كيم .. الذي ركع!

تحليلات 03:00 17.06.2018
 خلاصة ما تابعته في سنغافورة طوال الثلاثاء الماضي أن الرئيس الأمريكي ترامب بدا منتصراً، بل منتشيا بالانتصار الذي حققه على غريمه السابق رئيس كوريا الشمالية كيم جونج أون الذي صار عنده - بعد القمة التي عُقدت بينهما في هذا اليوم - صديقاً، ورجلاً رائعاً، وشجاعاً واستثنائياً!

كما بدا لي كيم مهزوماً، مهما حاول أن يكون قوياً ثابتاً نداً لند لرئيس القوة العظمى الوحيدة، ففي النهاية تم تركيعه، أمريكا أجبرته على التسليم والتوقيع على وثيقة نزع سلاحه النووي، وهي وثيقة استسلام عن مصدر قوته الوحيد في شبه الجزيرة الكورية، وشرق آسيا، ومصدر التحدي الوحيد له، ليس لأمريكا فقط، بل لقوتين اقتصاديتين وديمقراطيتين كبيرتين في المنطقة هما: كوريا الجنوبية واليابان.

نزع المخالب

خضع كيم وركع بعد تصريحات سابقة له يهدد فيها بأن كل أراضي أمريكا باتت تحت رحمة صواريخه البالستية طويلة المدى، وأنه قادر على ضرب جزيرة غوام الأمريكية في المحيط الهادي، أين ذهبت تلك التصريحات القوية اليوم؟، وماذا سيقول لشعبه؟، وكيف هي صورته في أذهان الشعب البائس بعد أن يتم نزع أنيابه ومخالبه النووية والبالستية واحداً بعد الآخر، وبتعهد وقعه أمام العالم، والتنصل أو محاولة التهرب أو الالتفاف على التعهدات ستكون عواقبه مكلفة له ولنظامه وبلده؟، فهو من طلب عقد القمة، وهو عاد وكرر المطلب بعد أن ألغاها ترامب على خلفية تصعيد سياسي كوري مفاجئ لم يعكس وقتها الأجواء الودية ولا الرغبة في إنهاء أزمة الملف النووي.

ضمن أسباب ركوع كيم بعد محاولة تحدي أمريكا والجيران والمجتمع الدولي شدة وطأة العقوبات التي تُضاعف الضغوط الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية لكوريا والكوريين حتى لو كانوا مستسلمين للنظام الديكتاتوري القاسي، ولا شيء في أيديهم يفعلونه، وحزمة العقوبات الأممية الأخيرة، وبموافقة روسيا والصين الحليف الوثيق لـ كيم، كانت قاصمة، والنظام الأبوي الوراثي، ربما شعر مع حدة العقوبات، والاستهداف الأمريكي، أنه سيكون في وارد الانهيار، والأمريكان بعثوا برسالة تهديد قبل القمة بأن مصير النظام قد يكون مثل مصير نظام القذافي، والصين لا تريد قوة نووية مجاورة لها، ولو كانت هي تابعتها المخلصة كوريا الشمالية، والجارة الجنوبية واليابان ليسا بلدين عاديين، فسباق تسلح في المنطقة قد يدفعها إلى أن تكون جهنم حمراء، والماضي الاستعماري، وغزو اليابان الواسع  لمعظم بلدان المنطقة، وقوتها الشرسة قبل استسلامها في الحرب العالمية الثانية وتقليم قدرتها العسكرية، هي نذر خطر عاصف لو أعادت تسليح نفسها، أو سُمح لها بذلك، ويابان مثل هذه لن تكون في مصلحة الصين أو آسيا والعالم.

مقومات المواجهة

أمريكا تنتصر، فهي عندما هددت الرجل القصير الصاروخ المهووس - كما وصفه ترامب - بمسح بلاده من على وجه الأرض إذا فكر في المساس بأمنها، أو بجزيرتها، فإنها تقول ذلك من مصدر قوة، فهي تمتلك كل مقومات المواجهة والتحدي، وهي في سنغافورة لم تقدم تنازلات، ولم تكن القمة تناقش التخلي عن سلاح مقابل سلاح، أو برنامج مقابل برنامج، لم يكن الأمر كما لو كانت أمريكا مقابل الاتحاد السوفيتي السابق، ولا حتى مقابل الاتحاد الروسي، أو الصين، رغم أنها دول قوية وقادرة على مناكفة أمريكا، لكن في حدود معينة.

تبقى أمريكا هي القوة العظمى، وهي سيدة هذا العالم، وصاحبة الكلمة العليا فيه، والقرن الواحد والعشرين لا يزال أمريكياً، فلا قمة مثل التي شهدتها سنغافورة كانت ستحظى بهذا الترقب والاهتمام العالمي الواسع ما لم يكن طرفها الأساسي الرئيس الأمريكي، ولا لقاء يحظى بتركيز سياسي وإعلامي واسع إلا إذا كان أحد طرفيه رئيس أمريكا، ولا تصريح رسمي قادر على إرباك عاصمة هنا أو هناك إلا تصريح ينطق به الرئيس الأمريكي، بغض النظر عن اسم هذا الرئيس.

والقيمة الأساسية لأمريكا أنها دولة مؤسسات حقيقية وقوية وفعالة، ودولة صناعة قرار ديمقراطي، ودولة حريات، ورئيسها يستمد قوته من ذلك ومن مواردها البشرية الهائلة، ومن دورها في صناعة الحضارة العالمية، ومن مصادر قوتها المالية والاقتصادية والعسكرية المتنوعة الهائلة، ومن قواها الناعمة التي لا مثيل لها في بلدان كبرى في العالم، ولهذا لا يهم إن كان الرئيس اسمه دونالد ترمب، ومشكوكاً في كفاءته السياسية والمهنية، وفي قدراته على حكم وإدارة الدولة العظمى، أو مشكوكاً في سلوكه الشخصي والأخلاقي، ولو كانت ممثلة إباحية تطارده وتفضحه على الملأ، فكل هذا في جانب حتى لو كان يمس صورته ولياقته الرئاسية، لكن في الجانب الآخر الأهم أنه الرئيس المنتخب للولايات المتحدة الأمريكية، والقائد الأعلى للمؤسسة العسكرية للقوة العظمى الوحيدة، والذي تحت يديه زر كل أسلحة الدمار الشامل التي تحوزها بلاده، وهي كفيلة بتدمير العالم مرات عدة .

التشكيك في الأهلية

مع ذلك فإن ترامب مثار السخرية والفضائح الواسعة والتشكيك في أهليته للحكم يحقق نتائج لم يحققها سابقون عليه، فقد جلب كوريا الشمالية لطاولة التوقيع على نزع سلاحها النووي والباليستي، ويعيد إيران إلى دائرة القلق والتوتر والعقوبات والعزلة، ويحلب ضرع الخليج كما يشاء ليملأ خزائن بلاده بالمال، ويوفر ملايين الوظائف لمواطنيه، ولا يعفي حلفائه الأوربيين والآسيويين من الدفع مقابل الحماية، ويفرض رسوماً تجارية وعقوبات اقتصادية، ويعيد ضبط الميزان التجاري مع مختلف دول العالم، ويوجه التجارة الدولية لصالح أمريكا والشركات الأمريكية، وافتقاده للدبلوماسية واستعراضه لعناصر القوة بـ "غشم"، ولغته الفجة غير السياسية تجعل دولاً كثيرةً كبيرةً وصغيرةً تتحسب له وتتجنب الصدام معه، بل وتخضع لما يريده.

لا يكفي أن تنتهج دولة ما طريق المقاومة، المقاومة فكرة وممارسة ضرورية لحماية السيادة والكرامة والاستقلال الوطني عندما تكون هذه القيم مهددة، ومهما كانت القوة العاتية التي يواجهها البلد الذي فُرضت عليه المقاومة، والمقاوم قد لا يستطيع هزيمة من ينازله، أو الصمود طويلاً أمامه، مثل حالة كوريا الشمالية مع أمريكا اليوم، لكن قبل الشروع في تبني المقاومة فإنها بحاجة للقوة التي تدعمها، قوة فعالة ومستديمة، القوة المادية بجانب قوة الحق والعدل والشرعية، والمقاومة بحاجة إلى العقل الذكي الماكر الداهية الذي يعرف أين يضع أقدامه؟، وكيف يحركها؟، ومتى يكون ذلك؟، وما لم تكن المقاومة مدروسة ومعقولة ومنطقية فإنها تكون انتحاراً أو اندحاراً كما حصل مع كيم الذي ركع، فقد أنفق ثروات بلاده المحدودة أصلاً على برامج تسلح نووي وبالستي، وبناء قوة عسكرية ضخمة، ثم في لحظة يعلن نزعها وتفكيكها بطريقة استسلامية كمن هُزم في معركة، وكأن شيئاً لم يكن.

طريق كوريا الجنوبية

والآن، ماذا لو كان كيم ووالده وجده قد انتهجوا من البداية نفس طريق نصفه الآخر كوريا الجنوبية في البناء، وتنمية الاقتصاد، ورفاهية الإنسان وحريته بدل القمع والديكتاتورية الوحشية؟ ومن يملك اليوم محاسبة الطاغية الذي يوقع على نزع السلاح وتدميره بعد هدر مليارات الدولارات عليه على حساب حرمان مواطنيه من أبسط حقوقهم في الحياة؟ وأين مشهده وهو يوقع في الجزيرة السنغافورية، وهو مصمت الوجه، من مشهده عندما كانت ضحكته تجلجل ووجهه يتفجر سعادة في أيام قريبة سابقة وهو يراقب بمنظاره انطلاق صاروخ، أو تفجير نووي، ويزف لشعبه تحقيق إنجاز عسكري جديد في بناء كوريا الشمالية العظمى؟

إنه حكم الفراعنة أنصاف الآلهة الذين يسومون شعوبهم سوء العذاب، ومن أسف أن يساعدهم على ذلك العالم الحر الذي لا تعنيه غير مصالحه من وراء دعم الطغاة، أو التفاوض معهم، هذا العالم الذي لا يعبأ بحقوق الشعوب المنتهكة، فالرئيس ترامب تهرب في مؤتمره الصحفي الذي أداره بنفسه في سنغافورة من الإجابة الواضحة عن كل الأسئلة المتعلقة بحقوق الإنسان في كوريا الشمالية، كانت سعادته فقط بالنصر الذي حققه في نزع سلاحها!

 
عن الكاتب
طه خليفة
كاتب وصحفي مصري، وعضو نقابة الصحفيين المصريين، وكاتب بالعديد من الصحف والمواقع الإلكترونية، وشغل موقع مدير تحرير جريدة "الأحرار" المصرية.
 
 
خبير سياسي: يمكن لأذربيجان أن تلعب دور الوسيط بين تركيا وإسرائيل

أحدث الأخبار

سويسرا ترصد 11 مليون دولار للأونروا في غزة
16:00 09.05.2024
روسيا تكشف تفاصيل مشروع قاعدة القمر النووية مع الصين
15:00 09.05.2024
حماس ترحب باعتراف جزر البهاما بدولة فلسطين
14:00 09.05.2024
باكستان تعلن حالة الطوارئ لإلحاق 26 مليون طفل بالتعليم الرسمي
13:00 09.05.2024
أمريكا تلغي تراخيص توريد رقائق الجيل الرابع إلى هواوي الصينية
12:00 09.05.2024
الديمقراطيّ الكردستاني زيارة بارزاني لطهران انعطافة مهمّة في العلاقات الثنائية
11:00 09.05.2024
الجزائر تنتقد شروط فرنسا لاستعادة أرشيف الاستعمار
10:00 09.05.2024
الكويت وتركيا تؤكدان حماية المدنيين في غزّة
09:00 09.05.2024
الملح المدعّم بحمض الفوليك يحمي من التشوهات الخلقية
الملح المدعّم بحمض الفوليك يحمي من التشوهات الخلقية
18:00 08.05.2024
خبير سياسي: يمكن لأذربيجان أن تلعب دور الوسيط بين تركيا وإسرائيل
17:03 08.05.2024
شرطة وارسو تعتقل روسياً فر إلى بولندا
16:00 08.05.2024
الخارجية» الروسية: لا نرى حتى الآن آفاقاً للتسوية في غزة
15:00 08.05.2024
خبير سياسي: قمة المناخ تحمل أهمية كبيرة للسلام الإقليمي
14:00 08.05.2024
خفايا زيارة باشنيان إلي روسيا
13:00 08.05.2024
مؤتمر صحفي للرئيس الأذربيجاني ونظيره البلغاري
12:30 08.05.2024
بدأ الاجتماع الموسع بين علييف ورئيس بلغاريا
12:15 08.05.2024
علييف يجتمع مع رئيس بلغاريا
12:00 08.05.2024
ميرزايف عن ذكري احتلال شوشا : لم أكن أتصور أن يتم احتلال شوشا بهذه الطريقة
11:00 08.05.2024
أسعار النفط تتراجع مع زيادة المخزونات الأمريكية
10:30 08.05.2024
السفيرة أذربيجانية في بريطانيا : أذربيجان وأرمينيا تسيران نحو السلام الدائم
10:15 08.05.2024
ما هي تداعيات اجتياح رفح علي المنطقة؟
10:00 08.05.2024
تيك توك ترفع دعوى لوقف بيع التطبيق أو حظره في أمريكا
09:15 08.05.2024
أنباء عن تولي شركة أمريكية إدارة معبر رفح بعد الحرب
09:00 08.05.2024
الشرطة الهولندية تفض احتجاجاً مؤيداً للفلسطينيين في جامعة أمستردام
17:00 07.05.2024
الرئيس البلغاري يصل اذربيجان في زيارة رسمية
16:30 07.05.2024
تراب رضاييف: دعوة أذربيجان يمكن أن تكون فرصة ذهبية لإحلال السلام في المنطقة
16:00 07.05.2024
علييف يجتمع مع رئيس وزراء سلوفاكيا
13:45 07.05.2024
علي أحمدوف : ثلث دول العالم تعاني من مشكلة الالغام
علي أحمدوف : ثلث دول العالم تعاني من مشكلة الالغام
13:30 07.05.2024
الولايات المتحدة ... اعتقال 2500 خلال المظاهرات المؤيدة لفلسطين
13:15 07.05.2024
قطر: حديقة القرآن تحصل على الاعتماد الدولي في صون الموارد النباتية
13:00 07.05.2024
شي يحث ماكرون على مساعدة الصين في تجنب حرب باردة جديدة
12:45 07.05.2024
حماس توافق على مقترح مصري- قطري لوقف النار
12:30 07.05.2024
مصر ترفع مستوى التأهب في شمال سيناء
12:15 07.05.2024
شولتس يعلن الاتفاق على استخدام عائدات الأموال الروسية المجمدة لشراء أسلحة لأوكرانيا
12:00 07.05.2024
روسيا: سنتعامل مع مقاتلات إف- 16 في أوكرانيا على أنها تحمل أسلحة نووية
11:45 07.05.2024
حماس تحذر إخلاء رفح تطور خطير وسيكون له تداعيات
11:30 07.05.2024
حرب غزة تلقي بظلالها على العلاقات بين إيران وسوريا
11:15 07.05.2024
جهود مصرية لاحتواء التصعيد بين حماس وإسرائيل
11:00 07.05.2024
تركيا.. ضبط 3 آلاف و380 قطعة أثرية في إزمير
10:45 07.05.2024
أردوغان يرحب بإعلان حماس قبولها وقف إطلاق النار
10:30 07.05.2024
جميع الأخبار