بالتوجه نحو ليبيا.. تركيا تغير المعادلة الجيوسياسية في المتوسط

بدأ إرسال القوات بعد أن صادق البرلمان التركي، الخميس الماضي، على مذكرة رئاسية تفوض الحكومة بإرسال قوات إلى ليبيا، حيث ينازع حفتر الحكومة على الشرعية والسلطة في البلد الغني بالنفط

تحليلات 22:30 08.01.2020

- أنقرة توسع بالتعاون مع طرابلس نطاق تواجدها الإقليمي نحو وسط البحر المتوسط للدفاع عن مصالحها في شرقه أيضًا 
- ليبيا نقطة محورية في السياسة الخارجية التركية ومنطقة صراع بين متنافسين إقليميين يتصارعون كذلك في مناطق أخرى

تصدرت الأزمة الليبية والخلافات حول موارد الطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط الساحة الدولي، منذ أن وقعت تركيا وليبيا مذكرتي تفاهم، في 27 نوفمبر/ تشرين ثانٍ الماضي.

وقع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وفائز السراج، رئيس المجلس الرئاسي لـحكومة الوفاق الوطني الليبية، المعترف بها دوليًا، هاتين المذكرتين، وتتعلق الأولى بالتعاون الأمني والعسكري بين أنقرة وطرابلس، والثانية بتحديد مناطق النفوذ البحرية، بهدف حماية حقوق البلدين النابعة من القانون الدولي.

انطلاقًا من مذكرة التفاهم، وبناءً على طلب من الحكومة الليبية، بدأت أنقرة إرسال قوات تركية إلى ليبيا، لمساعدة الحكومة في حماية المدنيين والدفاع عن العاصمة طرابلس (غرب)، التي تشن قوات اللواء متقاعد، خليفة حفتر، بدعم خارجي، هجومًا للسيطرة عليها، منذ 4 أبريل/ نيسان الماضي.

وبدأ إرسال القوات بعد أن صادق البرلمان التركي، الخميس الماضي، على مذكرة رئاسية تفوض الحكومة بإرسال قوات إلى ليبيا، حيث ينازع حفتر الحكومة على الشرعية والسلطة في البلد الغني بالنفط.

تلك التطورات يمكن تلخيصها بأن تركيا توسع نطاق تواجدها الإقليمي إلى وسط البحر المتوسط باتجاه ليبيا، على افتراض أنه لن يتسنى لأنقرة الدفاع عن مصالحها الخارجية بالتركيز فقط على شرق المتوسط، ما أدى إلى تحولات جغرافية سياسية بالمنطقة.

** ديناميات أزمة المتوسط

تتصدر قضية البحر المتوسط جدول أعمال الجهات الفاعلة الإقليمية والعالمية بسبب توسع فرص التعاون، وتزايد مخاطر الصراع، في ظل ما حدث مؤخرًا من تشكيل تحالفات جيوستراتيجية وروابط بين بلدان المنطقة.

والبحر المتوسط، الواقع عند نقطة التقاء آسيا وأوروبا وأفريقيا، هو دومًا قاعدة مركزية للتنافس والصراع منذ التاريخ القديم.

بجانب موقعه الاستراتيجي، يمثل المتوسط منطقة ذات أولوية في السياسة الدولية؛ بسبب وجود الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (ناتو) خلال الحرب الباردة (1949: 1991).

بعد انتهاء هذه الحرب بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي سابقًا، تم تصنيف المنافسة والصراعات في المنطقة على أنها شؤون إقليمية، بعد قبول البحر المتوسط باعتبارها منطقة آمنة في "الناتو" والسياسة الخارجية الأمريكية.

لكن التغيرات الجيوسياسية الأخيرة تكثف المنافسة في البحر المتوسط، وربما تجر المنطقة إلى صراعات.

يمكن اعتبار الفراغ في السلطة، الذي نشأ في أجزاء من المنطقة بعد "الربيع العربي" (بدأ أواخر 2010)، والمنافسة التي نشأت عنه، عوامل محركة لهذه التحولات.

وأصبحت الحربين الأهليتين السورية والليبية ساحتين في هذا التنافس الإقليمي.

تُفاقم الأزمة السورية هذا الوضع المقلق، حيث تتنافس روسيا وإيران في شرق المتوسط بجانب الجهات العالمية الفاعلة على تشكيل مستقبل سوريا.

على وجه التحديد، سياسات إيران للوصول إلى شرق المتوسط جعلته مسرحًا مهمًا للسياسة الخارجية لدول الخليج، وخاصة السعودية والإمارات.

كما تحول الوضع في شرق المتوسط إلى تهديد للأمن القومي بالنسبة للدول الأوروبية، لا سيما فرنسا وإيطاليا، بسبب الأزمة الليبية، وأزمة اللاجئين، والأنشطة المتزايدة للتنظيمات الإرهابية بالمنطقة.

وبينما يجذب غرب المحيط الهادي مزيدًا من الاهتمام حاليًا، فإن وصول روسيا وإيران نحو شرق المتوسط، في أعقاب بدء الحرب السورية عام 2011، تسبب بارتفاع مكانة المنطقة في ترتيب أولويات السياسة الخارجية الأمريكية.

تنبثق قوة إضافية محركة لهذه التغيرات من إعادة تعريف "التنافس بين القوى العظمى" في استراتيجيات الأمن والدفاع القومي الأمريكي نحو المحور الروسي الإيراني الصيني.

أصبح شرق المتوسط منطقة ذات أولوية بالنسبة لأمن الغرب لأول مرة بعد فترة طويلة من التاريخ، بسبب الفراغ في القوة الذي خلفه تقليص التواجد الأمريكي، الذي تسده روسيا والصين، لا سيما قوات الدفاع الجوي والبحرية الروسية.

يعد اكتشاف الغاز الطبيعي في شرق المتوسط، الذي دفع الجهات الفاعلة الإقليمية إلى التنافس فيما بينها، وأسفر عن إعادة تعريف المنطقة في نطاق أمن الطاقة الأوروبي، أحد العوامل الأخرى الحاسمة في التغيرات الجيوسياسية بالمنطقة.

وبعد أن شكلت تحالفات فعلية فيما بينها حول موارد الطاقة في شرق المتوسط، سعت اليونان وإسرائيل ومصر وإدارة قبرص الرومية إلى زيادة تقاربها، في محاولة لعزل تركيا في المنطقة.

كما بدأت اليونان تخصيص المزيد من التمويل لقطاع الدفاع، بعد تبني سياسات خارجية تعكس رغبتها في الاستثمار في علاقاتها مع "الناتو" وواشنطن.

** ليبيا والتنافس الجيوسياسي

لم يتحقق أي استقرار سياسي، خلال السنوات الثماني التالية للتدخل العسكري في ليبيا، عام 2011.

ودمر هذا التدخل، الذي بدأ في 18 مارس/آذار 2011، الهيكل المركزي الضعيف بالأساس، ومر البلد الغني بالنفط بفترة من التقسيم السياسي.

بعد انتخابات يونيو/ حزيران 2014، دفع الانقسام مجموعات ليبية إلى تشكيل كتلتين رئيسيتين: طبرق في الجانب الشرقي، وطرابلس في الجانب الغربي. وبدأت الكتلتان في نهاية المطاف تشكيل تحالفات مع قوى إقليمية.

في أعقاب الانتخابات شُكل نظام متعدد الحكومات، وبدأ الجانبان -حكومة المؤتمر الوطني العام وحكومة مجلس النواب، والجيوش والعشائر المرتبطة بهما- معركة مسلحة للسيطرة على العاصمة.

وشنت دولة الإمارات أول غارة جوية لها في ليبيا، واستهدفت قوات مصراتة، المتحالفة مع حكومة المؤتمر الوطني، أثناء زحفها نحو وسط طرابلس.

لم تحقق الغارة أي نجاح، واضطرت حكومة مجلس النواب إلى التراجع من العاصمة إلى طبرق، التي كان حفتر مسؤولًا عن أمنها.

منذ ذلك الحين، لعبت مصر والإمارات دورًا رائدًا في الأزمة الليبية، بتسليح وتمويل قوات حفتر، وأرسلتا دعمًا جويًا لمعركة بنغازي (شرق)، وسعتا إلى اكتساب شرعية دوليًا لحكومة طبرق.

وليبيا بالنسبة للإمارات بمثابة ميدان، حيث يمكن لأبوظبي، التي تهدف إلى أن تصبح قوة اقتصادية وعسكرية بالمنطقة، أن تعمل كجهة فاعلة مستقلة وتدافع عن مصالحها الخارجية.

بدأت الإمارات تلعب دورًا كبيرًا في تشكيل الجغرافيا السياسية بالمنطقة، وأضافت قواتها العسكرية إلى المعادلة، وكذلك التأثير على مناطق خارج الخليج.

كانت مصر جهة فاعلة مهمة أخرى، باعتبارها دولة مجاورة، منذ التدخل العسكري الدولي بليبيا، في 2011.

مع ذلك، بعد انقلاب عام 2013، أصبحت ليبيا منطقة ذات اهتمام أكبر بكثير للقاهرة؛ بسبب الموارد الاقتصادية التي يحتاجها النظام الاستبدادي حديث النشأة.

من جهة أخرى فإن اتفاق "الصخيرات"، الموقع برعاية أممية بمدينة الصخيرات المغربية في 17 ديسمبر/ كانون أول 2015 لإنهاء الصراع الليبي، وصل إلى طريق مسدود.

وسبب ذلك هو مراجعة فرنسا وإيطاليا سياساتهما الخارجية لصالح حفتر، خاصة بعد قمة باريس، في مايو/أيار 2018، وقمة بالرمو، في نوفمبر/تشرين ثانٍ 2018.

في فترة أصبح فيها الأمن قضية رئيسية في منطقة المتوسط لفرنسا وإيطاليا، بدأ الانقسام السياسي في ليبيا يُعرّف بأنه مصدر لعدم الاستقرار، وتهديد للأمن القومي؛ لوجود تنظيمات إرهابية في المنطقة وأزمة اللاجئين.

مع التغيرات على سياسات فرنسا وإيطاليا، في 2018، بدأ محور الخليج-مصر وروسيا يحقق مكتسبات.

** غياب "الإرادة الحاسمة"

بحصوله على دعم عسكري من مصر ودول الخليج وإحراز تقدم كبير في هذا المجال، أصبح يُنظر إلى حفتر على أنه حل لاستقرار ليبيا.

نشرت روسيا وحدات عسكرية في ساحة المعركة بليبيا، بعد أن بدأت قوات حفتر الانسحاب من جبهات القتال الرئيسية، وأصبحت بحاجة لمقاتلين، بعد أغسطس/آب 2019، عندما أجبرت عشائر محلية ميليشيا حفتر على التراجع.

هذه الخطوة أعطت روسيا أيضًا الفرصة لتوسيع انتشارها من شرق المتوسط باتجاه غربه.

في حين أن الاتجاه الذي تسير فيه الحرب الأهلية الليبية لا يزال غير مؤكد، يمكن الإقرار بأن الوضع الليبي له أهمية حاسمة لمصالح تركيا في البحر المتوسط.

بالتالي يمكن تعريف ليبيا بأنها واحدة من النقاط المحورية في السياسة الخارجية التركية، ومنطقة صراع بين متنافسين إقليميين يتصارعون في مناطق أخرى أيضًا.

ومن الأسباب الرئيسية لحدوث تلك التغيرات الجيوسياسية هي الجهات الفاعلة التي شاركت في التدخل العسكري بليبيا، عام 2011، مثل الولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا، بجانب عجز المنظمات الدولية، خاصة الأمم المتحدة، عن إبداء إرادة حاسمة وشاملة لحل الأزمة الليبية.

وهذه هي الطريقة التي صنع بها البحر المتوسط عودته إلى السياسة الدولية، باعتباره منطقة ذات أهمية رئيسية لجهات فاعلة عديدة.

 
رئيسة المركز الأمريكي للحرية الدينية ورئيس المجلس الباكستاني يزوران مؤسسة أوراسيا الدولية للصحافة

أحدث الأخبار

ما هي تداعيات اجتياح رفح علي المنطقة؟
10:00 08.05.2024
تيك توك ترفع دعوى لوقف بيع التطبيق أو حظره في أمريكا
09:15 08.05.2024
أنباء عن تولي شركة أمريكية إدارة معبر رفح بعد الحرب
09:00 08.05.2024
الشرطة الهولندية تفض احتجاجاً مؤيداً للفلسطينيين في جامعة أمستردام
17:00 07.05.2024
الرئيس البلغاري يصل اذربيجان في زيارة رسمية
16:30 07.05.2024
تراب رضاييف: دعوة أذربيجان يمكن أن تكون فرصة ذهبية لإحلال السلام في المنطقة
16:00 07.05.2024
علييف يجتمع مع رئيس وزراء سلوفاكيا
13:45 07.05.2024
علي أحمدوف : ثلث دول العالم تعاني من مشكلة الالغام
علي أحمدوف : ثلث دول العالم تعاني من مشكلة الالغام
13:30 07.05.2024
الولايات المتحدة ... اعتقال 2500 خلال المظاهرات المؤيدة لفلسطين
13:15 07.05.2024
قطر: حديقة القرآن تحصل على الاعتماد الدولي في صون الموارد النباتية
13:00 07.05.2024
شي يحث ماكرون على مساعدة الصين في تجنب حرب باردة جديدة
12:45 07.05.2024
حماس توافق على مقترح مصري- قطري لوقف النار
12:30 07.05.2024
مصر ترفع مستوى التأهب في شمال سيناء
12:15 07.05.2024
شولتس يعلن الاتفاق على استخدام عائدات الأموال الروسية المجمدة لشراء أسلحة لأوكرانيا
12:00 07.05.2024
روسيا: سنتعامل مع مقاتلات إف- 16 في أوكرانيا على أنها تحمل أسلحة نووية
11:45 07.05.2024
حماس تحذر إخلاء رفح تطور خطير وسيكون له تداعيات
11:30 07.05.2024
حرب غزة تلقي بظلالها على العلاقات بين إيران وسوريا
11:15 07.05.2024
جهود مصرية لاحتواء التصعيد بين حماس وإسرائيل
11:00 07.05.2024
تركيا.. ضبط 3 آلاف و380 قطعة أثرية في إزمير
10:45 07.05.2024
أردوغان يرحب بإعلان حماس قبولها وقف إطلاق النار
10:30 07.05.2024
بوتين يأمر بإجراء مناورات نووية ردا على تهديدات غربية
10:15 07.05.2024
إندونيسيا: ثوران بركان جبل سيميرو من جديد
10:00 07.05.2024
أمير الكويت يبدأ زيارة إلى تركيا
09:45 07.05.2024
الكوريون الشماليون يقسمون على الولاء للزعيم في عيد ميلاده
09:30 07.05.2024
الاتحاد الأوروبي والصين يسعيان لتخطي خلافاتهما الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية
09:15 07.05.2024
أردوغان: نعمل لإجبار إسرائيل على وقف إطلاق النار
09:00 07.05.2024
شاحنة شبيهة لـ «سايبرترك» في الصين
18:00 06.05.2024
هل يمكن أن تؤثر الاحتجاجات الجارية في أرمينيا وجورجيا على أذربيجان؟
17:00 06.05.2024
إيرلندا وإسبانيا تستعدان لاعتراف بدولة فلسطينية
16:00 06.05.2024
خبير ساسي مجري : يمكن للغرب أن يساعد أذربيجان لحل مشكلة الألغام في قراباغ
15:27 06.05.2024
ملك الأردن يزور الولايات المتحدة
14:15 06.05.2024
الرئيس الصيني يصل إلى فرنسا في جولته الأوروبية الأولى منذ 2019
14:00 06.05.2024
مسئول إيراني التحضير لإبرام 23 مذكرة تفاهم مع العراق
13:45 06.05.2024
بيراموف يلتقي مع ميرزويان في كازاخستان
13:30 06.05.2024
هزتان أرضيتان تضربان جنوب روسيا
13:15 06.05.2024
مباحثات بين السعودية وبوركينا فاسو لتعزيز التعاون العسكري
13:00 06.05.2024
ملك ماليزيا يزور سنغافورة في أول زيارة دولة خارجية يقوم بها
12:45 06.05.2024
نزع أكثر من 439 ألف مادة متفجرة من مخلفات الحرب باليمن
12:30 06.05.2024
رئيسة المركز الأمريكي للحرية الدينية ورئيس المجلس الباكستاني يزوران مؤسسة أوراسيا الدولية للصحافة
12:18 06.05.2024
منظمتان صحفيتان دوليتان تدينان إغلاق قناة الجزيرة في إسرائيل
12:15 06.05.2024
جميع الأخبار