كان من الواضح دون أدنى شك أن الاتحاد الأوروبي ما زال عبداً إلى الولايات المتحدة ولا يمكن أن يعصيه، ربما باستثناء ألمانيا، التي تصر على أن تكون دولة مستقلة وذات سيادة من خلال مواصلة التعامل مع روسيا فيما يتعلق بمشروع السيل الشمالى للغاز المسال عبر بحر البلطيق.
كما تعتبر ألمانيا سيدة أوروبا لأنها أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي، والرابع في جميع أنحاء العالم، وهي السوق التي تهضم المزيد من المهاجرين وتعتبر سوقا مرنة جدا في نفس الوقت، وبالتالي دافعي الضرائب في ألمانيا هم الذين يحمون حقا الاتحاد الأوروبي من الانهيار، حيث يرغب ترامب في تدميره.
لذلك نعتبر أن الحرب التجارية بين الغرب والغرب الحقيقية بين ألمانيا والولايات المتحدة، لا دولة أخرى، بعد تصريحات ماكرون، الرئيس الفرنسي، ضد روسيا في قمة الناتو السنوية قبل يوم واحد في بروكسل بحضور ترامب، على الرغم من تصريحاته المتاناقضة لصالح روسيا طوال الشهر الماضي!
ذكر ترامب أن أعضاء الناتو 29 سيزيدون من تمويله البالغ 34 مليار دولار أمريكي بزيادة 2٪ من إنفاق الاتحاد الأوروبي العسكري في الميزانيات، ولكن من أين يمكن الحصول على هذه المبالغ، عندما يعتمد ما لا يقل عن 20 من أعضاء حلف الناتو على ألمانيا؟ !! من الصعب عمليًا تحقيق ذلك وفقًا لاحتجاجات العمال اليومية في الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، لأنه يعني المزيد من تخفيض الأجور بشكل مباشر.
إذا أجرينا تحليلاً سريعاً للمؤتمر الصحفي الذي عقد قبل قليل في بريطانيا بين ترامب وتيريزا ماي رئيسة وزراء بريطانيا، فيمكننا أن ننتهي مما يلي:
لم تستطع تيريزا ماي إيقاف ترامب في أي وقت خلال المؤتمر الصحفي على الرغم من كونها المضيفة، كما أنها لم تستطع إلقاء اللوم عليه لانتقادها فيما يتعلق بمسألة فشلها خلال محادثات عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والتي ذكرها فى وسائل الإعلام البريطانية أمس، مما يعني أن بريطانيا لا تزال تحت السيطرة الكاملة للبيت الأبيض.
وكان الرد الجيد الوحيد الذي قدمته تيريزا ماي فيما يتعلق بمسألة المهاجرين ومقدار القيمة المضافة لبريطانيا من خلالهم، على أية حال أظهر ترامب الغبي في هذه القضية هو عنصري ضد المهاجرين، على الرغم من أن المهاجرين هم من دعموا وساعدوا اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا عندما قتل رجالهم في الحروب. ليس هذا فحسب، بل إن معظم الشركات متعددة الجنسيات التي تسيطر على الاقتصاد العالمي استخدمت المهاجرين أكثر من المواطنين في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية وفي ظروف العمل الشاقة بسبب انتهاكات قانون العمل الدولي لتحقيق أرباح ومكاسب غير عادية، والآن المهاجرون شياطين من رأي ترامب وبعض القادة الأوروبيين!
فيما يتعلق باجتماع هلسنكي مع القيصر بوتين، يبدو أن ترامب سيغري بوتين بتصدير المزيد من الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا بشرط أن يتقلص علاقاته وشراكته الاستراتيجية القوية مع الصين وإيران، وإلا ما زال يعتقد أن العقوبات والحظر هو الأداة الصحيحة لمعاقبة روسيا، على الرغم من أنها غير مجدية حتى الآن وفقا لانتصار روسيا الكبير فيما يتعلق بتنظيم كأس العالم لكرة القدم غير مسبوقة مونديال روسيا 2018، وهذا وفقا لتصريحات رئيس الإتحاد الدولى لكرة القدم “الفيفا” قبل ساعات قليلة، لكن على أي حال، هذه هي الصفقة المتوقعة، وإذا بقي ترامب في هذا الطريق، فسيكون هو الخاسر عاجلاً أم آجلاً.
ولكن هل سيلتزم الأوروبيون أو الاتحاد الأوروبي بسياسات غير رابحة غير ناضجة تقود الاتحاد الأوروبي إلى انهيار عاجل؟ أو سيكون للاتحاد الأوروبي اتجاهات أكبر لإقامة شراكة أكبر مع الصين، حيث أن الحاجة إلى السيولة الصينية ممثلة في قطاع السياحة ومشاريع الشراكة المشتركة بشكل عاجل أكثر من ذي قبل؟
مع الأخذ في الاعتبار أن الصين لا تزال تمتلك أوراق اللعب الأقوى التي قد تقلب الطاولة على الولايات المتحدة بما في ذلك قضية الأسلحة النووية مع كل من إيران وكوريا الشمالية، وتخفيض قيمة اليوان التي ستؤدي إلى إنهاء قوة الدولار الأمريكي، وفرض تعريفة مماثلة على واردات الولايات المتحدة الأمريكية إلى الصين، توقف القوى العاملة الأمريكية عن دخول الصين التي بلغت مليون على الأقل، ووقف الاستثمارات الأمريكية في الصين واستبدالها بالآخرين، حيث أن معدل دوران الأعمال هو الأعلى في الأراضى الصينية، وإحلال الواردات الأمريكية بأخرى من روسيا وتركيا وإيران والاتحاد الأوروبي وكندا وأمريكا اللاتينية.
نعتقد أن قمة البريكس العاشرة التي ستعقد في الفترة من 25 إلى 27 في جوهانسبرغ جنوب إفريقيا هذا الشهر بعد قمة هلسنكي الروسية الأمريكية ستشهد اتخاذ قرارات أكبر وستكون معلماً هاماً نحو بناء تضامن أقوى وتعاون بين الأسواق الناشئة، حيث ستضع القمة حكومات بريكس كركيزة موثوقة فى النظام العالمي، وستناقش التركيز على التعاون داخل دول البريكس وتصحيح الاختلالات التجارية الداخلية.
أحمد مصطفى: رئيس معهد آسيا للدراسات والترجمة
وعضو المجلس الإفریقى لدراسات بحوث التنمیة (كودسريا) – ومبادرة رؤية استراتيجية – روسيا والعالم الإسلامى