أهمل الآباء المؤسسون للجمهورية الأمريكية دور الأحزاب السياسية في نظام الدولة حين اعتمادهم لدستور الولايات المتحدة الأمريكية في 17 سبتمبر 1787 في فيلادلفيا ببنسلفانيا.
وخلافاً لنوايا مؤسسيها أصبحت الولايات المتحدة (الولايات المتحدة الأمريكية) أول بلد ظهرت فيه الأحزاب السياسية على أساس الأمة الواحدة. اليوم، يشرف الحزبان الكبيران- الجمهوري والديمقراطي، على العملية السياسية الامريكية كاملةً. لا يزال الاحتكار التام لسياسة البلد التي يجري ترويجها على أنها أفضل مثال للديمقراطية، يعتبر قضية رئيسية للنقاش والجدل.
اعتباراً من عام 1860، استبدل الحزبان الديمقراطي والجمهوري بعضمها البعض في جميع الانتخابات الرئاسية الجارية في الولايات المتحدة. للوهلة الأولى قد يبدو أن الأحزاب السياسية لم تؤثر بصورة ملحوظة على صياغة السياسة الأمريكية، حيث تكرس جميع الانجازات السياسية لرئيس البلاد. هذا ولا يمنح دستور الولايات المتحدة دوراً محدداً للأحزاب السياسية. ومع ذلك، يلعب عدد الأحزاب السياسية في البلاد دوراً مهماً لخلق النهج التنافسي في قضايا متشابهة.
أسباب امتداد العمر لنظام الحزبين في الولايات المتحدة
يعود احتكار الحكم في الولايات المتحدة من قبل الحزبين السياسيين الكبيرين إلى النظام الانتخابي الاكثري، حيث يتم انتخاب المرشح الذي يحصل على أغلبية اصوات الناخبين. بفضل امتلاكهما الموارد والقوى المتوفرة يتمتع الحزبان الديمقراطي والجمهوري بجميع الإمكانيات لتقديم مرشحين لهما. يفضل الناخبون التركيز على انتخاب أحد من مرشحين من الحزبين الديمقراطي والجمهوري وذلك بسبب اعتقادهم أن مرشحي الأحزاب الأخرى ليس لديهم أي أمل للفوز. تعتبر هذه الحجة هامة جدا؛ ومع ذلك، يجب أن تؤخذ الاعتبار أيضا ثلاثة عوامل إضافية لها دور في نظام احتكار الحزبين. أولا، نهج الأحزاب الصغيرة للولايات المتحدة لا يختلف كثيراً عن نهج الحزبين الرئيسيين. لذلك، في معظم الحالات، تفضل الأحزاب الصغيرة الانضمام إلى أحد من الأحزاب الكبيرة.
ثانيا، يرى المواطنون للولايات المتحدة أنفسهم كشعب واحد ودون الحاجة إلى إنشاء حزب منفرد لتأييد الجماعات العرقية واللغوية لمجموعات مختلفة من الناس، كما هو الحال في المملكة المتحدة. وأخيرا، السبب الهام الآخر هو أن الأحزاب الصغيرة يمكن أن يدخل في الائتلاف مع الأحزاب الكبيرة للوصول إلى موارد ضخمة. تتمتع هذه الأحزاب الصغيرة التي لديها وجهات نظر مماثلة مع الديمقراطيين أو الجمهوريين بفرصة لدفع برنامجها الخاص للإصلاحات في الائتلاف أكثر مما بشكل فردي دون دعم خاص.
تحليل مقارنة الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الولايات المتحدة
في غضون عدة سنوات، يختلف الباحثون المستقلون في تقديراتهم في التشابه أو الاختلاف بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري للولايات المتحدة. هذه هي واحدة من أكثر القضايا المثيرة للجدل، لأن الجانبين يظهران غير متناسقين للغاية، ولا يمكن ملاحظة سوى عدد قليل من التشابهات الطفيفة بينهما. يعود تفضيل أحد الطرفين على عوامل خارجية، مثل الجهات المانحة ونشطاء الحزب والأنصار الاجتماعيين. والأكثر من هذا، ينتهج المرشح المنتخب السياسة المستقلة عن الحزب باعتبار مصالحه الخاصة. وعلى الرغم من هذه التشابهات الطفيفة، لدي الطرفين أهداف سياسية مختلفة وطرق تحقيق أهدافها المختلفة. اعتباراً من عام 1970، اعتمد الحزب الديمقراطي النهج السياسي الليبيرالي، في حين أيد الجمهوريون نهجاً محافظاً، مع تركيز اهتمامهم على دور الأيديولوجية.
في الطيف الأيديولوجي، كان الحزب الجمهوري دائماً يعرف كحزب محافظ يسعى لخفض مستوى تدخل الحكومة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية للبلد. يضمن الدعم الفعال للأقليات الدينية والاقتصادية والعرقية دعماً قوياً للأقليات الاجتماعية لمرشحي الرئاسة من الحزب الديمقراطي. بالنسبة إليهم، يتمتع مرشحون للحزب الجمهوري بتأييد الأغلبية الاجتماعية، المكونة أساساً من البيض.
وآخذاً بالاعتبار النهج المحافظ للجمهوريين ، فمن الواضح أنه لا يدعم الأقليات الجنسية والعرقية وكذلك فكرة مساواة النساء يعتبر الحزب الديمقراطي أفضل مدافع عن مصالح المرأة وحقوقها. في انتخابات عام 2016، رشح الحزب الديمقراطي السيدة لرئاسة الجمهورية لأول مرة في تاريخه. يمكن اعتبار الاعتماد على حقوق المرأة أفضل "سلاح" في أيدي الديمقراطيين. أنها توفر لهم دعماً قوياً من النساء الأميركيات اللواتي تؤمنن بفكرة المساواة بين الجنسين في الولايات المتحدة.
وفي معرض الحديث عن الخلافات بين الطرفين، من المهم إلقاء الضوء على النهج المختلف للإصلاحات الاقتصادية المرتبطة بمستوى البطالة والتضخم في البلاد. وتتغير السياسة الاقتصادية للبلد عادة مع تغير الحزب الفائز في الانتخابات. يدعم الحزب الجمهوري معدلات الضرائب المنخفضة، والحد من عجز ميزانية الدولة والمؤشر المنخفض للتضخم. وبالإضافة إلى ذلك، أنه يعارض محاولات لتعادل الدخل وخفض مستوى التضخم عن طريق زيادة مستوى البطالة. في المقابل، يدعم الديمقراطيون السياسة الهادفة إلى الحد من البطالة من خلال زيادة العجز في ميزانية الدولة. يؤدي انخفاض معدل البطالة إلى زيادة التضخم. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الديمقراطيين يؤيدون زيادة الضرائب لذوي الدخل المرتفع، في حين يفضل الجمهوريون تحديد معدل موحد للضريبة، بغض النظر عن مبلغ الدخل. وأخيراً، على عكس الديمقراطيين، يمارس الجمهوريون سياسة أكثر صارمة ضد المهاجرين غير الشرعيين.
تداعيات نظام الحزبين للديمقراطية في الولايات المتحدة
يعتبر التعامل المختلف مع نفس القضايا ودور الأحزاب في الحياة السياسية للبلد من أهم العوامل لتطور المجتمع الديمقراطي. من الممكن أن يؤثر عدد الأحزاب في النظام السياسي للبلد إيجابياً وسلبياً على مستوى الديمقراطية.
وقد تعرض نظام الحزبين للانتقادات مرات عديدة، كتهديد حقيقي للديمقراطية في أمريكا. ويقدم نظام تعدد الأحزاب البريطاني كنموذج مثالي، يشجع الأحزاب الكبيرة للتعاون مع الأحزاب الصغيرة والتعامل متعدد الأطراف للقضايا المتشابهة. يعتبر نظام تعدد الأحزاب مناسباً للمجتمع مع العديد من المجموعات العرقية، التي تعتبر نفسها كأمة مستقلة.
مقارنة مع المملكة المتحدة يعتبر نظام الحزبين للولايات المتحدة، كالعادة، أكثر استقراراً ويمكن إدارتها بسهولة خلافاً لنظام تعدد الأحزاب. وبالإضافة إلى ذلك، فإنه يضمن للناخبين الأمريكيين الخيارات المستقرة التي يمكن التنبؤ بها. وأخيرا، في حالة نظام الحزبين، من الأسهل للأحزاب التوصل إلى حل وسط، لأن هناك النهجين فقط.
عموماً، يبدو أن نظام الحزبين الأمريكي أكثر استقراراً وأقل تطرفاً، وله تأثير إيجابي على الديمقراطية. والواقعة التي يسيطر فيه الحزبان وليس حزب واحد يساهم في تجنب احتكار النظام ويدعم نهجاً مزدوجاً في التعامل مع القضايا. هذا النظام يمكن للمواطنين المشاركة في الحياة السياسية للبلد من خلال الحزب الذي يصوتون له.
ومع ذلك، تضر الأيديولوجية القوية والمعارضة للحركة النسائية والأقليات العرقية والزواج من جنس واحد داخل الحزب الجمهوري شعبية الحزب. يحتاج الجمهوريون إلى رفع شعبيتهم في أوساط الأقليات العرقية، والحفاظ على موقف أكثر ليبرالياً للقضايا حول الهجرة والمساواة بين الجنسين. خلافاً لذلك، يتلقى الديمقراطيون دعماً أقوى بين الناخبين بسبب آرائهم أكثر ليبرالية، والتي سوف تسمح لهم احتكار السياسة في البلاد.