وليس حريقاً". وأشار إلى أنه رأى خلال اجتماعات عقدها مؤخراً مع مسؤولين بارزين في موسكو ودمشق وطهران وعمان تأييداً واهتماماً لمحادثات تهدف لتحقيق انتقال سياسي في سوريا. وأعرب عن أمله «الغوص أكثر فأكثر من أجل التوصل إلى عملية انتقال سياسي» في سوريا.
وقال رئيس وفد «الهيئة العليا للمفاوضات» اسعد الزعبي إن «الحكومة (السورية) ارتكبت أكثر من ألفي انتهاك لوقف إطلاق النار، وأسقطت 420 برميلاً متفجراً في آذار فقط». واعتبر أنه «أصبح من الواضح أن الأسد هو علة سوريا، وأن البلد لن يشفى إلا إذا رحل مع حاشيته». وكرر أن «تأليف هيئة حكم انتقالي أولوية هذه المرحلة من المحادثات».
("السفير"، ا ف ب، ا ب، رويترز)