تسعى دول أوروبية عديدة لتجديد مخزونها من السلاح من أجل ضمان أمنها، ووصل الأمر إلى التعامل مع مسألة غطاء المظلة النووية التي كانت تعد من المحرمات الاستراتيجية. من جهتها تعمل الصين بدورها على مراجعة خططها الدفاعية لتفادي تكرار السيناريو الروسي في أوكرانيا، أي الدخول في حرب استنزاف والفرضية الأرجح مع تايوان.
كشفت عدة تقارير عن استعدادات عسكرية تجري على قدم وساق في العديد من الدول الكبرى، بما فيها دول حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وأيضا الصين، في ظل استمرار الحرب في أوكرانيا والمخاوف التي تفرزها لا سيما الانزلاق نحو الصدام المباشر.
فعلى الصعيد الأوروبي، وبعد عامين من التحول المفاجئ الذي حققته ألمانيا في سياستها الدفاعية كرد على الحرب التي تشنها روسيا على أوكرانيا، تتعامل اليوم مع موضوع كان يعتبر من المحرمات الاستراتيجية، وهو إنشاء مظلة نووية أوروبية، في مواجهة شبح إعادة انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة وتصريحاته الأخيرة الصادمة. فترامب يهدد بتشجيع موسكو على مهاجمة دول الناتو التي لا تفي بالتزاماتها المالية.
في هذا الشأن، قالت كاتارينا بارلي العضو في الحزب الديمقراطي الاشتراكي في ألمانيا بزعامة المستشار أولاف شولتز، إنه مع احتمال إعادة انتخاب ترامب، فإن درعا ذرية أوروبية قد تطرح على الطاولة. وأثارت هذه التصريحات جدلا وطنيا مشحونا بالمشاعر في بلاد مناهضة بشدة للسلاح النووي ودائما ما جعل الشراكة مع الولايات المتحدة الأولوية المطلقة.
وسبق أن تطرق وزير الخارجية الألماني السابق يوشكا فيشر في ديسمبر 2023 لهذه المسألة. فقال فيشر، العضو في حزب الخضر الذي نشأ أساسا من معارضة النووي: هل ينبغي لألمانيا أن تملك أسلحة نووية؟ كلا، أوروبا؟ نعم، لأن العالم تغير.
وقال وزيرالمال كريستيان ليندنر إنه من الضروري البحث في إنشاء قوة ردع نووي أوروبية بالتعاون مع فرنسا وبريطانيا، القوتان النوويتان في القارة. كما أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هو الآخر سبق وطرح نفس الفكرة في 2020، داعيا دول الاتحاد إلى حوار استراتيجي حول دور الردع النووي الفرنسي في أمننا الجماعي.
في العام 2020، اقترح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على دول الاتحاد الأوروبي حوارا استراتيجيا حول دور الردع النووي الفرنسي في أمننا الجماعي.
لكن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرج حذّر قبيل اجتماع لوزراء دفاع التكتل، أوروبا من محاولة العمل بمفردها في المجال العسكري بعدما أثارت تعليقات ترامب جدلا حول ما إذا كان بوسع القارة الاعتماد فقط على الحماية الأمريكية.
وفعليا، فقد كان غزو أوكرانيا بمثابة جرس الإنذار لدول أوروبية ودفعت بالناتو إلى جعل هدف 2% حدا أدنى للإنفاق الدفاعي لدوله. فيما زادت دول رئيسية مثل ألمانيا حجم إنفاقها ومن المتوقع أن تحقق هذا الهدف العام الجاري. إلا أن الولايات المتحدة لا تزال تمثل الجزء الأكبر من إجمالي نفقات أعضاء الحلف.
يأتي ذلك فيما تفاقمت التحذيرات من أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد يسعى لاستهداف أعضاء في الحلف إذا خسرت أوكرانيا الحرب. تُذكر هذه الأجواء بتلك التي خيّمت قبيل بداية الغزو في 24 فبراير 2022. رغم ذلك، ما زالت الصناعة الدفاعية الأوروبية بعيدة من التمكن من مد أوكرانيا بالسلاح الذي تحتاج إليه بحسب خبراء، فرغم تقديم دول التكتل مساعدات عسكرية لكييف بمليارات اليورو، إلا أن القدرات لا ترقى إلى مستوى الإرادة السياسية المُعلنة.
وفيما زاد الأوروبيون حجم ميزانياتهم الدفاعية ودعا بعضهم على غرار ماكرون للانتقال إلى اقتصاد الحرب، أنفقت 9 دول فقط أكثر من 2% من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع في 2023، وليست ألمانيا ولا فرنسا أو إيطاليا إحداها علما أنها الأغنى في الاتحاد ولديها صناعات دفاعية قوية. كل هذا فيما تعمل المصانع بكامل طاقتها لإنتاج صواريخ للدفاع الجوي وصواريخ مضادة للدبابات وقذائف ومدافع، منها معدات مخصصة لأوكرانيا ومنها لتجديد المخزون الوطني. وشهدت خطط التكتل بإنتاج قذائف من عيار 155 مليمتر تأخيرا، إلا أنه يخطط لتصنيع 1,4 مليون قذيفة في 2025، متقدما على الولايات المتحدة التي تخطط لتصنيع 1,2 مليون قذيفة خلال الفترة نفسها.
بلغة الأرقام، فإنه من أصل 100 مليار يورو من مشتريات الدول الـ 27 من الأسلحة في الفترة من 2022 إلى منتصف 2023، تم شراء 63% من الولايات المتحدة و13% من كوريا الجنوبية، حسب معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية (IRIS). لكن ليس الأوروبيون لوحدهم من يحاول استباق الأمور واستخلاص الدروس من هذه الحرب، حيث إن الصين تخطط بدورها لبناء خطط دفاعية كفيلة بضمان تفوقها في حال اندلاع حروب مستقبلية لعل أبرزها سيكون في تايوان.
في نفس الشأن، يسلط تقرير للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية Military Balance، الضوء أكثر على ما يحدث في الصين، قائلا إن هناك دلائل تؤشر على أن العملاق الآسيوي بصدد مراجعة خططه الدفاعية تحضيرا لحرب "طويلة الأمد" مدفوعا بالنتائج المستخلصة من مراقبته لأداء روسيا في أوكرانيا. وأشار هذا المركز البحثي إلى لوائح 2023 التي تخص استدعاء الجيش للمحاربين القدامى وخطط التعبئة في زمن الحرب. وقال المعهد حسبما نقل موقع بيزنس إنسايدر إن ذلك يُظهر تفكير بكين في احتمال عدم تحقيقها نصرا سريعا في حال خاضت نزاعا عسكريا. وأضاف بأنه من المرجح أن يدفع هذا الصراع قيادة جيش التحرير الشعبي الصيني إلى إعادة النظر في الخطط التشغيلية للاستدامة الصناعية واللوجستية طويلة المدى، ناهيك عن خطط إجلاء المصابين وعلاجهم.
وقال المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية حسب بيزنس إنسايدر، إن الجيش الصيني سيركز بشكل أكبر على جنود الاحتياط الذين سبق وطغت أهميتهم على فروع الدفاع الأخرى. كما أن قوانين التجنيد العسكري الجديدة في 2023 تكشف عن مدى قدرة القيادة الدفاعية العليا في الصين على التحكم بالتعبئة في زمن الحرب، ما يسمح لها بتعديل شروط وأحكام التجنيد واستدعاء المحاربين القدامى. وهي تأتي ربما تحسبا للصعوبة التي تواجهها روسيا في سد فجوات في تعبئة قواتها في أوكرانيا، يضيف نفس المصدر.
وفعليا، فقد عانت روسيا من نقص في عديد قواتها بعد ثمانية أشهر من الحرب فقط. في ضوء تلك الإشكاليات، قرر بوتين في سبتمبر 2022 استدعاء مئات آلاف الروس للقتال. وأوضح وزير الدفاع سيرجي شويجو أن بلاده ستستدعي 300 ألف جندي احتياط "أي 1,1% من القدرات التي يمكن استدعاؤها.
في سياق آخر، أثار وزير الدفاع الصيني دونغ جيون الجدل بعد تصريحات أدلى بها خلال محادثة عبر الفيديو مع نظيره الروسي سيرجي شويجو في 31 يناير، قال فيها حسب بعض التقارير إن بلاده تدعم روسيا في الملف الأوكراني.