قالت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، إن مجموعة من المستوطنين اليهود يقومون بالترويج لمشاريع يقول معارضوها إنها ستغير التوازن التاريخي والديني والسياسي الدقيق في المناطق ذات الرمزية العالية بالقدس.
وحذرت الصحيفة من أنه يجري العمل عليها في القدس الشرقية تحت اسم ”الخط الانزلاقي“ (Zip Line) في تقرير بعنوان "مدينة مقدسة أم مدينة ملاهي؟".
وعرضت ما تروج له مجموعة من المستوطنين اليهود من مشاريع تبدو سياحية، حيث تتضمن "تلفريك" وجسرا للمشاة ومراكز للزوار، إلى جانب مزرعة نموذجية تم بناؤها بالفعل، لكنها تغييرات بنيوية يصفها معارضوها بأنها ستحول ما تبقى في القدس القديمة من المناظر الطبيعية المفتوحة والمتدحرجة حول المدينة إلى نوع من "ديزني لاند" يشوه الأفق الأيقوني للمدينة المقدسة.
وبحسب التقرير، فإن سلسلة التلال الخلابة في القدس، ذات التاريخ القديم، تعد وجهة مفضلة للزوار الذين يأتون لالتقاط صور بانورامية للقباب والأبراج في المدينة القديمة عبر واد مشجر، وتتضمن هذه المشاهد تلالا تسمى إحداها "تلة مستشار الشر"، يعتقد الكثيرون من المسيحيين أنها "المكان الذي تآمر فيه يهوذا لخيانة يسوع المسيح عليه السلام".
ويخطط المستوطنون الإسرائيليون لتمرير الخط الانزلاقي من هناك بدعوى التسهيل على الزوار الوصول إلى الوادي الأخضر المعروف باسم غابة السلام، لكن التلال والوادي تحتها يمتدان على طول خط التماس شديد الحساسية بين القدس الشرقية ذات الغالبية الفلسطينية والجانب الغربي الذي يغلب عليه الطابع اليهودي من المدينة، وفي مجملها تشكل جزءا من المشهد التاريخي حول أسوار المدينة القديمة المعروفة باسم الحوض المقدس، وهي منطقة مليئة بالآثار والأضرحة لجميع الديانات التوحيدية الرئيسة الثلاث.
وتنقل نيويورك تايمز عن معارضي هذه المشاريع قناعتهم، أنها جزء من استراتيجية سياسية أكبر لمحو الخط الفاصل بين القدس الشرقية والغربية وتعزيز مطالبة الاحتلال الإسرائيلي بالسيادة على القدس بأكملها، ويقولون إن الهدف هو تأكيد التاريخ والثقافة اليهودية للمناطق المحملة بالحساسيات الدينية والسياسية، والتقليل من شأن شخصيتهم الإسلامية أو المسيحية أو الفلسطينية.
"لا أحد يقول إنه لا يوجد الكثير من التاريخ اليهودي هنا"، هذا ما قاله أوري إرليش من منظمة إميك شافيه، وهي جماعة إسرائيليّة تعارض استغلال التراث الثقافي كأداة سياسية في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. "لكن ذلك يعتمد على القصة التي تريد سردها".
فالمطورون يصرون على أن الخطط – التي كان بعضها قيد العمل منذ سنوات – ستعيد الحياة إلى المناطق المهملة منذ فترة طويلة والتي كان من الصعب الوصول إليها، وتعرضت للتخريب والحرق العمد، لكن المستوطنين الإسرائيليين سيخلّون بالتوازن الدقيق في القدس، وهو الذي شهد الشهر الماضي تصاعدًا في التوترات، خاصة حول المدينة القديمة، بحسب الصحيفة الأمريكية.
وقد تمت الموافقة على معظم المشاريع في اللجان الحكومية دون الكثير من التدقيق العام، لذلك كان هناك القليل من النقاش حول التأثير المحتمل، فالكثير من الأراضي المعنية كانت حتى الآن مساحات خضراء مفتوحة، مع القليل من التنمية أو دونه، وإضافة إلى الخط الانزلاقي، تشمل الخطط جسرًا معلقًا للمشاة عبر مساحة خضراء محفوظة أسفل أسوار المدينة القديمة المعروفة باسم وادي ربابه، موقع القرابين القديمة والمدافن، وفقا للصحيفة.
وتقع المزرعة النموذجية المقترحة في أرضية الوادي، ومن المقرر أن ينقل التلفريك المثير للجدل الزائرين عبر الوادي نحو المدينة القديمة وحائط البراق، وكان الاحتلال الإسرائيلي استولى على القدس الشرقية من الأردن في حرب عام 1967 ثم ضمتها إليها، وتعتبر أرضًا محتلة.
ويعرض التقرير، كيف أن منظمة المستوطنين اليهود الخاصة، "مؤسسة مدينة داوود" (إلعاد) تشارك مع وكالات حكومية محلية ووطنية للمساعدة في تطوير مناطق الجذب، وهذه الوكالات تقدم الكثير من التمويل والدعم للتنقيب ونقل العائلات اليهودية إلى المنازل في القدس القديمة.
ويزعم نائب رئيس "إلعاد"، دورون سبيلمان، أن مجموعته تعمل لصالح اليهود والمسيحيين والمسلمين في القدس، لكن بعض المعترضين على هذه المشاريع سمّوها "الاستيطان السياحي"، ورأى أفيف تاتارسكي من منظمة "عير عميم"، وهي جماعة مناهضة للاستيطان تعمل من أجل حل عادل للإسرائيليين والفلسطينيين في القدس أن هذه ليست طريقة إلعاد المعتادة للتركيز على الجوانب التاريخية والدينية والأيديولوجية والأثرية، وأن المجموعة كانت تغير مسارها، في محاولة لمناشدة الجماهير بالترفيه لتغيير طابع هذه المناطق.
وقد يستغرق استكمال الخط المضغوط والتلفريك سنوات، بسبب مشاكل قانونية أو بيروقراطية أو تمويلية، مع ميزانيات تصل إلى ملايين الدولارات، ويؤكد الفلسطينيون المقدسيون ملكيتهم لبعض الأراضي التي يتم تطهيرها الآن وتنسيقها في وادي هنوم، الذي تم إعلانه كجزء من متنزه أسوار القدس الوطني في عام 1974.
ونقلت نيويورك تايمز عن شادي سمرين، وهو فلسطيني يعيش على إحدى التلال بالقدس، إن لديه وثائق تعود إلى مئات السنين تثبت ملكية عائلته لبعض الأراضي التي يقوم الإسرائيليون الآن ببناء المدرجات وممرات المشاة والجدران عليها.
بدورها، قالت هاجيت أوفران، من وحدة مراقبة المستوطنات التابعة لمنظمة "السلام الآن"، إنها ”تنظر لما يجري في القدس الشرقية على أيدي المستوطنين والحكومة بأنه تهويد للمنطقة وتحويل المواقع الإسلامية والمسيحية إلى مجرد جزر.