تقدم يوميات الأورأسيا مشاهدات خبيرها الروسي الدائمي وأستاذ العلوم السياسية من بطرسبورغ السيد دميتري سولونيكوف حول الأحداث الرهيبة الواقعة في المترو. وأنه نجا بصدفة سعيدة ولم يركب القطار الذي وقع التفجير الإرهابي في أحد عرباته والذي أودى بحياة 14 شخصاً.
هناك عدة اللحظات التي يجب الاهتمام بها:
أولاً، تدبير عملية التفجير نفسها.
أبدأ بمشاهداتي الخاصة.
كنت أتوجه من بطروغرادسكي إلى تشيرنيشفكي ( مقر وكالة تاس للأنباء). عند المرور من جادة نيفسكي إلى كوستيني دفور أعلنوا أن محطة مترو بلوشاد فوستانيا مغلقة للخروج والدخول كما المرور من محطة ماياكوفسكي إلى بلوشاد فوستانيا مغلق أيضاً. عندئذ كان فرع موسكوفسكو-بطروغرادسكي مفتوحاً بعد. كنت أفكر في الوصول إلى محطة تكنولوكيتشيسكي إنستتيتوت وأركب القطار هناك. وتوجه العديد من الناس إلى هذه الناحية بعضهم إلى تيكنولوزكا وبعضهم إلى سينايا.
تأخرت لمدة 5 دقائق في محطة كوسيتيني دفور للإدلاء بتصريحات لراديو "سبوتنيك". وعندما نزلت إلى جادة نيفيسكي وكان القطار واقفاً في اتجاه ساحة سينايا وكان الدخان يخرج من النفق وسرعان ما أعلنوا أن الحركة في الفرع توقفت. اضطررت إلى الخروج من المترو إلى الفوق لأصل إلى وكالة تاس ماشياً على الأقدام. كان الناس يخرج من المترو في الهدوء بينهم سكان المدينة وضيوفها وكذلك السياح الأجانب. لم يعلن عن عمل إرهابي أي شيء. وقالوا إن المترو مغلق بأسباب تقنية.
أولاً تم إغلاق محطة بلوشاد فوستانيا وزادت حمولة محطتي سينايا وتكنولوزكا زيادة حادة. أعلن أنه تم العثور على حاجة غريبة في محطة مترو بلوشاد فوستانيا وعموماً جاء في الوسائل الإعلامية والإنرنيت يوم أمس أنه هناك عدة حالات للعثور على أشياء غريبة بلا مالكها. ونشرت الأخبار عنها من الصباح، وإذا هذه الأخبار صحيحة يبدو أنه نسوا هذه الأشياء تعمداً لتقليل اهتمام الناس وصرف أنظارهم. وصباحاً أغلقت محطة مترو تشورنايا ريتشكا ووردت المعلومات عن إغلاق محطة سينايا بلوشاد وثم بلوشاد فوستانيا وكلها قبل الانفجار.
انفجر جهاز التفجير المصنوع يدوياً والمصلح بكميات كبيرة من أدوات الإصابة في عربة المترو في الساعة 14:40 عند المعبر بين محطتي سينايا بلوشاد وتكنولوكيتيسكي إنستيتوت.
بعد وقوع المأساة فقط أخبروا عن العثور على جهاز التفجير يدوي الصنع ذي قوة الإصابة الكبيرة والمصلح بكميات كبيرة بمواد الإصابة وأنه أقوى بكثير عما انفجر في عربة المترو. يعني هذا ليس بانفجار عادي أو جريمة عادية. وبحسب المعلوات الواردة أنه ليس إلا بعمل إرهابي.
وهناك المسألة الأخرى وهي أنه من هو مدبر للحادث: هل كانت مجموعة أو إرهابي منفرد؟ وهذه الأسئلة تطرح للمحققين. حتى الآن وبموجب المعلومات الواردة لم يشبه هذا الحادث بعمل شخص واحد.
ثانياً: أثناء الانفجار. كان الرئيس فلاديمير بوتين يحضر سانكت بطرسبورغ يوم الاثنين للمشاركة في المؤتمر الإعلامي لمنظمة الجبهة الشعبية وكان ينوي اللقاء مع رئيس روسيا البيضاء ألكسندر لوكاشينكو. يمكن نتوقع أنه كان مدبر الانفجار يستعد لهذه الزيارة. من الناحية الواحدة كان في المدينة عدد كبير من الصحفيين والكاميرات لتغطية المفاوضات بين الرئيسين. وأن العمل الإرهابي في هذا الوقت بالذات قد يلفت أنظار الكثيرين. وأنه حقق غرضه من الناحية الإعلامية. ومن الناحية الأخرى كان رجال الخدمات الخاصة منشغلين في ضمان أمن الرئيسين. ومن الممكن إحضار كمية كبيرة من المواد المتفجرة إلى المترو في هذه الظروف الملائمة.
ثالثاً: قد تطرح روايات عديدة وإذا ألقينا النظر في تاريخ مثل هذه الجرائم في سانكت بطرسبورغ يمكن نرى المجرمين المحليين الخونة من الأنواع المختلفة من بينهم الوهابيون المتطرفون الذين اعتنقوا الإسلام أو المتعصبون القوميون الروس. بينهم الذين ولدوا في المدينة أو الذين قدموا المدينة من الولايات الروسية الأخرى. وهذا ليس مهماً الآن. ولكن هذا الاحتمال واقعي في الوقت الحاضر.
هناك الاحتمالات الأخرى أيضاً.
كما نرى أن حوادث العنف تعم أوكرانيا كلها. انتشرت المواد المتفجرة والأسلحة في أنحاء البلاد خارج إشراف السلطات ونشاهد ارتفاع مستوى العدوانية والجنونية. ولا شك في أنها قد تجتاز حدود البلاد لتنتشر في البلدان الأخرى. وأنها تنتقل إلى روسيا أو إلى أوروبا أيضاً. ب6 ساعات قبل الانفجار وضعت المواطنة الأوكرانية من كييف يكاترينا روبانوفا صورة في الإنستراغرام بنبأ عن وقوع الانفجار يوم الاثنين. وهذا يعني من الواجب الاهتمام بأثر أوكراني في الحادث. طبعاً هناك الإرهاب الإسلامي الدولي. وقد تكون هذه الرواية أساسية للحادث. هناك لندن وبرلين وبركسل وباريس... نرى ظواهرها الدموية في كل أنحاء أوروبا وأن بطرسورغ بكونها أكثر المدن الروسية ذات طابع أوروبي قد تقع في هذا الصف.
رابعاً ردود الفعل في المدينة. لم نشاهد أي ذعر في المدينة ولا في المترو. كان سكان بطرسبورغ يقدمون المساعدات الأولية للمصابين على قدر إمكانهم و معرفتهم. كانت وسائل النقل ومنها سيارات تاكسي كثيرة تعمل مجاناً عقب الانفجار. كان أهل المدينة ينقلون الأشخاص المعروفين لهم وغير المعروفين في سياراتهم الشخصية. امتدت طوابير المشاة على طول جادات المدينة وشوارعها. ولكن دون أي هستيريا. نعم، مؤلم جداً وغير مريح جداً ولكنا قادرون على التغلب على مثل هذه الحوادث. ونحس بالتضامن والدعم في كل شيء. عاشت المدينة الحصار في الحرب الماضية وهذا الصمود في دم سكان المدينة.
دميتري سولونيكوف
الأستاذ في العلوم السياسة في روسيا ومدير معهد تنمية الدولة الحديثة. حصرياً ليوميات الأأورأسيا.
الترجمة من الروسية: د.ذاكر قاسموف
