شجب الحكومة العراقية للهجمات على الأمريكيين في أراضيها يقتصر على مقر السفارة الأمريكية، ولا يشمل الهجمات على الجنود الأمريكيين، حيث إن عدداً كبيراً من العراقيين يعتبرونهم قوات احتلال.
شهدت الأسابيع الماضية سلسلة طويلة من الهجمات على المواقع التي يشغلها الجنود الأمريكيون في العراق، كما استهدفت الميليشيات مبنى السفارة الأمريكية في بغداد، وأطلقت صواريخ باتجاه الأمريكيين في سوريا. وكان من اللافت أن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أجرى اتصالات متكررة برئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، وزار بغداد مرة واحدة، وكانت البيانات الأمريكية تشير دائماً إلى ضرورة حماية الجنود والدبلوماسيين الأمريكيين، واعتبار ذلك مسؤولية الحكومة العراقية لأنها الحكومة المضيفة. واتصل وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن بالسوداني أقلّه مرة، وكرر بيان البنتاجون في حينه ما قالته بيانات وزارة الخارجية، ومن ضمنها شكر الحكومة السودانية لأنها اعتبرت الهجمات عملاً إرهابياً.
لكن لدى التحقق من مضمون الاتصالات بين الوزراء الأمريكيين ورئيس وزراء العراق تبّين أن هناك خلافا عميقا بين الطرفين. مصادر في واشنطن أكدت أن كلام الحكومة العراقية الذي شجب الهجمات كان مقتصراً على مقرّ السفارة الأمريكية، ولا يشمل الهجمات على الجنود الأمريكيين، وقد عبّر الوزيران بلينكن وأوستن في اتصالاتهما عن تمسكهما بأن يكون الالتزام والشجب العراقي شاملاً للهجمات على الجنود الأمريكيين. ليست هناك تفاصيل كثيرة حول حصيلة المطالبة ولكن يبدو أنها لم تصل إلى نتيجة.
رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أبدّى رفضه القاطع للغارة الأمريكية ردّاً على الهجمات التي تشنّها الميليشيات، واعتبر في أحاديثه مع المسؤولين الأمريكيين أن الولايات المتحدة خرقت بشكل سافر السيادة العراقية عندما أخذت القوات الأمريكية المبادرة وقصفت مواقع لإحدى الميليشيات العراقية وقتلت عدداً من العناصر بعد ساعات من هجوم على الجنود الأمريكيين. الأمريكيون كرروا خلال اتصالاتهم أن هذا حق الردّ وتمسّكوا بفعل الأمر ذاته في المستقبل.
قالت مصادر خاصة إن هذا الخلاف دفع الطرفين للبدء جدّياً ببحث جدول زمنيّ لخروج القوات الأمريكية من الأراضي العراقية. لم تؤكد هذه المصادر أن العراق هو الذي بادر بالطلب لكنه من الواضح أن الكلام عن انسحاب الأمريكيين حدث أكثر من مرّة. معلومات سابقة كانت ذكرت أن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، أشار في محادثات مع رئيس الوزراء العراقي إلى أن تكرار الهجمات سيعني انسحاب الأمريكيين وباقي قوات التحالف من العراق لأن الأمر غير مقبول، وهذه المرّة يبدو أن العراقيين هم الذين طرحوا مسألة الانسحاب بسبب الغارة الأمريكية على موقع كتائب حزب الله العراقي يوم 21 نوفمبر الماضي.
المأزق يبدأ من أن الحكومة العراقية تعتبر أنه من الصعب معارضة الهجمات على القوات الأمريكية، فكثير من العراقيين ينظرون إلى القوات الأمريكية على أنها قوات احتلال ولا يمكن الدفاع عنها مثلما يتمّ الالتزام بحماية الدبلوماسيين الأمريكيين على أراضي الدولة المضيفة. كما يعتبر العراقيون أنه بعد القصف لم يعد وجود القوات الأمريكية في العراق استشارياً ومساعداً كما تمّ الاتفاق عليه مع إدارة جو بايدن نهاية العام 2021 وقد بدأت المهمة الجديدة للأمريكيين في العام 2022.
فالأمريكيون يعتبرون أن العراق مصلحة استراتيجية لهم ولا يريدون الانسحاب منه، وهذا ما أكده متحدثون باسم الحكومة الأمريكية منذ أسبوعين لدى سؤالهم عن الأوضاع في العراق. كما يقول الأمريكيون أن مهمتهم في العراق ما زالت ضرورية في مواجهة داعش والتأكد من عدم عودة التنظيم الإرهابي إلى أي نشاط سابق، ولا يفصحون عن أن حضورهم في العراق يساعدهم لتحقيق أهداف أخرى، مثل موازنة النفوذ الإيراني المتصاعد على الأراضي العراقية.
العراقيون من جهتهم، أقلّه حكومة رئيس الوزراء لم تكن ترغب في خروج الأمريكيين والآن هي لا تريد خروجاً فوضوياً أو في أجواء عكرة. عندما غادرت القوات الأمريكية في نهاية العام 2011 كان هناك حرص لدى الحكومة العراقية على أن تبدو الأمور باتفاق الطرفين، وأبدى الطرفان حرصاً واضحاً على بعض التفاصيل مثل برامج التسلّم والتسليم.
من غرائب العلاقات بين البلدين أن جو بايدن الرئيس الحالي للولايات المتحدة قام بزيارة للعراق في حينه وكان نائب الرئيس الأمريكي حينها، ولويد أوستن كان قائد القوات الأمريكية في العراق عندما أنزلوا العلم وغادروا وهو الآن وزير الدفاع الأمريكي.
يؤكد العراقيون أنهم لا يريدون استبدال الحضور الأمريكي بأي حضور أو نفوذ آخر في تلميح إلى الوجود العسكري والسياسي الإيراني، لكن الحكومة الحالية ستجد هناك ضرورة لموازنة التيارات العراقية المختلفة، فحتى الآن ليست هناك معارضة لخروج الأمريكيين، لكن حكومة إقليم كردستان وبعض التيارات العراقية السنّية ربما تجد في خروج الأمريكيين فراغاً لم تكن تتمنّاه، فيما تدعو تيارات أخرى مثل التيار الصدري والميليشيات الموالية لإيران إلى خروج القوات الأمريكية وتعتبرها قوات احتلال.