تاريخيا مثل حزب "العمل" الإسرائيلي، البديل لليمين الرافض لقبول الفلسطينيين، لكن تصريحات الزعيم الحالي للحزب آڤي غاباي، تنذر بإنهاء ما تبقى من اليسار الذي ينكمش بالفعل منذ أكثر من عقد من الزمن.
بشكل مفاجئ، وصل غاباي إلى رئاسة الحزب في يوليو / تموز الماضي منتصرا على الرئيس السابق للحزب يتسحاق هرتسوغ في الانتخابات الداخلية.
وسريعا، بدأ غاباي بإطلاق تصريحات تقربه أكثر من اليمين الإسرائيلي، ما أطاح بطموح قطاعات واسعة من بقايا اليسار الإسرائيلي بأن يشكل بديلا لليمين.
وفي صدمة لليسار ومفاجأة لليمين، أعلن زعيم حزب العمل أن أي تسوية سياسية مع الفلسطينيين لا يجب أن يرافقها تفكيك للمستوطنات الإسرائيلية المقامة على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، متبعا ذلك بتصريح مثير للجدل بأن "اليسار نسي معنى أن تكون يهوديا".
ولم يكتف غاباي بذلك، بل ذهب إلى رفض تشكيل أي ائتلاف حكومي يضم في عضويته القائمة العربية المشتركة، معتبرا إياها "معادية لإسرائيل".
** وجه آخر لـ "الليكود"
وفق أنطوان شلحت الخبير في الشؤون الإسرائيلية، فإن "غاباي حول حزب العمل إلى الوجه الآخر لحزب الليكود اليميني، بزعامة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو".
ومضى شلحت قائلا في حديث للأناضول: "من الواضح أنه يحاول تملق اليمين الإسرائيلي، لكن اليمين ليس بحاجة إلى من يتملقه، فلديه ممثلوه الكثر في الكنيست (البرلمان) والحكومة".
واستدرك: "ولكن تصريحات غاباي انعكست سلبا على من يعتبرون أنفسهم من بقايا اليسار الإسرائيلي، ولذا فقد نأوا بأنفسهم عنه وعن مواقفه".
واتفق شلحت مع من يرون أن تصريحات غاباي انعكست سلبا على مكانة حزب "العمل" في الشارع الإسرائيلي، وهو ما كشفت عنه نتائج استطلاع حديث للرأي أجري لمصلحة القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي.
فقد أظهر الاستطلاع الذي نشرت نتائجه مساء الأحد الماضي، أن تحالف "المعسكر الصهيوني" الذي يضم حزب "العمل" و"الحركة" برئاسة وزيرة الخارجية السابقة تسيبي ليفني، سيحصل على 17 مقعدا برلمانيا في حال أجريت الانتخابات اليوم، ليحل ثالثا بعد حزبي "الليكود"، و"هناك مستقبل" برئاسة وزير المالية السابق يائير لابيد، حيث يحصل كل منهما على 24 مقعدا.
وكان تحالف "المعسكر الصهيوني" حل ثانياً بعد حزب "الليكود" في انتخابات عام 2015، التي حصل فيها على 24 مقعدا من مقاعد الكنيست الـ 120.
وإن كان ثمة من يرى في مواقف غاباي نهاية لبقايا اليسار الإسرائيلي، فإن شلحت يرى أن "اليسار الإسرائيلي انتهى عمليا عام 2000، ولم يتبق منه إلى حد ما سوى حزب ميرتس".
واستطرد: "اليسار انتهى عمليا قبل عقد ونصف من الزمن، وتحديدا مع فشل قمة كامب ديفيد الفلسطينية ـ الإسرائيلية عام 2000، عندما عاد رئيس وزراء حزب العمل آنذاك إيهود باراك، ليعلن أنه لا يوجد شريك فلسطيني في عملية السلام، ليتماهى في موقفه مع أحزاب اليمين".
ومع فشل قمة كامب ديفيد، اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000، وأوعز باراك للجيش الإسرائيلي باستخدام الذخيرة الحية لإخماد "انتفاضة الأقصى".
ومنذ ذلك الحين بدأ حزب "العمل" يتراجع عن قبول حل يقترب من الحد الأدنى المقبول فلسطينيا.
وقال شلحت: "هم يقولون إنهم يؤيدون حل الدولتين، ولكن السؤال هو عن ماهية حل الدولتين".
وتابع: "فالبعض يقترح دولة فلسطينية على الأراضي التي تحكمها السلطة الفلسطينية الآن، دون حل للقدس واللاجئين، والبعض الآخر يتحدث عن حكم ذاتي موسع، وفي كل الأحوال فإن المطروح لا يقترب مما هو مطلوب فلسطينيا".
وتعكس تركيبة النواب في الكنيست حاليا الزيادة الملحوظة في شعبية اليمين الإسرائيلي، الذي تستبعد كل السيناريوهات إمكانية تشكيل حكومة دونه.
** بلا برنامج للسلام
بدورها، قالت حنان عشراوي عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، للأناضول، إن "غاباي يجنح بحزب العمل أكثر فأكثر نحو اليمين، بدلا من أن يشكل بديلا له".
وأضافت: "بدلا من أن يكون هو البديل لليمين الإسرائيلي، وأن يتحدث عن وقف الاستيطان، وضرورة إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة ومتواصلة جغرافيا، مثلما كان موقف حزب العمل قبل فترة من الزمن، فإن الحزب يتماشى مع اليمين".
وتابعت عشراوي: "لقد تخلى حزب العمل عن برنامج السلام الذي تحدث عنه قديما، قبل أن يقضي اليمين الإسرائيلي على معسكر السلام، وحتى من الناحية الكلامية فمن الصعب أن نعتبر أن حزب العمل يشكل معسكر سلام أو نقيضا لليمين الإسرائيلي".
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، القيادي في حزب "العمل" إسحاق رابين، بدأ أوائل تسعينيات القرن الماضي مسيرة السلام مع الفلسطينيين، بعد تاريخ طويل من قمعهم.
وفي الرابع من نوفمبر / تشرين الثاني 1995، تم اغتيال رابين من قبل المتطرف الإسرائيلي إيغال عامير، بإطلاق الرصاص عليه وسط تل أبيب.
** طريق رابين
وبحسب أيمن عودة رئيس القائمة المشتركة في الكنيست، فإن "رابين قتل لسببين: اعتماده على النواب العرب وخطواته الجريئة بالاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية، والمضي بعملية السلام على أساس إقامة دولة فلسطينية بجانب دولة إسرائيل".
وأضاف عودة في تصريح مكتوب وصلت الأناضول نسخة منه، أن "التيارين المركزيين اليوم في إسرائيل يتنكران لهذا الطريق، فاليمين هو النقيض الأيديولوجي، والمعسكر الصهيوني، خاصة في ظل قيادة آڤي غاباي، يتنكر كليا لهذا الطريق".
وتابع النائب العربي في الكنيست: "غاباي يصرح بأنه لا يوجد شريك فلسطيني، وبأنه لا يرى شيئا مشتركا مع القائمة المشتركة".
** من هو آڤي غاباي؟
وغاباي، المولود في مدينة القدس عام 1967، ينحدر من أسرة يهودية عاشت في المغرب وهاجرت إلى فلسطين.
بعد استكمال دراسته خدم في الجيش الإسرائيلي، حتى وصل إلى رتبة ملازم في الاستخبارات العسكرية.
وهو حاصل على شهادة بكالوريوس في الاقتصاد، وماجستير في إدارة الأعمال، وبدأ حياته العملية في وزارة المالية، قبل أن يتولى مناصب متعددة في شركة "بيزك" للاتصالات، بينها رئيس الشركة، ما مكنه على مدى 14 عاما من تكوين ثروة.
وأسس مع وزير المالية موشيه كاحلون، المنحدر من حزب "الليكود"، عام 2015، حزب "كلنا" المنضوي حاليا في الائتلاف الحكومي الإسرائيلي.
ومكنه ذلك من الانضمام إلى حكومة نتنياهو وزيرا للبيئة، قبل أن يغادر منصبه في مايو / أيار 2016، إثر تولي زعيم حزب "إسرائيل بيتنا" اليميني المتطرف أفيغدور ليبرمان حقيبة الدفاع.
وفي ديسمبر / كانون الأول 2016، أعلن غاباي انضمامه إلى حزب "العمل"، وبعد أقل من 4 أشهر أعلن مطلع مارس / آذار 2017، قراره التنافس على رئاسة الحزب، ليفوز به بالفعل في يوليو / تموز الماضي.