محمود سعد دياب
لم تتوقف الصحف الغربية الأسبوع الماضي عن تداول تقارير بشأن اقتراب أمريكا من نقل قاعدتها الأكبر بالشرق الأوسط (العديد) من قطر قريبًا، في ظل تحركات أمريكية متوالية تشير إلى تخلي واشنطن عن حليفتها المقربة الدوحة، والتي كان آخرها إقالة وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون المعروف بدعمه للإمارة الخليجية.
تذبذب العلاقات الأمريكية القطرية
وشهدت العلاقات الأمريكية القطرية تذبذبا كبيرا خلال الفترة الماضية، وتحديدًا منذ أن قررت قطر الارتماء في أحضان إيران وتركيا ردًا على المقاطعة العربية الرباعية من مصر والسعودية والإمارات والبحرين، التي تشكلت أساسًا بسبب دعم قطر للإرهاب في المنطقة والعالم.
ومرت علاقات القطريين بالولايات المتحدة بمراحل من السوء لجأ خلالها تميم بن حمد إلى منظمات وشخصيات يهودية من أعضاء اللوبي الصهيوني داخل أمريكا، لتجميل صورته أمام ترامب التي يراها الأخير داعمة للإرهاب، فضلا عن اكتساب تعاطف الرأي العام اليهودي في الولايات المتحدة والحزب الجمهوري الأمريكي.
وبعدما تحسنت العلاقات نظم تميم بن حمد زيارة للولايات المتحدة نهاية يناير الماضي وصفت بأنها ودية، وتم توقيع عدة اتفاقيات تعاون عسكري فيما بينهما تلاها تصريحات أمريكية بالسعي لتوسيع قاعدة العديد التي تعتبر مركز قيادة القوات الجوية الأمريكية بالمنطقة.
شهادة مؤسس قاعدة العديد
ولكن لأن السياسة ليس لها مبدأ ثابت فقد دخلت العلاقات إلى نفق مظلم في الوقت الحالي ترجمتها تصريحات الجنرال المتقاعد في القوات الجوية الأمريكية شارلز وولد، الذي أكد أن أمريكا قد تصرف النظر عن التواجد في قطر، وهي تصريحات مهمة خصوصًا وأن الأخير هو مؤسس مركز العمليات الجوية في العديد بعد 48 ساعة من هجوم 11 سبتمبر 2001، بهدف دعم الحرب في أفغانستان حيث انطلقت منها عمليات عسكرية على مدار الساعة خلال 18 شهرًا، وتم الاعتماد على القاعدة بشكل أساسي خلال الغزو الأمريكي للعراق.
العديد ليست أساسية للأمن القومي الأمريكي
وقال الجنرال الأمريكي المتقاعد، إن بلاده لا تعتبر تواجدها في قطر مهمًا لسياسة الأمن القومي الأمريكي، فضلا عن قلق الإدارة الأمريكية والكونجرس من سياسة "الشيزوفرينيا" القطرية الخارجية، ما يشكل خطرًا على الإمارة الخليجية التي تعتبر وجود القاعدة على أراضيها حماية شخصية لها من أي خطر خارجي، وذلك لأن هناك أماكن كثيرة مستعدة لاستضافة القاعدة الجوية.
العديد لا تحمي قطر من البطش الأمريكي
وشدد الجنرال شارلز وولد النائب السابق لقائد الإمرة الأمريكية الأوروبية ، على أن وجود "العديد" في قطر لا يحميها من البطش الأمريكي ولا يبرر غض الطرف عن الإمارة الخليجية التي تصطف إلى جانب إيران وتركيا والمتطرفين في سوريا ، خصوصاً وأن قطر تمتلك تاريخا طويلا في توفير ملاذات آمنة لقادة إرهابيين بمن فيهم العقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر خالد شيخ محمّد، فضلا عن تمويل المجموعات الإرهابية في سوريا بما فيها داعش وجبهة النصرة.
نظرة أمريكا للحروب القطرية بالوكالة
قطر في وجهة النظر الأمريكية موّلت فروع الإخوان المسلمين وعزّزت التطرف من خلال قناة الجزيرة والقيادي الإخواني يوسف القرضاوي، وموّلت صديقتها إيران العديد من فروع الإخوان نفسها ودعمتها بالكثير، بدءاً بالتدريب وصولاً إلى اللوجستيات، كما فعلت مع القاعدة، كما خاضت حروبًا بالوكالة في البحرين في خضم أحداث الربيع العربي والتي كشفتها تغطية الجزيرة للأحداث وإنكارها النفوذ الإيراني الواضح خلف تلك الانتفاضة المثيرة للريبة.
إيران تستنكر مقاطعة قطر
وحين أعلن الرباعي العربي المناهض للإرهاب مقاطعته لقطر كانت إيران أول دولة تدين تلك الخطوة، كما استنكر الحوثيون المدعومون من طهران ذلك التحرك، وبينما تطلب أمريكا من حلفائها محاربة الإرهاب المتمثل في إيران والحوثيين –من وجهة نظرها- ومواجهة التمدد الإيراني العدائي، لا تبدو مواقفها متسقة مع دعم قطر الواضح لهذا الإرهاب
بيانات عن العديد
تحوى القاعدة الأمريكية الواقعة على بعد أكثر من 30 كيلومترًا جنوب غربي الدوحة حوالي 11 ألف عسكري أمريكي، وتضم أطول ممر للهبوط الجوي في منطقة الخليج، والممتد على مسافة 3.8 كيلومتر، وتتخذ القاعدة موقعًا لتجهيز 120 مركبة جوية.
وتعتبر قاعدة العديد العسكرية في قطر من أهم القواعد الأمريكية في الشرق الأوسط، ففى عام 2016 استخدمت القاعدة كنقطة انطلاق ضربات القصف الجوي التي نفذتها طائرات «B-52» ضد أهداف تابعة لتنظيم داعش في العراق وسوريا، كما استخدمها البنتاجون في بداية حملته في أفغانستان ضد طالبان، حيث كانت طائرات "F-16" وطائرات المراقبة "E-8C Joint Stars" تنطلق من هذه القاعدة كمقر لها، والتي أصبحت محطة رئيسية لإعادة تعبئة الوقود.
وتضم العُديد المقرات الرئيسية لكل من القيادة المركزية للقوات الجوية الأمريكية والمركز المشترك للعمليات الجوية والفضائية والجناح الـ 379 للبعثات الجوية، كما يقوم المركز المشترك للعمليات الجوية والفضائية في العديد بالإشراف على القوة الجوية الأمريكية بأفغانستان وسوريا والعراق و18 دولة أخرى، وبه عسكريون من القوات الجوية والبحرية والجيش وقوات مشاة البحرية الأمريكية "المارينز".
ويصنف بعض العسكريين "العديد" بأنها أكبر مخزن استراتيجي للأسلحة الأمريكية في المنطقة، إذ تعتبر «العديد» مقرًا للمجموعة 319 الاستكشافية الجوية التي تضم قاذفات ومقاتلات وطائرات استطلاعية إضافة لعدد من الدبابات ووحدات الدعم العسكري وكميات كافية من العتاد والآلات العسكرية المتقدمة، وتتخذ القاعدة موقعاً لتجهيز 120 مركبة جوية.
تريسلون كان آخر المتعاطفين مع قطر
وقد جاءت إقالة ريكس تريسلون، وزير الخارجية الأمريكي من منصبه لكي تكون بمثابة قطع آخر خيط قوي يربط بين الإدارة الأمريكية وقطر، حيث كان المتعاطف الوحيد مع الإمارة الخليجية، وسببًا رئيسيًا في الخلاف القائم بين الخارجية والبيت الأبيض، فيما غيرت وزارة الدفاع "البنتاجون" من رأيها المدافع عن قطر، واحتواء مساعي ترامب لنقل القاعدة في بداية توليه المسئولية.
قطر تجمع بين المتناقضات
محمد محسن أبو النور، الباحث المصري في الشئون الإيرانية والدولية، أكد لـ "بوابة الأهرام"، أن التقارب القطري الإيراني أزعج أمريكا بشكل كبير خصوصًا مع استضافة قطر خبراء من الحرس الثوري، واتخاذ الأمريكان قاعدة العديد منصة لضرب أهداف إيرانية في أفغانستان وباكستان عكس ما يعلنه الإعلام الإيراني من إنكار أي تواجد له في تلك المنطقة، فضلا عن وجود قوات عسكرية تركية في القاعدة التركية بقطر وهو ما لم يأت على هوى الأمريكان.
وأوضح محسن أبو النور، أنه رغم التنسيق العسكري رفيع المستوى، بين أمريكا وقطر، إلا أن واشنطن كانت ترى أن قطر ملعب عسكري خاص بها تنفرد فيه بالقيام بأدوار عسكرية خارجية، إلا أن لجوء قطر إلى حلفاء آخرين مثل إيران وتركيا أمر لم تقبله واعتبرته خصمًا من الرصيد الأمريكي في قطر.
وأضاف الباحث في الشئون الإيرانية والدولية، أن قطر دولة تجمع بين عدة متناقضات وترقص على جميع الحبال، حيث تقيم علاقات قوية مع إيران وتستضيف أعضاء الحرس الثوري على أرضيها رغم أن وجود قوات عسكرية غير خليجية – يقصد قاعدة العديد الأمريكية- أمر يغضب الدولة الفارسية ويزعج صناع الاستراتيجيات العسكرية، خصوصًا وأن القوات الأمريكية على بعد كيلومترات قليلة من السواحل الإيرانية.
كما تستضيف قوات شيعية من الحرس الثوري وسرايا المقاومة اللبنانية التابعة لحزب الله اللبناني ما يغضب الأتراك ويجعل علاقة الطرفين على المحك، خصوصًا وأن تركيا تعتبر قطر ولاية عثمانية أو الدول التابعة للطموح التركي العثماني الساعي للسيطرة على جميع الدول السنية في المنطقة.
واعتبر قيام قطر بجميع تلك المتناقضات، خرق لقواعد الأمن القومي الخليجية من وجهة نظر العرب وتركيا حتى دول الخليج، لأن ذلك يجعلها محطة محتملة لنشوب حرب بين جميع تلك القوى ما يؤثر على استقرار المنطقة، مضيفًا أن الأمريكان غير راضين عن ذلك، ولن يشفع للقطريين صفقة الأسلحة المستوردة من أمريكا والبالغ قيمتها 12 مليار دولار.
باحث بريطاني: البنتاجون سيمنع نقل القاعدة
فيما كشف أندرياس كريج، الباحث بقسم دراسات الدفاع في كلية كنجز كوليدج في لندن، أن من بين من عملوا في قاعدة العديد منذ افتتاحها في 2005 وزير الدفاع الأمريكي الحالي جيمس ماتيس عندما كان قائدا للقيادة الأمريكية المركزية.
وعن صراع المؤسسات الأمريكية حول قطر، قال كريج إن البنتاجون يتحرك بسرعة لتهدئة المشاكل التي يتسبب بها ترامب على "تويتر"، لافتا إلى إشادة الوزارة سابقا بـ"التزام قطر المستمر بالأمن الإقليمي".
ويرى المتابعون أن قطر خرقت التزاماتها الأمنية والدبلوماسية بسياسة الهروب إلى الأمام التي اعتمدتها في أزمتها مع الدول الرافضة للإرهاب، ما قد يدفع الولايات المتحدة إلى اتخاذ خطوة موجعة للدوحة ورفع الحماية عنها عبر تفكيك قاعدة العديد ونقلها إلى دول الجوار مثلما تشير إلى ذلك تقارير مختلفة.