خلال عام ونصف العام على وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للبيت الأبيض، اتخذت الإدارة الأمريكية الجديدة 5 مواقف معلنة تحمل تعليقات حول الشأن الداخلي بمصر، أحدثها اتصال هاتفي من "مايك بنس" نائب ترامب قبل أسبوع مع القاهرة، بشأن توقيف النشطاء.
وفي أحاديث منفصلة مع الأناضول، اتفق ثلاثة خبراء مختصين بتحليل العلاقات المصرية الأمريكية، على أن تلك المواقف تمثل "ضغوطا" على القاهرة، متوقعين استمرارها مستقبلًا.
ورجح الخبراء وجود 3 أسباب وراء الضغوط الأمريكية على مصر، وهي: "ترضية الداخل الأمريكي المؤيد للملف الحقوقي، وعودة النمط التقليدي في العلاقات بين القاهرة وواشنطن، والتخديم على المصالح الأمريكية بالمنطقة".
فيما استبعد ثلاثتهم أن تصل تلك الضغوط الأمريكية لتغيير جذري في العلاقات المصرية الأمريكية على المديين المتوسط والبعيد.
وخلال فترة وجيزة ماضية، أوقفت القاهرة نشطاء أبرزهم، شادي الغزالي حرب، وهيثم محمدين، ووائل عباس وشادي أبوزيد، وأمل فتحي، على خلفية تهم ينفونها بشأن نشر أخبار كاذبة.
وتوترت العلاقات المصرية الأمريكية في عهد إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما مع توجه الأخير المستمر في انتقاد الشأن الحقوقي والديمقراطي بمصر.
** 5 مواقف معلنة
ووفق رصد الأناضول، المواقف الخمسة البارزة منذ تولي ترامب السلطة في بلاده مطلع 2017 هي: "انتقاد في مكالمة بنس الأخيرة، والتعليقات الصحفية الرسمية، وحجب مساعدات أمريكية، ورسالة أمريكية احتجاجية، والمطالبة بإطلاق سراح أمريكيين محتجزين بمصر"، على النحو التالي:
** مايو/أيار 2018 (بيان)
وفق بيان للبيت الأبيض، أجرى بنس اتصالا هاتفيا بالرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، أعرب خلاله عن قلقه حيال توقيف النشطاء المصريين، بموازاة دعمه لقرار السيسي بإطلاق سراح أكثر من 300 سجين مؤخرا، بينهم الأمريكي أحمد عطيوي (متهم في قضايا تظاهر).
وصدر بيان للرئاسة المصرية وقتها لم يتطرق لما ذكره البيت الأبيض.
** فبراير/ شباط 2018(مؤتمر صحفي)
وفق موقع محطة سي إن إن الأمريكية، قالت هيثر نورت، الناطقة باسم وزارة الخارجية الأمريكية آنذاك، في مؤتمر صحفي عن الملف الحقوقي بمصر، إن بلادها تتابع قضية توقيف الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات في مصر، هشام جنينة (على خلفية نشر أخبار كاذبة).
وأضافت نورت أن "وزير الخارجية (آنذاك) ريكس تيلرسون خلال لقاءاته بنظيره المصري (سامح شكري) وبالرئيس السيسي تطرق إلى ملف حقوق الإنسان وقضايا الاعتقالات، وقانون الجمعيات الأهلية (أصدرته مصر قبل عام) الذي نشعر نحوه بقلق شديد".
**يناير/ كانون ثان 2018 (تفاصيل لقاءات ثنائية)
أبرزت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية تفاصيل اللقاء الذي جمع بين السيسي وبنس بالقاهرة آنذاك، والذي تحدث فيه الأخير عن "ملف حقوق الإنسان والأمريكيين المُعتقلين في مصر، وتحديدًا: أحمد عطيوي ومصطفى قاسم (دون تفاصيل أكثر)".
** أغسطس/آب 2017 (تجميد مساعدات)
شمل القرار الأمريكي حجب مساعدات بقيمة 95.7 مليون دولار، وتأجيل صرف 195 مليون دولار أخرى، من المساعدات السنوية التي تقدمها واشنطن إلى القاهرة، والبالغ مجموعها 1.3 مليار دولار.
وقالت الناطقة باسم الخارجية الأمريكية، آنذاك، في مؤتمر صحفي، إن بلادها ستعيد المساعدات لمصر إذا شهدت تقدما ملحوظًا في مجال حقوق الإنسان.
وردت القاهرة في بيان للخارجية، معتبرة أن القرار الأمريكي "يعكس سوء تقدير لطبيعة العلاقة الاستراتيجية التي تربط البلدين على مدى عقود طويلة، واتباع نهج يفتقر للفهم الدقيق لأهمية دعم استقرار مصر".
** أغسطس/آب 2017 (رسالة)
ووفق ما نقلته محطة سي إن إن الأمريكية، طالب رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأمريكي، السيناتور الجمهوري، جون ماكين، في رسالة ووجهها لـ"ترامب"، بـ"الضغط" على مصر في الملف الحقوقي، في ظل "تنامي عدد السجناء السياسيين وقمع المنظمات الإعلامية والمجتمع المدني".
وعادة ما تنفي مصر صحة هذه الاتهامات، ووجهت انتقادات سابقة لـ"ماكين" بشأنه ما تعتبره "خطأ في رؤيته حيال الأوضاع في مصر".
** أبريل/ نيسان 2017
أطلقت مصر سراح الناشطة المصرية حاملة الجنسية الأمريكية، آية حجازي، التي كانت قضيتها مسار توتر مع إدارة أوباما منذ توقيفها في 2014، عقب حصولها على حكم قضائي بالبراءة بعد أقل من أسبوعين على استقبال ترامب للسيسي في البيت الأبيض في 3 أبريل/ نيسان 2017.
ونقلت وسائل إعلام أمريكية آنذاك عن المتحدث باسم البيت الأبيض شون سبايسر، قوله إن ترامب تدخل بشكل مباشر خلال لقائه مع السيسي لضمان إطلاق سراح آية حجازي وعودتها إلى الولايات المتحدة.
** ضغوط أمريكية
اعتبر الكاتب المصري المتخصص في الشؤون الأمريكية والمقيم في واشنطن، محمد المنشاوي، في حديث للأناضول، أن الضغوط الأمريكية على مصر تأتي "في سياق ترضية بعض الأصوات بمجلس الشيوخ ممن يهتمون بقضايا الحرية والديمقراطية".
ويراها المنشاوي "عودة لنمط تقليدي في العلاقات بين القاهرة وواشنطن سواء كان من يحكم البيت الأبيض جمهوريا أو ديمقراطيا (الحزبين الرئيسيين في أمريكا)، ويتمثل في الضغط على مصر بشأم ملف حقوق الانسان والحريات بهدف الحصول على تنازلات من النظام المصري في قضايا إقليمية هامة كفلسطين".
وعلى مسافة مقربة يضيف سعيد صادق، الأكاديمي المصري المختص بالعلاقات الأمريكية المصرية، للأناضول، أن "تلك الضغوط تبدو مخالفة لما هو معروف عقب زيارة السيسي لواشنطن من عدم خروج مناقشات الملف الحقوقي المصري عن الغرف المغلقة".
** رد مصري بين خيارين أمام مستقبل مستقر
ويتوقع صادق أن يظل رد الفعل المصري محصورًا بين التجاهل و التركيز على مستقل مستقر للعلاقات الاستراتيجية بين البلدين.
بدوره يؤكد الأكاديمي المصري، المتخصص في العلوم السياسية، حسن نافعة، في حديث للأناضول، أن " إدارة ترامب لا تقيم وزنًا لملف حقوق الإنسان (..) والتجاهل سيبقي سيد الموقف المصري، الذي لا يعول كليًا على ترامب".
ويستطرد " لن يحدث تغيير جذري في العلاقات المصرية الأمريكية بسبب الملف الحقوقي، وواشنطن بحاجة إلى مصر خلال الفترة المقبلة، خاصة والمنطقة مقبلة على إعلان أمريكي لتفاصيل صفقة القرن المعنية بتقديم حل للقضية الفلسطينية".
ولا تزال وسائل إعلام أمريكية تصف العلاقات بين القاهرة وواشنطن بـ"الدافئة"، لا سيما مع وجود جوانب توافق قوية بين السيسي وترامب، يتصدرها الاهتمام والتركيز على مكافحة الإرهاب والتطرف.