الصراع الجاري في ليبيا بشقَّيه العسكري والسياسي، ليس مجرد صراع على السلطة في البلاد فحسب، بل هو صراع تتكثف فيه المصالح الإقليمية والدولية.

العالم 10:00 17.01.2020
فليبيا دولة نفطية يبلغ حجم إنتاجها اليومي من النفط قرابة 1.2– 1.3 مليون برميل، هذا الانتاج، إضافة إلى الموقع الاستراتيجي لليبيا على شاطئ البحر الأبيض المتوسط الجنوبي، يلعبان دوراً هامّاً في استدراج التدخلات الخارجية، خشية من نجاح تجربة بناء دولة مؤسسات ديمقراطية. وهذا يعني تهديداً غير مباشر لأنظمة حكم، لا تريد أن يمر بها قطار التغيير الديمقراطي.
 
الصراع الليبي يكشف عن اتجاهين مختلفين من الرؤية السياسية في هذا البلد، فحكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليّاً، والتي يرأسها المهندس المعماري فايز السراج، هي حكومة تشكلت نتيجة محادثات ليبية-ليبية، رعتها الأمم المتحدة في مدينة الصخيرات المغربية، ونتج عنها اختيار فايز السراج رئيساً لحكومة الوفاق الوطني بتاريخ 8 أكتوبر/تشرين أول عام 2015م.
 
وقد تضمن الاتفاق -الذي تم توقيعه تحت مسمى اتفاق الصخيرات- تشكيل مجلس رئاسي مع خمسة نواب يمثلون برلمان وحكومة طبرق شرقي البلاد، وبرلمان وحكومة طرابلس غربي البلاد، إضافة إلى تمثيل عدد آخر من القوى السياسية الليبية فيه. ووقّع طرفا النزاع الليبي هذا الاتفاق بتاريخ 17 ديسمبر/كانون الأول عام 2015م في مدينة الصخيرات المغربية بإشراف المبعوث الأممي إلى ليبيا السيد مارتن كوبلر.
 
الاتجاه الثاني الذي يمثله خليفة حفتر، لم يرُقْ له الاتفاق، لأنه لم يحقق له حلمه بأن يكون قائداً عامّاً للجيش الليبي في حكومة الوفاق، هذا المنصب هو من صلاحيات رئيس الحكومة، التي اعترفت بها الأمم المتحدة.
 
إن طموح حفتر بالسيطرة على مؤسسة الجيش الوطني الليبي في البلاد، تقف خلفها طموحاته القديمة. فهو من مجموعة الضباط الذين شاركوا بانقلاب قاده العقيد معمر القذافي عام 1969م على الملك الليبي آنذاك إدريس السنوسي.
 
كان القذافي بصورته الديكتاتورية يشكّل أنموذجاً لحفتر، ولكن هذا الأنموذج تكسّرت ركائزه لدى الأخير بعد هزيمة قوات كان يقودها في الحرب على تشاد، وبعد وقوعه مع عدد كبير من جنوده في الأسر، مما اضطرّ القذافي إلى أن يتخلى عنه، وأن يبعده عن مؤسسة الجيش الليبي.
 
وحين اندلعت انتفاضة الشعب الليبي في17 فبراير/شباط2011م، عاد حفتر من الولايات المتحدة الأمريكية، التي كان يقيم فيها، منذ أن أبعده القذافي عن الجيش. عاد الرجل وفي ذهنه تجديد حلم ديكتاتوري قديم، هو ما دفعه إلى الالتحاق بقوات المعارضة المسلحة، حيث قاتل مع فصائل مسلحة بعضها ينتمي إلى تيارات إسلامية، وبعد سقوط نظام القذافي وتحديداً في عام 2014 عرض حفتر خطة قال إنها خاصة بإنقاذ البلاد، وكان يقصد من ذلك تصفية كل الفصائل العسكرية التي أسقطت القذافي، والتي لا تتفق مع رؤيته في طريقة حكم البلاد بصورة ديمقراطية.
 
طموحات حفتر في السيطرة على السلطة، تقف خلفها طموحاته في السيطرة على منابع النفط، وسيطرته على عاصمة البلاد طرابلس، وإعادة إنتاج نظام ديكتاتوري بصبغة شكلية من الديمقراطية، مما يعني نسف اتفاق الصخيرات، وفرض صيغة سياسية جديدة على الليبيين وعلى الأمم المتحدة. هذه الاستراتيجية التي اعتمدها حفتر كانت تريد ضرب عدة عصافير بحجر واحد.
 
من جهة أولى كان حفتر يريد إعادة إنتاج نظام شبيه بنظام معمر القذافي، أي إنتاج نظام ديكتاتوري بلبوس ديمقراطي شكلاني، ومن جهة ثانية، ولتحقيق هذا الهدف الاستراتيجي، كان لا بد له من أن يسحق عسكريّاً خصومه السياسيين في طرابلس وغيرها من الأمصار الليبية.
 
لقد عمد حفتر إلى تصفية نفوذ كل القوى السياسية والعسكرية في المنطقة الشرقية من ليبيا، بحجة أنه يحارب فصائل إسلامية متطرفة. وذهب إلى تقديم نفسه إقليميّاً ودوليّاً على أنه يحارب الإرهاب ومنظمات إسلامية متطرفة. هذا الاتجاه في الممارسة السياسية والعسكرية دفع بعض دول المنطقة ممن لا تريد أن ينتصر الربيع العربي إلى دعمه.
 
دعم حفتر كان واضحاً وجليّاً من دولتي الإمارات ومصر، فهاتان الدولتان وضعتا شعار محاربة الأصولية الإسلامية كقناع لإسقاط ثورات الربيع العربي، والغاية من ذلك منع التحولات الديمقراطية في تلك البلدان، وهذه استراتيجية لهذه الأنظمة، الغاية منها تأبيد نماذج حكم استبدادية وشمولية غايتها بقاء المجتمعات العربية تحت هيمنة طبقات غير قادرة على انتاج تنمية اقتصادية واجتماعية وحضارية.
 
إذاً يمكن فهم المعادلة بالصورة الحقيقية التالية: حفتر يمثل تيار الثورة المضادة في ليبيا، وهذا التيار يتلقى دعماً هائلاً على كل الصُّعُد السياسية والعسكرية والمالية، وهذا الدعم غايته النهائية إجهاض التحول الديمقراطي في ليبيا، كي لا يشكّل هذا التحول مع امتداده الإقليمي في تونس وغيرها من بلدان المنطقة قاعدة ارتكاز للربيع العربي. يضاف إلى ذلك مطامع دولية ومن مقدمات مختلفة.
 
وكي تكون النظرة أكثر واقعية، فإن الجهد المبذول في الفترة الماضية من تركيا وروسيا بإطفاء نار الحرب في ليبيا، والمتمثل باجتماع موسكو لتوقيع وقف شامل للنار، كانت غايته البحث عن حلّ وسط يجنّب ليبيا الدمار تحت حجة محاربة الفصائل المتطرفة.
 
لكن أعداء السلام والتحول الديمقراطي لم يرُقْ لهم ما كان سيحدث في موسكو، لهذا ضغطوا على حليفهم حفتر كي يمتنع عن توقيع اتفاق وقف إطلاق شامل للنار.
 
في هذه الحالة يمكن اعتبار امتناع حفتر عن التوقيع على إنهاء الحرب استمراراً لتأجيج نار هذه الحرب، وهي دعوة لانخراط إقليمي ودولي في هذا الصراع، وهو أمر لا يمكن لليبيا أن تتخلص من آثاره ونتائجه بما فيها تقسيم البلاد. لذلك يجب محاصرة التوجه السياسي والعسكري الذي ينتهجه حفتر، لأنه تهديد لإقليم الشرق الأوسط بمجمله، وعامل عدم استقرار لشعوب المنطقة، التي تريد تحقيق السلام في بلدانها والنهوض بدورها الإنساني والحضاري.
 
إن رفض حفتر لمبادرة السلام هو تأكيد لترسيخ قاعدة للثورة المضادة في ليبيا، وهو محاولة لإعادة إنتاج أنظمة التسلط على الشعوب، وهو ما يجعل دول المنطقة في حالة توتُّر سياسي واجتماعي مستمرَّين. وهذا الأمر يجب أن يكون شأناً إقليميّاً يمنع حفتر من المقامرة بالدولة الليبية وبالمنطقة.
 
بقي أن نقول إن الصراع السياسي والعسكري في ليبيا هو صراع محتواه أبعد من ليبيا، ويختصّ هذا الصراع بين أنموذجين سياسيين يتصارعان الآن في المنطقة، هما أنموذج إعادة إنتاج الاستبداد والتخلف والقهر، وأنموذج حضاري يعتمد حقوق المواطنة وتداول السلطة وعملية التنمية الشاملة.

 

قناة "يورونيوز" التلفزيونية تبث تقريرًا عن  مخاطر الألغام  في أذربيجان

أحدث الأخبار

مطار دبي الثاني عالمياً بقائمة أكثر المطارات ازدحاماً في 2023
18:00 16.04.2024
توفيق عباسوف : هكذا تتعامل القوي العالمية مع قضايا المنطقة
16:00 16.04.2024
خبير إسرائيلي : إذا اندلعت حرب فإن إيران ستكون الخاسر الأكبر
14:21 16.04.2024
استمرار جلسات الاستماع في القضية التي رفعت ضد أذربيجان في محكمة العدل
13:34 16.04.2024
مركز ترتر الإقليمي للتدريب المهني يعقد دورة تدريبية لفريق إزالة الألغام النسائي
12:41 16.04.2024
لماذا شنت إيران أول هجوم مباشر لها على إسرائيل؟
12:15 16.04.2024
فاسيليس ماراجوس : يجب أن تكون الحدود السوفيتية حدود رسمية
11:58 16.04.2024
مسؤولي الاتحاد الأوروبي يجتمعون مع شارل ميشيل
11:34 16.04.2024
البنك المركزي الصيني يضخ ملياري يوان في النظام المصرفي
11:30 16.04.2024
إيران وروسيا توقعان اتفاقية اقتصادية جديدة
11:18 16.04.2024
زيلينسكي يطالب الغرب بمزيد من الدعم في مواجهة روسيا
11:15 16.04.2024
عام على الحرب في السودان.. كارثة إنسانية في طي النسيان
11:00 16.04.2024
جنوب أفريقيا تطعن على قيود الاتحاد الأوروبي على صادراتها من الحمضيات
10:30 16.04.2024
أمير قطر وأردوغان يبحثان هاتفيا آخر تطورات الأوضاع في غزة
10:17 16.04.2024
أمريكا طلبت وساطة تركيا قبل الهجوم الإيراني على إسرائيل
10:00 16.04.2024
السعودية وأوزبكستان توقّعان اتفاقية للإعفاء المتبادل من التأشيرة
09:45 16.04.2024
التوترات الجيوسياسية تضغط على سلاسل الإمداد العالمية
09:30 16.04.2024
احتجاجات في عاصمة جورجيا ضد قانون خاص بتمويل المنظمات غير الحكومية
09:15 16.04.2024
ممثلي اللجنة السياسية والأمنية للاتحاد الأوروبي يزورون أغدام
20:00 15.04.2024
احتلال قرباغ أحد أدلة الأيديولوجية العنصرية لأرمينيا”
17:43 15.04.2024
النور محمدوف : يجب رفض الاستئناف الذي قدمته أرمينيا إلى المحكمة الدولية
17:28 15.04.2024
دلفي برونك: الاتحاد الأوروبي هو أكبر حليف لأذربيجان في مجال الحماية من الألغام
16:56 15.04.2024
تورال إسماعيلوف : الاتفاق الأذربيجاني الأردني لا يضر إيران في شيء
16:21 15.04.2024
توكاييف : نرحب برغبة ارمينيا بإبرام اتفاقية سلام مع أذربيجان
13:30 15.04.2024
رئيس كازخستان يصل أرمينيا في زيارة رسمية
13:15 15.04.2024
دول آسيا الوسطى ومجلس التعاون الخليجي: تضافر الإمكانات
13:00 15.04.2024
لماذا تتركز الأعمال الإرهابية الأرمينية في ناخيتشيوان وزانجازور؟
12:45 15.04.2024
الدور الأمريكي لمنع اندلاع حرب إقليمية واسعة بين إيران وإسرائيل
12:30 15.04.2024
وزير الخارجية البريطاني يجري اتصالا هاتفيا مع نظيره الإيراني
12:15 15.04.2024
مصر تستأنف رحلاتها الجوية من وإلى الأردن والعراق ولبنان بعد هجوم إيران على إسرائيل
12:00 15.04.2024
شكرى ينقل رسائل هامة لنظيريه الإيراني والإسرائيلي بضرورة التهدئة
11:45 15.04.2024
حزب الله اللبناني يبارك الهجوم الإيراني على إسرائيل
11:30 15.04.2024
بيراموف يشارك في اجتماع الحوار الاستراتيجي بين دول مجلس التعاون ودول آسيا الوسطى
11:17 15.04.2024
بولندا تحد من إنتاج مزارع الرياح والطاقة الشمسية وسط زيادة المعروض
11:15 15.04.2024
العاهل الأردني يحذّر في اتصال مع بايدن من توسيع دائرة الصراع
11:00 15.04.2024
تداعيات الحرب الوشيكة بين إيران وإسرائيل علي أذربيجان
10:57 15.04.2024
مفاوضات بريطانية مع أربع دول بشأن المهاجرين
10:53 15.04.2024
الصين تدعو كافة الأطراف للتحلي بالهدوء وضبط النفس لتجنب المزيد من التصعيد
10:45 15.04.2024
التحولات التركية.. الشعب فى صلب دينامية التغيير
10:30 15.04.2024
الأسلحة التي استخدمتها إيران في الهجمات على إسرائيل
10:15 15.04.2024
جميع الأخبار