تشهد السیاسة الخارجیة السعودیة تغیرات لافتة بالتوازی مع التطورات الداخلیة والتی وصلت الي ذروتها باعفاء محمد بن نایف من ولایة العهد واستلام محمد بن سلمان للموقع .
صحیح ان المعادلات التی تحكم موازین القوي الداخلیة وخاصة داخل العائلة المالكة كانت ولا تزال محكومة بالغموض وهی فی بعض الاحیان اشبه بالالغاز والاحجیات غیر المفهومة للمراقبین والمحللین فضلا عن الرأی العام .الا ان السیاسة الخارجیة السعودیة كانت معروقة ولسنوات طویلة بسمات عامة وخطوط عریضة واضحة للجمیع .فالمعروف ان الدیبلوماسیة السعودیة تاریخیا كانت محافظة ومواربة وغیر مباشرة والاهم انها لم تكن صدامیة وولادة للصراعات والنزاعات والخلافات كما هی الیوم . اما الاخطر فهو فشلها الذریع فی الوصول الي الاهداف المحددة وهذا ما عبرت عنه صحیفة الواشنطن بوست الامیركیة مؤخرا اذ اعتبرت ان ' مبادرات سلمان العدوانیة فی الشؤون الخارجیة تثبت هزیمتها الذاتیة ووصفت الصحیفة حملة السعودیة ضد الیمن بالفاشلة .
عبارة الفشل تتردد لدي كل المتابعین للسیاسة الخارجیة السعودیة . الباحث بالشؤون السعودیة والمعارض السعودی فؤاد ابراهیم واحد من اهم المتابعین والخبراء بالشأن السعودی . وهو یصف السیاسة الخارجیة السعودیة فی الوقت الراهن بـ'صفر نتائج ومكاسب ' . یشیر ابراهیم فی حدیثه لوكالة انباء الجمهوریة الاسلامیة الایرانیة الي ان 'الدبلوماسیة السعودیة لم تحقق مؤخرا ای شیء . لم یخض السعودیون ای ازمة او حرب او مواجهة خلال السنوات الاخیرة الماضیة الا وكانت نتیجتها الفشل' . یتحث ابراهیم عن اداء وزیر الخارجیة عادل الجبیر المختلف عن اسلوب سلفه سعود الفیصل التی كان یمتلك رؤیة ویعمل لتحقیق اهداف محددة .
الدبلوماسیة السعودیة الیوم والتی یترجمها عادل الجبیر محكومة من وجهة نظر ابراهیم بالازمات التی تعصف بالسعودیة . هی دبلوماسیة غیر خلاقة وعاجزة عن اكتشاف افاق جدیدة . اما الجولات التی تجری فغیر مثمرة ویستشهد ابراهیم بجولة الملك سلمان الي دول اسیویة. لم ینتج عن هذه الجولة ای مكاسب او نتائج حقیقیة . وفی ملف العلاقة مع تركیا حكی غن مجلس استراتیجی واتفاقات كبیرة . ویتساءل ابراهیم این اصبحت هذه العناوین الكبیرة ؟ بدل تطبیق وترجمة هذه الخطط وصلت العلاقة بین البلدین الي مرحلة ت}أزم خطیرة .
لا یتردد ابراهیم بالحدیث عن كسوف الدبلوماسیة السعودیة . فالفریق الدبلوماسی موتور ومفتون بالازمات وصناعة المشاكل ولیس البحث عن بناء علاقات .
ادارة ملف الأزمة الاخیرة مع قطر جاءت لتؤكد الاستنتاج السائد .یلفت ابراهیم الي ان السلطة السعودیة اعتقدت ان الازمة مع قطر ستكون خاطفة وانها ستؤدی الي ثمار بشكل سریع الا انهم اكتشفوا ان اللعبة لیست سریعة كالعاب الاطفال الالكترونیة .فقد اجترح القطریون الحلول بشكل سریع واستفادوا من تجربة الازمة فی العام 2014 عندما هددت السعودیة قطر باخراجها من مجلس التعاون الخلیجی والجامعة العربیة . هذه الاحتمالات درستها قطر فنسقت مع ایران وتركیا وانفتحت علي الاوروبیین ما ادي الي كسر المناخ المعادی لها .
ویشیر ابراهیم الي ان السعودیین لم یحسنوا ادارة المعركة فظل الموقف الامیركی ملتبسا وهو تغیر وتبدل وصولا الي تشكیك وزیر الخارجیة الامیركی بالاسباب التی تحدث عنها السعودیون .ویتابع ان القطریین لن یخضعوا للشروط السعودیة المذلة وان الازمة السعودیة القطریة ستؤكد ان السیاسیة الخارجیة السعودیة مكشوفة وصانعة للأزمات وعاجزة عن انتاج الحلول .
فی نفس السیاق یأتی كلام المتابع للشؤون الخلیجیة الاعلامی اللبنانی طارق ابراهیم الذی یري فی حدیث لوكالة انباء الجمهوریة الاسلامیة الایرلنیة ان الدبلوماسیة السعودیة الیوم اصبحت هجومیة مباشرة وقد تخلت عن ای توریة او مواربة .ویلفت الي ان كل السیاسات السعودیة خاصة تجاه الخارج لا یمكن فصلها عن السیاسة الامیركیة . هذا الواقع یتعزز الیوم مع وصول محمد بن سلمان الي السلطة . لن یعود هناك من مجال للفصل بین سیاسة كل من واشنطن والریاض –یقول طارق ابراهیم- سنكون مع وجهین لعملة واحدة .
ویضیف ان زیارة ترامب الي الریاض كانت المحطة التی كرست خروج الدبلوماسیة السعودیة من شكلها التاریخی .انتقلت الریاض الي مرحلة الهجوم المباشر فحددت الجمهوریة الاسلامیة الایرانیة كعدو لها ثم انتقلت لممارسة الضغوط علي قطر ویتوقع الاعلامی اللبنانی ان تجر هذه السیاسة المنطقة الي نزاعات اقلیمیة وحروب دمویة .
شخصیة محمد بن سلمان تبدو المحرك الاساسی لهذه السیاسة السعودیة . یتحدث طارق ابراهیم عن الامیر الذی لا یمتلك التجربة الناضجة ویعتمد علي علاقات مع شخصیات امیركیة واخري تدور فی الفلك الصهیونی وابرز هؤلاء صهر الرئیس الامیركی كوشنر الذی یمتلك حظوة كبیرة عند ترامب خاصة فی قضایا منطقتنا .یتخوف طارق ابراهیم من ان یورط كوشنیر ابن سلمان بحروب تدفه ثمنها السعودیة نفسها وتستفید منها واشنطن كما هو حاصل الیوم فی الازمة مع قطر . یفسر ابراهیم الموقف الامیركی بانه عبارة عن توزیع ادوار بین البیت الابیض من جهة ووزارتی الدفاع والخارجیة من جهة اخري بما یضمن لواشنطن دور ضابط الایقاع والاهم دور المستثمر فی الازمات .