ميخائيل ماجد، الكاتب الصحفي والخبير في الشرق الأوسط، حصرياً ليوميات أورأسيا
لماذا تعتمد أرمينيا على روسيا؟
في أرمينيا نوعان من الموقف تجاه الاتحاد الروسي: والأحد سلبي جداً ويعبر عنه جميع المثقفين تقريباً إلى جانب الطبقات الأخرى. والثاني موقف الموالين لروسيا ويمثله جزء من الطبقة العاملة: مئات الآلاف من الأرمن باستمرار موجودون في روسيا لإطعام أسرهم.
يقول موظف في المتحف الشهير جدا في يريفان: "ليس هنا أي استقلال، كل هذا تزوير. أي استقلال، إذا ترابط القوات الروسية في البلد ورئيس الوزراء الحالي هو مسؤول سابق لشركة غازبروم، وبالتالي شخص موثوق به للكرملين". يقول أرمني آخري من الأصل الإيراني بابتسامة: "أي استقلال؟ إذا أكثر من نصف سكان أرمينيا يعملون في روسيا" ... وهذان الموقفان المثيران للاهتمام حيث الأول المعادي والثاني الموالية لروسيا.
وقعت الدولة الأرمينية في فخ مرتبط ارتباطاً مباشراً بتاريخ إنشائها. تم إنشاء هذه الدولة بفضل النزاع في قاراباغ. تعود أهمية الحرب في قاراباغ للأرمن إلى أن النصر فيها يضمن شرعية الدولة الأرمنية والوعي العام الوطني للأرمن. لا أحد، باستثناء بعض الناس الغرباء أمثال النساء الفوضويات يشك في المكاسب التي حققتت في قاراباغ وليس الأرمن على استعداد لمناقشة مسألة إعادة جزء من هذه الأراضي إلى أذربيجان. ولكن المواجهة مع أذربيجان (وتركيا التي تدعمها) تجعل الشعب الأرمني تابعاً للاتحاد الروسي.
لم تتمكن أرمينيا من منافسة أذربيجان في حيازة أسلحة حديثة حيث إجمالي ناتجها المحلي يقل ب3.5 أضعاف عما في أذربيجان. وأثبتت الحرب غير الناجحة لأرمينيا في نيسان/أبريل 2016 ("حرب الأيام الأربعة") أن الاستعداد الجيد أو الحافز العالي بما فيه الكفاية للجيش الأرمني لم يتمكن من أن يقاوم بشكل فعال الطائرات المسيرة وأنظمة الصواريخ الحديثة. ولذلك، إسرائيلية الصنع. فإن الوقت يعمل لصالح أذربيجان ببرنامجها لإعادة التسلح.
وهذا ما يفسر سبب التأثير المهيمن لموسكو على أرمينيا. ووقعت روسيا اتفاقاً مع أرمينيا بشأن تشكيل قوة مشتركة ومرابطة قواتها لتغطي كامل أراضي البلد باستثناء قاراباغ ويمكن هذا الاتفاق للجيش الأرميني بتركيز قواتها الرئيسية على اتجاه قاراباغ. ماذا تستفيد روسيا في المقابل؟
ويقول المحلل السياسي الأرمني غاغيك أبراميان: " لم يصدق مجتمعنا بعد على كل ما تقوم به روسيا للتأكيد على أنها تدعم أرمينيا. ينجم هذا، عن أسباب مختلفة فهي الاقتصادية والسياسية على حد سواء. وأصبح الجيش الروسي في السنوات الأخيرة أكبر مورد للأسلحة إلى أذربيجان، يقدر مبلغها ب5-6 مليارات دولارات. في حين لدينا نفس الأسلحة تباع لنا عن طريق تقديم الائتمان.هل هذا هو شراكة استراتيجية بين البلدين؟ تدعي روسيا على الدوام أنها تصدر الغاز بأدنى سعر لأرمينيا ولم ير المجتمع الأرمني هذا الغاز الرخيص إطلاقاً. تبيع روسيا هذا الغاز الأرخص للشركةالخاصة لها - "غازبروم أرمينيا" التي توزعها للمستهلكين بسعريزيد ب3 أضعاف عن التكلفة. لا تفوت روسيا فرصة لتذكير لنا عدد العاملين المهاجرين الأرمن في روسيا. في الواقع، انهم يعملون في المجالات التي لم يعمل فيها الروس ويحصلون على الرواتب اقل مما للسكان الأصليين. بالإضافة إلى ذلك، كل المال الذي يأتي من روسيا إلى أرمينيا فيما بعد يعود إلى روسيا في شكل مدفوعات للغاز والطاقة والاتصالات وغيرها من الخدمات. للشركات الروسية احتكار تام في هذه المجالات ".
يريفان – موسكو - باكو
تلعب موسكو دوراً هاماً في هذا المثلث . ولا يمكن وجود لأرمينيا دون التحالف العسكري مع الاتحاد الروسي وبالتالي فإن النفوذ الروسي يهيمن على هذا البلد؛ تم تشكيل مجموعة مشتركة من القوات لحمايته. وفي الوقت نفسه، أصبحت أذربيجان الغنية جداً من أهم المشترين للأسلحة الروسية التي يستفيد منها المجمع العسكري الصناعي الروسي.
وتسعى أذربيجان إلى فرض سباق التسلح المدمر على اقتصاد أرمينيا. وبالإضافة إلى ذلك، ربما يرغب السياسيون في باكو في التقارب من موسكو لعزل أرمينيا دبلوماسياً. وهذا أمر غير محتمل في المستقبل المنظور، حيث أنه من المفيد للاتحاد الروسي أن يبقي على التوازن الحالي الذي يتمكن من خلاله أن يؤثر على كلا البلدين الواقعين في حالة الصراع العميق وكسب الأموال عن طريق بيع الأسلحة لهما. ومع ذلك، هناك مشكلة. وهو مرتبط بالوضع الداخلي لأرمينيا.
تأثير الوضع الاقتصادي والسياسي غير المستقر في أرمينيا على العلاقات مع روسيا
وعلاوة على ذلك، تضايق تبعية لروسيا المزيد من الناس والمعارضة في أرمينيا. ومما يزيد فقر السكان والبطالة من تفاقم الوضع. في كل شيء سيئ يقع في البلد، لم يتهم الرئيس سيرج ساركسيان وحده، وبل نظامه الفاسد، وكذلك روسيا أيضا. لأن النظام السياسي والاقتصاد الحالي في أرمينيا يعتمد اعتماداً كبيراً على روسيا. وكذلك، رئيس وزراء أرمينيا كارين كارابيتيان هو أحد من كبار المسئولين السابقين لشركة "غازبروم" وهذا يعني أنه هو الوصي على الكرملين. اتضح أن المشاعر المناهضة للحكومة والمضادة للروس مرتبطة مع البعض، وعلى الأق لفي الوقت الراهن، وانها اندمجت في الكل.
ومن الأرجح أن نظام ساركسيان غير قادر على إخراج البلاد من الوضع الاقتصادي المعقد وعلى ضمان النمو النوعي السريع. يجعل ارتفاع مستوى الفساد مستحيلاً للتدفق الكبير للاستثمارات والتكنولوجيا الأجنبية. حتى الجالية الأرمنية الغنية جداً في الخارج غيرمستعدة لتحمل مهمة التنمية، لأنه في ظل ظروف هيمنة القياديين من القوات المسلحة والأمنيين من عشيرة قاراباغ لن يتمكن الأحد من أن يضمن سلامة ودائعها. تحفز المشاكل الاقتصادية عدم الاستقرار السياسي، وتثير التهيج الموجه على روسا في الظروف الحالية.
وهكذا، فإن التصريحات المناهضة للروس في أرمينيا ليست بصدفة أو بنتيجة لنزاع محدد، بل هي صورة تتجلى فيها مشاعر المعارضة.
زيادة المشاعر المعادية للروس
في صيف عام 2017، أكد 50.67% من السكان لعلماء العلم الاجتماعي أنه للانضمام إلى الاتحاد الاقتصادي الأوراسيوي أثر سلبي على البلاد. و34.33% فقط رأى في روسيا حليفة لأرمينيا. كما يعتقد 40% أن العلاقات مع روسيا تعرقل إقامة العلاقات بين أرمينيا والاتحاد الأوروبي وأعرب 56% من المشاركين في الاستفتاء عن ثقتهم في التأثير السلبي للاتحاد الروسي على عملية التسوية في قاراباغ.
يلعب حزب المعارضة إيلك (الخروج) بمهارة الخريطة الموالية لأوروبا والمعادية للروس. حصل الحزب على الأصوات، بعد أن اقترح إجراء المحادثات لإبرام الاتفاق حول ترابط أرمينيا مع الاتحاد الأوروبي وفي النهاية اضطر سركسيان إلى القيام بهذا حيث وقعت أرمينيا، العضو في الاتحاد الاقتصادي الأوراسيوي على "اتفاقية الشراكة الشاملة والموسعة" مع الاتحاد الأوروبي في 24 تشرين الثاني / نوفمبر. على الأرجح، اتخذ الرئيس الأرمني هذه الخطوة نتيجة الضغوط من الجمهور والمعارضة.
كما كانت هناك الرغبة في تعزيز الشراكة الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي. أولاً، قيادة أرمينيا تعتقد أنه سيكون من الأسهل التفاوض على سداد الديون الكبيرة إلى دول أوروبية. وثانياً، بسبب الأزمة الاقتصادية في روسيا انخفض تدفق الاستثمارات الروسية في أرمينيا خلال السنوات الثلاث الماضية، وازداد اهتمام المستثمرين الأوروبيين بأرمينيا. وأخيراً، في المركز الثالث، ويعود أكثر من ربع إجمالي الصادرات الأرمنية إلى دول الاتحاد الأوروبي، وبالتالي تسعى القيادة الأرمنية لتوطيدالعلاقات معها. ومهما كان الأمر، فإن الرئيس ساركسيان يضطر إلى زيادة الاهتام بالتنمية الاقتصادية في إطار إمكانياته المتواضعة. ومن الناحية الاقتصادية، فإن الاتحاد الروسي يضعف بسبب الأزمة الهيكلية الداخلية والعقوبات التي لا يمكن ألا تؤثر على أرمينيا أيضاً.
لم تثر كل هذه التطورات إعجاب روسيا. انتشرت الموجة من الانتقادات لأرمينيا في وسائل الإعلام الروسية. وقد اتهمت أرمينيا بتمجيد "الفاشيين" (مثل السياسي الأرمني والقائد العسكري غارغيين نيزده الذي أقيم النصب التذكاري له في يريفان في 28 مايو 2016) والاتهامات الأخرى أكثر من ذلك بكثير. وكان رد الفعل للرأي العام الأرمني (ولا يمكن إلا أن يرد) شديداً جداً.
على الأرجح، لم تسعى موسكو للإساءة إلى الأرمن، ولكنها "بعثت الإشارات" فقط إلى يريفان بأن روسيا لا ترحب بالصداقة مع أوروبا. ويبدو أن الكرملين كان قادراً على إجبار سيرج ساركسيان على رفض التوقيع على الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي، كما فعل في عام 2013. وبالتالي فإن أشكال الضغط بالمعايير الروسية لا تزال خفيفة جدا. ولكن على أي حال، فإن ردود الفعل لم تستغرق طويلاً. وقد نظمت مظاهرات مناهضة للروس في أرمينيا ولا شك في زيادة المشاعر المعادية لروسيا في هذا البلد.
ما بعد؟
وأعتقد أن القيادة الأرمينية تعتمد على حقيقة أن هذه الفضيحة ستستقر بطريقة أو بأخرى. وفي النهاية، سيواصل الرئيس والحزب الجمهوري الحاكم السيطرة على البلاد. ولم تهتم موسكو بتغيير حاد في التوازن في مثلث يريفان – موسكو- باكو. ، من المرجح أن تتضح صححة هذه الحسابات على المدى المتوسط.
ولكن على المدى الطويل كل شيء يبدو مقلقاً. لن تختفي المشاعرالمناهضة للروس والمناهضة للحكومة في أي مكان. إذا حكمنا على كيفية تطور الأحداث، فإنها ستزداد سوءاً فقط. ومن المشكوك فيه أن يتمكن الرئيس ساركسيان في المستقبل من تجاهلها.
وإلى جانب ذلك... نعم، حتى سيرج ومحيطه، ناهيك عن المعارضة، وأنها لا يمكن ألا يفهم أن الاقتصاد الروسي في حالة خطيرة وأنها تتفاقم بسبب العقوبات أن روسيا لم تملك التكنولوجيا الحديثة، بما فيها العسكرية، أن مستقبل روسيا كقوة عسكرية غامضة، وبالتالي هذا الحليف ليس موثوقاً به جداً. إن الداعم الجيوالسياسي الرئيسي لأرمينيا أي روسيا تزداد ضعفاً.
ويخشى الكثيرون في أرمينيا من زعزعة الأوضاع الداخلية بسبب الحرب مع أذربيجان. ولكن يبدو أن المجتمع الأرمني أصبح نشطاً و"حاراً" جداً. حتى تتواصل الحالة الراهنة إلى أجل غير مسمى. عاجلا أو آجلا سيتغير الوضع في البلاد جودةً ولن تنسى الأزمة الراهنة في العلاقات مع موسكو.
والمشكلة الوحيدة هي أنه، مهما تطورت علاقات أرمينيا مع الاتحاد الأوروبي، فإنه لن يدافع عن أرمينيا. ويتضح ذلك من تطور الأحداث في أوكرانيا. ولذلك، فإن الأزمة الداخلية والتغيير المحتمل للنظام في أرمينيا في المستقبل يمكن أن يؤدي إلى أزمة خارجية - حرب مع أذربيجان. ويمكن أن يحدث هذا في حالة حرمان أرمينيا من رعاية روسيا. ومن الممكن إقامة شراكة مع أوروبا، ولكن من سيحمي أرمينيا في حالة نشوب نزاع مسلح؟
قد يكون الرد غير متوقع
من المحتمل أن الحكومة في يريفان ترغب في الحفاظ على تحالف مع روسيا، على الرغم من أنها لا ترفض تعزيز العلاقات مع الدول الأوروبية، في حين أن الناس يتطلعون بشكل متزايد نحو أوروبا. ولكن إذا تغير النظام وأعيد توجيهه إلى الاتحاد الأوروبي، فقد ترفض موسكو حماية أرمينيا، ولن توفر الدول الأوروبية الحماية المطلوبة لأنها لم تحمي أي دولة أخرى على الإطلاق إلا أنفسها. وفي ذلك الوقت تستطيع إيران التي يتزايد نفوذها في أرمينيا تدريجيا أن تقول كلمتها. ولكن هذا هو بالفعل موضوع لمناقشة منفصلة.