محمود سعد دياب

ظلت المنطقة العربية على مدار قرون طويلة، تشع فكرًا وثقافة، لتلعب دورًا أساسيًا في تقدم البشرية، ومثلت حجر الأساس الذي بنيت عليه حضارات العالم فيما بعد، فقد أثرت الحضارة الإسلامية في عالمنا العربي، ثقافة العالم أجمع بالإبداعات القيمة، وجاء دور الباحثين والمترجمين والمستشرقين لكي يستكملوا ذلك بالاضطلاع بأدوار مهمة عملت على أن تغزو تلك الثقافة الفضاء الفكري العالمي.

تقول آسيا حاجي زادة، الكاتبة الأذربيجانية، إن الكاتبة والأديبة والناشطة الاجتماعية عائدة إيمانجولييفا، كانت أول امرأة أذربيجانية تعمل في مجال الاستشراق، وتشغل منصب مدير معهد الدراسات الشرقية التابع للأكاديمية الوطنية للعلوم في باكو، والسيدة الأولى الحاصلة على درجة الدكتوراة في علم اللغة، والباحثة الأولى في أدب المهجر في أذربيجان.

وتضيف آسيا حاجي زادة، أن عائدة إيمانجولييفا، كانت عضوا في جمعية المستشرقين، وعضوا في مجلس التنسيق في بحث ودراسة الأدب الشرقي في الاتحاد السوفييتي، وأنها ضمن هذه الجمعيات ساهمت مساهمة هائلة في انتشار ودراسة اللغة والثقافة العربية والأدب العربي، ولكونها ممثلا مشرقا لمدرسة علماء الاستشراق في بلدها، وأكاديمية مؤثرة في الأوساط العلمية، فقد مثلت إيمانجولييفا أذربيجان في المؤتمرات والندوات العلمية المكرسة لقضايا البحث في تاريخ الأدب العربي والشرقي وعلم اللغة.

وتشير حاجي زادة، إلى أن الأدب العربي في مطلع القرن العشرين، كان له دور أساسي في تقدم البشرية، وأن من أهم مميزات الأدب العربي وابتكاراته، أنه يتصل اتصالا قويا بالعالم الروحي للإنسان، ويظهر المثل العليا، وهذا ما يجعله يحيا ويستمر.

وتشير إلى أن إيمانجولييفا، قامت بدراسة أدب المهجر الذي كان في بداية القرن الماضي، ففي هذه الفترة برزت كوكبة كاملة من الكتاب والشعراء العظام، الذين حددت أعمالهم الأدبية مرحلة جديدة في تاريخ الشعر الرومانسي والنثر، وأن الأمر المهم جدا لفهم ومعرفة العالم العربي الحديث، ليس في أذربيجان فحسب، وإنما في البلدان الأخرى، أن عائدة إيمانجولييفا كمتخصصة كبيرة في الأدب العربي الجديد وتاريخ النهضة الثقافية في البلدان العربية، قد سلطت الضوء في أعمالها على التطور الفلسفي للرومانسية العربية الجديدة في بداية سبعينيات القرن الماضي، وكشفت عن البعد الإنساني في الأدب العربي الحديث.

وأوضحت أن عائدة إيمانجولييفا بدراستها بشكل أساسي لمختلف جوانب أدب المهجر، الذي كان في عشرينيات القرن الماضي، سعت في أعمالها العلمية لبيان الاتجاه البعيد عن الأشكال التقليدية، وظهور الرومانسية في الشعر والواقعية الناقدة في النثر، وكذلك اتحاد تقاليد ثقافة الشرق والغرب، وهذا لعب دورا كبيرا في انتشار الفكر الفلسفي الحديث للعالم العربي.

وأضافت أن عائدة إيمانجولييفا، كانت أول العلماء في أذربيجان الباحثين بمنهجية عن التأثير المتبادل والروابط الأدبية المتبادلة بين الثقافات الشرقية والغربية، وأنها وبدراستها هذه، أولت القيم الإنسانية المشتركة اهتماما كبيرا، مشيرة إلى عوامل التقدم الثقافي، حيث قامت في أعمالها النقدية الأدبية العديدة ببحث وتحليل تطور الأسلوب الإبداعي، وظهور اتجاهات أدبية جديدة، وهذا بدوره أوجد أرضية مهمة للبحث فيما بعد في الأدب العربي والشرقي عموما.

وأكدت الكاتبة المتخصصة في الأدب الأذربيجاني، أن إبداعات عائدة إيمانجولييفا غنية جدا، ودائرة اهتمام أعمالها وبحوثها العلمية واسعة ومتعددة الأوجه، فهي ليست متعلقة ومرتبطة بعلم اللغة فقط، ولكن بعلوم اجتماعية إنسانية أخرى، ففي كتبها العلمية، انعكس إبداع الأدباء العرب، اللذين اتحدوا في "رابطة القلم" في أمريكا، وحددوا عصرا كاملا في تاريخ الشعر والنثر العربي الجديد، ومن هذه الكتب : "ميخائيل نعيمة ورابطة القلم"، "جبران خليل جبران"، "شخصيات بارزة في الأدب العربي الحديث".

ولفتت إلى أنها بالإضافة إلى أعمالها الأساسية، قامت إيمانجولييفا بكتابة أكثر من 70 مقالة علمية من بينها : "قضايا فقه اللغة العربية"، و"قضايا علم لغة الشرق"، و"قضايا الشرق: التاريخ والحداثة"، و"دور الروابط الأدبية في تشكيل الأدب العربي الجديد" وغيرها ، كما كانت محررًا علميًا للعديد من الكتب والمقالات العلمية في الأدب الشرقي، وبجانب عملها العلمي اهتمت جولييفا اهتماما كبيرا بالمجال التعليمي، فعملت كأستاذة للأدب العربي وعلم اللغة في كلية الاستشراق في جامعة أذربيجان الحكومية، كما عملت أيضا في مجال الترجمة، وكانت مؤلفة مشاركة لكتاب "الإنسان والطائر"، وتحت إشرافها، حصل أكثر من عشرة متخصصين على درجات علمية عالية .

وتضيف آسيا حاجي زادة، أن الناقدة والباحثة في الأدب عائدة إيمانجولييفا، حققت المجد بعد أن شقت لنفسها بتصميم وشجاعة غير عادية طريقا في مجال العلم، فحظيت بشهرة كبيرة كشخصية علمية بارزة في الدراسات العربية، بفضل موهبتها العلمية، والتزامها، ونزاهتها، وقدرتها على الدفاع عن وجهات نظرها العلمية، وطبيعتها المفعمة بالحياة والنشاط، والهالة من الكمال والنبل، حيث اجتمع فيها كل ذلك بتناغم وتناسق سمات الإنسانية والمهنية والأنوثة، وأن اجتهادها وإخلاصها في عملها، وحصافتها وألمعيتها، الكاريزما، ورؤاها الواسعة، كل ذلك جعلها تحظى باحترام كبير في الأوساط العلمية، ومن قبل الجميع، كانت مثالا حقيقيا للتفاني في سبيل العلم والخدمة المجتمعية، مثالا للخير والنبل.

وتوضح حاجي زادة، أن عائدة إيمانجولييفا المنتمية لعائلة نبيلة، لها مكانة مهمة في تاريخ الحركة النسائية، وأنه سار على نهجها وخطاها ابنتيها الاثنتين، مهربان علييفا، النائبة الأولى لرئيس أذربيجان، ورئيسة مؤسسة حيدر علييف، وسفيرة النوايا الحسنة لليونسكو والإيسيسكو، ونرجس باشاييفا نائبة رئيس الأكاديمية الوطنية للعلوم في أذربيجان، اللتان تواصلان المساهمة في الحفاظ على التراث الثقافي والعلمي لأذربيجان، من أجل تحقيق التواصل والتفاعل مع البيئة الثقافية والعلمية العالمية.

وتقول إنه في عام 2006 في إطار التعاون بين صندوق حيدر علييف ومنظمة الإيسيسكو، تم ترجمة كتابها "شخصيات بارزة في الأدب العربي الحديث" للغة العربية ونشره، وأنه في هذا الكتاب كشفت إيمانجولييفا وأظهرت الصورة الكاملة للواقع الروحي والثقافي لتلك الفترة التاريخية، وخلود الروح العربية، من خلال عرضها لإبداع ثلاثة من رواد الأدب العربي، جبران خليل جبران، ميخائيل نعيمة، وأمين الريحاني، وأنها في بحوثها قامت بتحليل القضايا الرئيسية في تقدم الأدب، وتقديم الفكر الاجتماعي والفني لتلك الفترة : الدور الاجتماعي للأدب، قيمته التربوية، وترابط الأدب مع الحياة، وأنه كان لهذا الكتاب صدى واسع بين العلماء العرب والمستشرقين البارزين في العديد من البلدان، اللذين أشادوا بعملها المثمر الممتد لسنوات عديدة .

وأشارت إلى أنه في المؤتمر الدولي لابن عربي "الشرق والغرب: القيم الروحية المشتركة، الروابط العلمية الثقافية"، الذي نظمته الأكاديمية الوطنية للعلوم في أذربيجان وجمعية ابن عربي في جامعة أكسفورد في المملكة المتحدة، وكذلك في المؤتمر الدولي "أدب شعوب الشرق"، الذي نظمته الأكاديمية الوطنية للعلوم في أذربيجان، أجمع العلماء البارزين من مختلف البلدان على أن عملها العلمي المتعدد الأوجه ساهم مساهمة قيمة في إثراء الخزينة العالمية للثقافة، وأن إيمانجولييفا ببحوثها العلمية قد أسست اتجاها ومدرسة في الدراسات العربية، وهذه المدرسة في تقدم مستمر حتى الآن، وبحوثها هذه التي أثرت علم الاستشراق هي اليوم منارة هذا العلم في دراسة الأدب العربي.

وأكدت أن عائدة إيمانجولييفا، معترف بها بحق واحدة من أهم الباحثين في الأدب العربي الحديث ليس في أذربيجان فحسب، ولكن في غيرها من البلاد كذلك، حيث كرست العالمة الأذربيجانية حياتها كلها لدراسة وبحث أدب وثقافة الشرق، ساعية للتعرف على العلاقة الدقيقة بين التشكيلات الفلسفية العميقة للماضي والحداثة، مضيفة أن تراثها الفكري الأدبي لا يزال يقوم بدور مهم في التقارب وتعزيز وتطور العلاقات بين أذربيجان والعالم العربي، مشيرة إلى أن عائدة إيمانجولييفا تمكنت من تحقيق إنجازات كبيرة في مجال العلم، وأنها باقية دائما في قلب وذاكرة شعبها .