بعد الإطاحة بالزعيم الليبي السابق معمر القذافي، لا يمكن تحقيق الاستقرار في ليبيا، وعقب انتخابات عام 2014، تم تشكيل حكومتين في البلاد: الجمعية البرلمانية التي مقرها طبرق (خليفة حفتر) والمؤتمر الوطني في طرابلس (حكومة فايز السراج)
فشل الخطة التركية في ليبيا
بعد الإطاحة بالقذافي، تغيرت سياسة تركيا تجاه ليبيا تماماً. بالنسبة لتركيا ، كانت " ليبيا الحليفة " دائماً ورقة جيوسياسية مهمة جداً لديها. لأنه جزء مهم جداً من قوة تركيا في البحر الأبيض المتوسط وإمكانية الحصول على مصادر طاقة رخيصة. لذا، وبعد الإطاحة بالقذافي، حاولت تركيا تمكين زعيم أو مجموعة من القادة الليبيين الموالين لها من الوصول إلى السلطة. كان وقف إطلاق النار والهدوء النسبي الذي تم إقراره في ليبيا عام 2017 عاملاً هاماً لمكانة تركيا السياسية في هذا البلد. كان هدف تركيا هو لعب دور الوسيط والمصالحة بين المجموعات المتتقاتلة في البلاد. ولكن إدى تطور الأحداث إلى تحول تركيا من الفاعل المدير للعمليات السياسية فجأة إلى لاعب شارك مباشر فيها ويعتبر هذا فشلاً سياسياً لتركيا.
الأطراف المتنافسة على ليبيا
لم يدم الاستقرار النسبي المؤمن في ليبيا طويلاً. هاجم الجيش الوطني الليبي المرابط في طبق بفضل الأسلحة والدعم المالي من مصر والسعودية والإمارات العربية المتحدة على المناطق التي كان المؤتمر الوطني يسيطر عليها. أعلن الجنرال خليفة حفتر الذي كان يقود الجيش، أن هدفه هو الاستلاء إلى العاصمة طرابلس وأنه يحاول إعادة توحيد ليبيا بأكملها. وهكذا، تبينت الأطراف المشاركة في الحرب الأهلية في ليبيا: دعمت تركيا وقطرحكومة المؤتمر الوطني مقره في طرابلس والجماعات الإسلامية الخاضعة لسيطرتها. واجهها جيش خليفة حفتر المدعوم من مصر والسعودية والإمارات العربية المتحدة. النقطة الأكثر إثارة للدهشة هنا هي أن تركيا واجهت هنا حليفتها السابقة وهي المملكة العربية السعودية. ولكن لا ينبغي أن ننسى أنه بعد الربيع العربي، بدأ السباق من أجل الهيمنة على العالم الإسلامي بين تركيا والمملكة العربية السعودية وإيران. وهذا يعني أنهما لم تكونا حليفين، بل خصيمين .
في هذا الأثناء، تحولت هذه البلدان إلى لاعبين رئيسيين في ليبيا. تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وإيطاليا من الدول التي تمارس ألعاباً سياسية في ليبيا والتي غيّرت ميزان القوى في تلك المنافسة بشكل متكرر. اختارت فرنسا أن تدافع عن قوة قادرة على توحيد ليبيا في الصراع الذي لا هوادة فيه ولا تريد أن تنجح حكومة فايز السراج في طرابلس، حتى لم تكن لدى القوات الإسلامية ورقة جيواستراتيجية مثل ليبيا. لهذا السبب تدعم فرنسا المشير حفتر. ولكن إيطاليا التي بينها وبين فرانسا شيئاً من المنافسة تدعم حكومة السراج شأنها شأن تركيا. على الرغم من أن الصين وروسيا ليس لديهما الكثير من إمكانيات التدخل في المنطقة، إلا أنهما غير راضين عن تعزيز موقف تركيا والجماعات الإسلامية في إفريقيا.
الولايات المتحدة هي الصانع الرئيسي للألعاب في ليبيا ...
الولايات المتحدة بكونها قوة عظمى تقع فوق كل هذه القوى، فهي ليست طرفاً، بل هي صانعة للألعاب. بالطبع، لم تتمكن السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة من دخول ليبيا دون موافقة الولايات المتحدة التي تسمح لها بالانضمام إلى اللعبة. لكن في نفس الوقت تغمض عيونها لأفعال تركيا وقطر وتدعي أنها تدعمهما أيضاً. وفي الواقع ، تحلق المواجهة بين الأتراك والعرب في الشرق الأوسط.
تقع الولايات المتحدة في تبني كل السيناريوهات في ليبيا منذ البداية وتواصل هذه السياسة من خلال مختلف الشخصيات السياسية والدول. غيرت الولايات المتحدة التي صاغت ودعمت الربيع العربي على أساس خطة الشرق الأوسط الكبير، ميزان القوى بين الدول الإقليمية في الشرق الأوسط . تمارس الولايات المتحدة الآن نفس السياسة في أفريقيا، حيث لا يمكن إنكار دورها في سلسلة الاضطرابات المتتالية في الجزائر والسودان وإثيوبيا ونقل جزء كبير من أراضي ليبيا إلى أيدي خليفة حفتر.
ومع ذلك، فإن الهدف الرئيسي للولايات المتحدة في سياق التغيرات في أفريقيا واضح وملموس: إنها لا تريد أن تترك موارد الطاقة هذه (7.2 % من احتياطي النفط العالمي و 7.3 % من احتياطيات الغاز الطبيعي) للصين. لأن الصين كمالكة الطاقة الأفريقية، يمكن أن تصبح قوة أكبر من الولايات المتحدة ...
كيف نشأ الصراع الليبي التركي؟
دخلت تركيا ليبيا لأول مرة خلال العمليات العسكرية بقيادة الناتو في عام 2011. خلقت تركيا التي كانت تدعم الغارات الجوية على القذافي مشكلة ليبية جديدة لنفسها.
تعمل تركيا التي تدعم حكومة السراج في ليبيا، منذ 7 سنوات لإحضار الجماعات الإسلامية إلى السلطة في البلاد. لهذا السبب لقيت تركيا مبادرة الاستيلاء على طرابلس بقلق بالغ. ورد أردوغان على الهجمات التي وقعت في 4 أبريل، "لن نترك إخواننا الليبيين وحيدين، وندعمهم". ثم بدأت تركيا في تسليح حكومة طرابلس لمقاومة هجمات جيش حفتر. كما قدمت قطر مساعدة مالية. كانت فرنسا والسعودية تحتج بشدة على دعم تركيا للحكومة السراج. عندما تم الاستيلاء على السفينة التركية التي تحمل أسلحة إلى ليبيا في 20 يونيو، اعترف أردوغان: "نعم، ندعم الحكومة في ليبيا ونحن لا نفعل شيئاً سيئاً. لدينا التعاون العسكري مع الحكومة التي اعترفت الأمم المتحدة رسمياً بها في ليبيا ".
تعرض خليفة حفترالذي أمر بعملية الاستيلاء على طرابلس في 4 أبريل، لهزيمة كبيرة بالقرب من مدينة غريان في 22 أبريل. وكانت هذه المدينة تعتبر بوابة لطرابلس. أوقفت الهزيمة في غريان التقدم السريع لحفتر. ولا شك في دور تركيا الخاص في هذه الهزيمة. تجدر الإشارة إلى أن 205 أشخاص قد قتلوا وجرح 913 في الحرب الأهلية الليبية منذ 4 أبريل.
وجه المتحدث الرسمي باسم الجيش الوطني الليبي اللواء أحمد المسماري تهديدات لتركيا بعد هذا الحادث. وقال المسماري الذي أعلن في 29 يونيو السفن والطائرات التركية كأهداف العدو، إنه سيتم أيضاً اعتقال المواطنين الأتراك في البلاد. حدث هذا في الواقع وأعتقل ستة بحارة أتراك. وبعد تصريحات وزير الدفاع التركي خلوصي آكار حول رد الفعل التركي الشديد في حالة عدم إطلاق سراح البحارة الستة أفرجت قوات حفتر عن الرهائن. ولكن لا تزال تبقى مخاطر للأتراك المقيمين في ليبيا.
لهذا السبب يمكن أن تتدخل تركيا في ليبيا في أي لحظة. لدى تركيا أسبابها المبررة. قبل كل شيء، قد هددت قوات حفتر في ليبيا تركيا وحلفائها بشكل صريح. وفي الواقع، تدعم تركيا الحكومة القائمة المعترف بها دولياً. السبب الثاني والأكبر هو قضية شرق البحر الأبيض المتوسط.
على تركيا ألا تفقد ليبيا لكسر خطط ضد نفسها ...
هذا وإذ نقول إنه في السنوات الأخيرة بدأت الحرب الجديدة من أجل الطاقة في شرقي البحر الأبيض المتوسط، ربما لن نكون مخطئين. تخطط إسرائيل واليونان القبرص الجنوبية ومصر لمد خط الأنابيب الجديد لنقل الغاز الطبيعي من مصادر الطاقة الجديدة المكتشفة في شرقي البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا والعالم. ومع ذلك، تم إبعاد تركيا وقبرص الشمالية وليبيا من هذه المشروع. على الرغم من أن كل دولة من هذه الدول يقع غي شرقي البحر المتوسط. لا يعترف العالم باستقلال القبرص الشمالية وتخطط إسرائيل واليونان لتنفيذ المشروع في أسرع وقت مستفيدتين من الحرب الأهلية في ليبيا. يمكن أن ترد تركيا على هذا التحالف الذي يبعدها عن مشروع نقل الطاقة أكثر صرامة في ليبيا. لأن موقف ليبيا حيوي للمشروع. لذلك تعد ليبيا مركزاً لموارد الطاقة وممراً ملائماً لخط الأنابيب المقترح. لكل هذه الأسباب، أصبحت تركيا لاعباً رئيسياً في الساحة الليبية. وإذا فشلت تركيا في هذه اللعبة، ستحرم من موارد الطاقة وإيراداتها المستقبلية من البحر المتوسط ...
إعداد نجات إسماعيلوف
ترجمة من الأذرية: د. ذاكر قاسموف