القلائل خارج أمريكا، وخاصة في أوروبا الليبرالية والتقدمية، يدركون شدما يكره الأمركيون العاديون السيدة كلينتون. والمشكلة في أن السيد ترامب ليس سياسياً مهنياً يعرف كيفية العثور على لمس كعب أخيل لمنافسته.
في اي سباق رئاسي طبيعي، كان من الواجب على الجمهوريين أن يتقدموا بلا يقل عن خمس أو سبع نقاط وهناك عدة أسباب لذلك.
مع الأخذ بالاعتبار بعض الحقائق عن هيلاري كلينتون مثلاً كفشلها في ليبيا، واستخدامها المتعمد لبريدها الإلكتروني الرسمي لأغراضها الشخصية حيث تمكنت من حذف بعض المعلومات الشخصية الهامة، يطرح السؤال، لماذا هذه الهياكل العظمية موجودة في خزانة ملابسها ولم تدرج في العناوين الرئيسية للأنباء وأنها ظلت دون التطرق لها في البرامج التلفزيونية السياسية.
يتبين دون الشك في أنه من هو المرشح الذي تؤيده الغالبية العظمى من الوسائل الإعلامية. وأنها قررت بالفعل لدعم كلينتون لهزيمة ترامب. للوهلة الأولى، السيد ترامب لديه خطابات خاطئة من الناحية السياسية التي حولت الوسائل الإعلامية الليبرالية اليسارية ضده إلى حد كبير.
على سبيل المثال، إذا فسرنا لغة السيد ترامب الزاهية وبلاغته غير الحكيمة تفسيراً صحيحاً، يمكن لنا أن نؤكد على أنه أقل خطراً على السلام العالمي والتجارة الحرة والديمقراطية والمثل الأمريكية من سياسة السيدة كلينتون القائمة وإدارة أوباما.
انتهجت السيدة كلينتون بكونها وزيرة للخارجية سياسة دعم جماعة الإخوان المسلمين، حاولت بزعزعة استقرار منطقة الشرق الأوسط وإعادة إحياء التنظيمات الاسلامية المعتدلة الوهمية. كشفت شبكة ويكيليكس عن الأدلة على دعمها لمجموعات متطرفة في سوريا وعلى حذف رسائل البريد الإلكتروني المتعلقة بالدعم المالي وما يخص للهجوم على السفارة الأمريكية ومقتل السفير الأمريكي كريس ستيفنز في ليبيا.
من الناحية الأخرى، أكد ترامب عدة مرات عن رغبته في التعاون مع روسيا لمكافحة التهديدات الإرهابية. وقال إنه يود أن يعتمد نهجاً محايداً تجاه الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني. كرجل الأعمال كان يود للتوصل الى إبرام الصفقة. يدعي مستشاروه أنه إذا أصبح صاحباً للبيت الأبيض، سيليق لمنصبه ويفرض إشرافه على كل شيء.
لماذا لم تذكر وسائل الإعلام شيئاً مماثلاً من قبل ؟
لم تكن الورقة الرابحة لترامب في رسالة الجمهوريين. وقال لي أحد المقربين من ترامب في الاسبوع الماضي إنه ليس جزءاً من النظام. وكان السيد ترامب نفسه مثل جيريمي كوربين، زعيم حزب العمال البريطاني المعارض ولم يتوقع أن يتم ترشيحه كمرشح الحزب الجمهوري. كان يقود حركة احتجاج لزعزعة هذا النظام.
يدعي المستشارون لترامب إذا أنه كان يشبه لرونالد ريغان، الذي واجه وسائل الاعلام المعادية له قبل 35 عاما، كان يتمكن من الفوز على السياسيين الجمهوريين ليتولي قيادة الحزب.
من الناحية الأخرى، نرى لدى الحزب الجمهوري أيضاً وسائل الإعلام باعتبارها جزءا من النظام والتي ساهمت في قفز شعبية ترامب في مرحلة مبكرة لحملة الانتخابات، وأشارت إلى تقدمه في استطلاعات الرأي.
تبين التحليلات لما ورد في الوسائل الإعلامية أنه هناك نسخ احتياطية للمعلومات المسجلة في الأشرطة عن ترامب قبل ترشيحه وأنها ظلت محفوظة حتى الوقت القريب. وكما يعترف المحللون أن تلك الادعاءات قد انتهت وكان تأثيرها أقل مما يتوقع. ويعتبر السيد ترامب مرشحاً رئاسياً أول وهو مواطن عادي وليس سياسيا (مثل عضو الكونغرس، حاكم ولاية أو جنرال في الجيش). المواطن العادي والأمريكي يحكم عليه أخف وطأة.
على الرغم من أن المتشددين الجمهوريين يريدون اليوم فوز ترامب، فإنهم يشيرون أيضا إلى أن ترامب لا يتبع نصائح مستشاريه. انهم قلقون من أنه سوف يتصرف بنفس الطريقة بعد وصوله إلى البيت الأبيض.
لكن الجمهوريين يواجهون تحديات ديموغرافية اجتماعية أعمق بكثير من هذه المشاكل وذلك على مدى العقد الماضي، أنهم فشلوا في محاولاتهم لمعالجتها .
هناك المزيد والمزيد من الناخبين الجمهوريين التقليدين (بالمتوسط 6-8٪) يتوفون بسبب كبرسنهم في حين يتضاعف تدريجياً عدد الأمريكيين من الأصول اللاتينية القادمين كمهاجرين ويصبحون ناخبين مسجلين.
هناك 2% من المهاجرين القادمين من الأجزاء الأخرى للعالم يصوتون كالمعتاد، للديمقراطيين. يمكن للمرء أن يتصور عملية التصويت خلال عشر سنوات. إذا لم تتبع الدولة نظام الهيئة الانتخابية وهذا يسيء لها. فشل الجمهوريون، حتى الآن، في صياغة السياسات التي من شأنها جذب غالبية المهاجرين ومنهم قادمون من أمريكا الجنوبية التي قال ترامب انه يريد بناء الجدارعليها.
طالما لم يعتمد السيد ترامب السياسة الواقعية ويحد من الانتقادات الشخصية لسياسة خصمه ستبقى السياسية التي ينتهجها مقامرة انتحارية.
عادل درويش (Adel Darwish) محلل سياسي بريطاني محنك، مراسل وصحفي وكاتب ومؤرخ. وهو أيضا كاتب عمود في تريبيون والمحرر السياسي في أخبار المجموعة M.E.، مجلة الشرق الأوسط، مجلة الأفريقية الجديدة، مجلة الأعمال أفريقيا. كما هو رئيس مكتب Eurasia Diary في لندن.