في بداية القرن العشرين، نفذ الأرمن عمليات دموية ضد السكان الأذربيجانيين - في عامي 1905 و1918. مما لا شك فيه، أن الإبادة الجماعية التي حدثت عام 1918 وحجمها وعدد الضحايا تجاوزت المذبحة الواقعة في عام 1905. ومع ذلك، يعتبرالحادثان حلقة من سلسلة واحدة، والعناصر المكونة للسياسة الشوفينية المتمثلة في "تطهير" جنوب القوقاز من المسلمين وإنشاء الحكم الذاتي الأرمني ( في وقت لاحق - الدولة) على أراضي التي يسكنها الأذربيجانيون.
استفاد الأرمن من الوضع السياسي المواتي، على حد سواء في عام 1905 وعام 1918 نفذوا الإرهاب والإبادة الجماعية ضد الأذربيجانيين. كان تورط للأرمن في كلتا الحالتين هو نفسه. كما جاء في مقال عن أنشطة حزب داشناكسوتون الذي تم تشكيله في إدارة شرطة وزارة الداخلية في الإمبراطورية الروسية على حد سواء في عام 1908وخلال أحداث عام 1905، أن الأرمن حققوا أهدافهم جزئياً: عزل الأرمن من المسلمين في جنوب القوقاز وتفريغ الأراضي لإسكانهم بالأرمن المهاجرين من تركيا وإيران. ووفقاً للمصدر، حقق الأرمن في مناطق إليزافيتبول وإريفان وقارس هذه الخطة بفضل هروب الأسر المسلمة من هناك. كان الوضع نفسه كما كانت عشية الإبادة الجماعية عام 1918، عندما دخلت القوى السياسية الأرمنية في تحالف مع البلاشفة ونفذت إرهاباً مسلحاً ضد الأغلبية العرقية للسكان من أجل الاستيلاء التام على السلطة في باكو، وفي جميع أنحاء أذربيجان الشمالية لاحقاً.
بين أحداث عامي 1905 و1918، هناك تشابه آخر: الاستعداد طويل الأمد للأرمن للقيام بأعمال دموية، وزيادة التسلح، والاستفزازات التي هدفها ثورة الأذربيجانيين، والمشاركة الشخصية للأثرياء الأرمن في أعمال العنف وإلخ. كما لم تتغير الدعاية الأرمنية: في عام 1905 وعام 1918، صورت الأذربيجانيين على أنهم الجانب المهاجم والأرمن كضحايا.
في الوقت نفسه بين أحداث عامي 1905 و1918، هناك اختلافات جوهرية. أول هذه الأكاذيب في التفسير: إذا كان هناك صراع بين الأعراق في عام 1905، ففي عام 1918 كانت هناك إبادة جماعية للأذربيجانيين. في الحالة الأولى، صدت القوات الوطنية للدفاع عن النفس للاستفزازات الأرمنية التي تحولت إلى عنف جسدي جماعي ضد الأذربيجانيين. نتيجةً لذلك، تجاوز عدد ضحايا الأرمن في بعض المناطق عدد الأذربيجانيين، وذلك على الرغم من أن الأرمن كانوا أفضل تسليحاً واستعداداً. في عام 1918، أدت الإبادة الجماعية التي تم التخطيط لها مسبقاً إلى تدمير أكثر من 50000 أذربيجاني، وكان ذلك نتيجة لغياب الدفاع المنظم إلى حد ما.
تجدر الإشارة إلى أن المذبحة التي تعرض لها الأذربيجانيون في عام 1918 كان الأرمن يعتبرونها نوعاً من الانتقام لعام 1905، لأنه لم يكن من الممكن تحقيق خططهم بعيدة المدى.
كما يجب أن يؤخذ في الاعتبار أن أحداث عامي 1905 و1918 وقعت في ظروف تاريخية مميزة بشكل أساسي. في عام 1905، تمكن الإمبراطورية الروسية، وسلطاتها ، باستخدام الإمكانيات الإدارية لقمع اندلاع النزاعات الأعرقية. في عام 1918، كان الوضع مختلفاً تماماً. انفصل جنوب القوقاز عن روسيا، وساد الوضع غير المستقر على المنطقة، ووقعت التناقضات بين الفصائل الوطنية في مجلس القوقاز الجنوبية، وأحكم البلاشفة الروسية السيطرة الفعلية على باكو وخلق وضعاً متوتراً عندما تغيب الحكم القضائي الذي كان يمكن له أن يحل الأطراف المتحاربة. بالإضافة إلى ذلك، في عام 1905، ولم يشمل الإرهاب الأرمني فقط الأذربيجانيين ، ولكن أيضا مرافق الحكومة القيصرية، بينما في عام 1918 كان الأذربيجانيون وحدهم الهدف الرئيسي لأنشطتهم.
عند مقارنة أحداث 1905 و1918. يلفت النظر إلى حد ما يلي: تجدر الإشارة إلى أنه في كل مرة يرتكب فيها الأرمن حادثة استفزازية محسوبة لإثارة رد فعل الأذربيجانيين. سبب القتل الوحشي لرجل باكو الغني أغا رضا باباييف على يد الأرمن المواجهة ى في عام 1905 الواقعة في فبراير. أصبحت المذبحة الهمجية لحشد من الأرمن حافزة للاشتباكات العرقية. في 6 فبراير، يوم قتل أغا رضا باباييف قتل ثلاثة أذربيجانيين آخرين في باكو، مما تسبب غضب السكان. لعبت قوات الدفاع عن النفس التي تصدت للأرمن، دورا رئيسياً في منع توسع الإرهاب الأرمني.
كان الوضع مشابهاً للموجة الثانية من الإرهاب الأرمني في عام 1905، والتي وقع في أغسطس. جاء في التقرير لقائد شرطة باكو الملازم أليكسندرإيزباش: "... يوم 20، من الساعة الخامسة بعد الظهر، في ساحة بارابيت، بالقرب من الكانيسة الأرمنية ، تم إطلاق رصاص يصم الآذان من قبل المجهولين، وبعد بضع دقائق في مناطق 4 مراكز للشرطة، أطلق الأرمن من الشرفات والنوافذ والسقوف النار بالأسلحة والمسدسات على المسلمين الذين كانوا في الشوارع، وفي المناطق البعيدة من هذه المراكز، اقتحم الأرمن الشقق والمحلات التجارية للمسلمين وقتلوهم هناك، ونهبوا ممتلكاتهم، ومن هذه اللحظات فتحت أعيرة نارية ونيران بقوة استثنائية، بينما أطلق الأرمن النار بشكل حصري تقريباً من المنازل ومن الشرفات والنوافذ والسقوف والبوابات؛ وأطلق التتار أي الأذربيجانيون الذين تم تجميعهم من قِبل عدة أشخاص، النار بشكل عشوائي على الأرمن في الشوارع والمنازل التي أطلقت منها الطلقات ".
بالانتقال إلى أحداث الإبادة الجماعية لعام 1918، تجدر الإشارة إلى أن الأرمن تصرفوا هنا بطريقة معتمدة مراراً وتكراراً. كانت المحاولة الأولى هو الحادث الذي وقع في مقر "الفرقة البرية" التي قادها الجنرال تاليشنسكي، قادماً من تيفليس إلى باكو في 9 مارس 1918. وتحت ذريعة أن من بين الضباط الروس في مقر القيادة وصل أشخاص خدموا في الدرك، تم اعتقال قيادة الفرقة بأكملها بإيعاز من قائد البلاشفة الشيوعيين أرميني الأصل ستيبان شاؤميان مباشرة في محطة القطارات. مع اعتقال القيادة الإسلامية، حاول الأرمن إثارة انتفاضة مسلحة للأذربيجانيين ضد البلاشفة، وبالتالي ضد الأرمن. ومع ذلك، لم تحدث ثورة المسلمين.
عقب فشله في تحقيق الهدف، دبر شاؤميان استفزازاً جديداً من شأنه أن يجبر الأذربيجانيين على الثورة لتكون ذريعة للقيام بالكفاح المسلح ضدهم. سرعان ما قدمت مثل هذه المناسبة: كان نزع سلاح طاقم سفينة " إيفيلينا" شرارة استخدمها الأرمن والبلاشفة لبدء مذبحة الأذربيجانيين.
في تقرير رئيس لجنة التحقيق الطارئة التابعة لحكومة جمهورية أذربيجان علي بيك خاصممادوف المرفوع إلى وزير العدل (22 ديسمبر 1918) هناك المؤشرات التالية لهذه النتيجة: "...كما تقول الشخصيات البارزة لمجتمع باكو رأى المسلمون أن الأرمن يدفعونهم للثورة، ولكن رغبة منهم لعدم التورط في المواجهة العرقية، زدعا المسيحيون الذين حضروا اجتماعات في المساجد الإسلامية، كما دعا جميع المتحدثين المسلمين إلى التزام الهدوء والصبر، وتحمل الاضطهاد وكما أوضح المتحدثون للناس أن الأرمن يحاولون إجبار المسلمين على ثورة علانية ليملكوا ذريعة لمهاجمة على المسلمين بدورهم، كان موقف المسلمين يوضح أنهم فكروا في خطر الاشتباك المحتمل مع الأرمن وحاولوا بذل قصارى جهدهم لمنع هذا تصادم ".
يتبين من مقارنة طرق ووسائل الإرهاب الأرمني في الفترات قيد النظر، أن الهزيمة التي لحقت لهم من قبل الأذربيجانيين في عام 1905 دفعت الأرمن إلى الاستعداد بشكل أكثر شمولاً للاشتباكات في عام 1918. في عام 1905، لم يكن وجود الجماعات الإرهابية الأرمنية التي ارتكبت جرائم القتل والمذابح، والتي لم تتوقع أن هذا سيتسبب في رد فعل قاسللأذربيجانيين، والذي نتج عنه، على وجه الخصوص، إحراق وإشعال النار في منازل الشخصيات المعروفة من رجال الأعمال الأرمن الأعضاء بحزب داشناك أمثال لالاييف وبابادزانوف وكراسيلنيكوف وأصلانوف وغيرهم. لذلك اتخذ الأرمن بعض التدابير الوقائية التي عززت قوتهم ضد الأذربيجانيين عشية الإبادة الجماعية التي ارتكب الأرمن في مارس. هذا ما أكده شهود العيان للإبادة الجماعية التي وقعت في آذار / مارس في باكو في شهاداتهم التي أدلوا بها لهيئة الأمن العام. يقول كاظم علي أصغر أوغلو أخوندوف في ذكرياته: "... لقد كان الأرمن مسلحين بأسلحة ثقيلة منذ عدة أشهر بالفعل، وكانوا يحملون البنادق والمدافع الرشاشات والذخائر إلى الأحياء الأرمينية من المدينة، في حي أرمنكند وقرى". شهد بالابيك أشوربيكوف قائلاً: "حتى قبل المذابح، بدأت الشائعات تنتشر في المدينة بأن الأرمن كانوا يستعدون للثورة ضد المسلمين. في ذلك الوقت بدأنا نلاحظ نقل الأرمن من أحياء سكن المسلمين إلى المناطق الأرمنية، تم العثور على خنادق حفرها الأرمن قرب أرمنكيند".
غالباً ما فسر الأرمن الأعمال الوحشية التي ارتكبت في مارس- سبتمبر 1918 في باكو وأقاليم أذربيجان الأخرى على أنها انتقام للهزيمة عام 1905. وهناك شهادة على هذه النقطة، على وجه الخصوص، صرح أحد سكان باكو إسماعيل بيك سفرعلييف بأنه عندما سُئل لماذا لم يحفظ الأرمن على الحياد خلال أحداث مارس وانضموا إلى البلاشفة لذبح المسلمين، وقد اعترف الرفيق إيوان تشكنوفروف علانياً بأن الأرمن أرادوا "الثأر لهزيمة 1905، وكما أنهم أرادوا منع المسلمين من مهاجمتهم".
صرح عيسى بيك عاشوربيكوف: "حتى قبل أحداث مارس، كنت قد سمعت أن الأرمن سيعيدون سنة 1905، أي لبدء مذبحة المسلمين"
أعرب أليكسندر كفاسنيك عن ملاحظاته التي أدلى بها خلال مذبحة مارس في باكو: "... كان هدف الأرمن هو الاستيلاء الشامل على السلطة في باكو. وبعد باكو، على المناطق الأخرى وطرد المسلمين في جميع المناطق. لكن الأحداث اللاحقة زادت رغباتهم وطموحاتهم، وبدأوا يحلمون بتدميرهم جسدياً، متذكرين عام 1905 الذي يمكن، في أي وقت في نظرهم، أن يكون ذريعة لهم لأي عمل إجرامي في حق المسلمين ... على أي حال، صارت الأحداث لذلك الوقت شاحبة بمقارنة الأحداث الواقعة في الوقت الحاضر، في 17-21 مارس، لم تكن لها أي سبب آخر" إلا الحقد متعطش للدماء، الغدر والخيانة للأرمن".
تؤكد هذه الحقائق أن الإبادة الجسدية للمسلمين من قبل الأرمن بطريقة الإرهاب والإبادة الجماعية كانت غاية في حد ذاتها، وبالتالي فإن أي فشل على هذا المسار تسبب في مرارة أكبر ورغبة في الانتقام. ليس من قبيل المصادفة أن لجأ الأرمن في عام 1918 إلى أساليب وحشية لقتل السكان الأذربيجانيين المسالمين في جميع مناطق شمال أذربيجان.
فرهاد جباروف، دكتوراه الفلسفة في التاريخ
الترجمة من الروسية: د. ذاكر قاسموف
