بعدما أصبحت تونس المصدرة الأولي للتطرف والإرهاب كان لزاما على المركز الدولي أن يقدم مقاربات وورقات للتصدي لهذا السرطان الخطير وأن يساهم في هذا المحور الهام الذي يهتم بدور المؤسسات التربوية والدينية في تعزيز ثقافة التسامح ومناهضة خطاب الكراهية والتطرف.فسنتحدث في هذه الورقة عن "دور المؤسسات الدينية في مناهضة خطاب الكراهية والتطرّف"، فهذا الموضوع مركب معقدقد يؤدي لآفة الإرهاب ؟
إن أهمّ النقاط المتعلّقة بالسؤال الإشكاليّ التالي: ما المقصود بالمؤسسات الدينية وأيّ دور يمكن أن تلعبه في مناهضة الكراهية والتطرّف؟
غالبا ما نستعمل مصطلح "المؤسسات الدينية" باعتبارها المؤسّسات الرّسمية التي تهتمّ بالشأن الدينيّ، ولكنّنا نعتقد أنّ مفهوم المؤسسات الدينية قد يكون أوسع وأشمل، ليشمل المنظمات ومراكز البحوث والإعلام(( والجمعيات))فكلّها قد تسهم في مناهضة خطاب الكراهية والتطرّف.
وجدير بالذّكر أنّ الجمعيات اليوم تعتبر سلاحاً ذا حدين، فقد تُوظَّف لخدمة السلام والتسامح والحوار وقد تستعمل في المقابل لتأجيج نار الكراهية والصراع والتطرّف.كما هو حالنا اليوم الذي كشفت فيه جمعيات من ورائها أحزاب أنشأتهاوبلدان أجنبية مولتها فأصبحت بؤر لتسفير الشباب إلى المحارق باسم الدين والدين منهم براء.
ولنا أن نسأل كيف للجمعيات أن تسهم في مناهضة خطاب الكراهية والتطرّف؟
يمكن للجمعيات أن تسهم في مناهضة الكراهية والتطرّف من خلال طريقين:
الطريق الأوّل يتعلّق بمراجعة وضيفة الجمعيات ودورها في مناهضة خطاب الكراهية والتطرف.
أمّا الطريق الثاني فيتمثّل في تأسيس ثقافة دينية جديدة تقوم على الاختلاف والتنوّع وتؤمن بالحوار والتعاون بين البشر.
فالمركز الدولي له بعض المقترحات التي تهدف في مناهضة خطاب الكراهية والتطرّف:
ضرورة تدريب رجال الدين والإئمة الخطباء والوعاظ والصحفيين المختصين في الإعلام ّ الديني لمناهضة خطاب التكفير والكراهية والتطرّف والغلوّ ونشر ثقافة التسامح والاعتدال والحوار والعيش المشترك، ويكون ذلك من خلال برامج عمل متنوعة الأنشطة يشارك فيها الأكاديميون وعلماء الدين والشخصيات المؤثرة في المجتمع والشباب، ويمكن لهذه الأنشطة أن تأخذ شكل معسكرات شبابية أو ورشات عمل أو دورات تدريبية أو طاولات مستديرة أو محاضرات عامة ولقاءات دورية مع المجتمع الشبابي.
عقد لقاءات فكرية بين مختلف الأديان قصد تحقيق التعارف والتواصل وتذليل الصعوبات والتعاون من أجل مواجهة خطاب التطرّف والتشدّد الديني، وذلك من خلال نشر الكتب والدوريات المختصّة، وتنظيم الأنشطة الثقافية المشتركة.
الاهتمام بالمدارس الدينية (الخاصة) والروضات القرأنية إذ تلعب هذه المدارس دوراً مزدوجاً خطيراً، يتمثّل إما في تكريس ثقافة الكراهية والتطرّف من جهة، أومناهضة خطاب الكراهية والتشدّد من جهة ثانية، ورغم إشراف وزارات الاختصاص على هذه المدارس، فإنّ بعضها يخرج عن السيطرة ممّا يجعلها أحيانا رافداً من روافد الفكر المتشدّد الداعي إلى الكراهية والتطرّف،
ضرورة مراجعة وتطوير وظيفة مؤسسات التعليم فبعض الكتب مازالت تحتوي نصوصا تاريخية وأدبية ودينية قد تحرّض على الكراهية والتطرّف وتعزيز العنصرية وتفوق الاعراق والاديان، ولا غرابة أن نجد عددا كبيرا من طلبة الجامعات وأصحاب الشهادات العليا في مختلف الاختصاصات ممّن درسوا في أعرق الجامعات الغربية والعربية يلتحقون بالتنظيمات الإرهابية ويتبنون خطاباً متشدداً يقوم على الكراهية والتطرف، وهذا يعني أن خطاب الكراهية والتطرّف نتج في جزء منه عن برامجنا التعليمية، أو أننا لم نعطي هذا الجانب حقه من التعليم الصحيح الواضح فيشأ الجيل الجديد حائراً وصيداً سهلاً لجمعيات الحقد واتلكراهية.
وفي هذا السياق الحقوقيّ ندعو إلى حماية المتعلّمين في مختلف المستويات التعليمية (قبل المدرسة/أثناء المدرسة/ ثم الجامعة) من تأثير البرامج التعليمية الموجهة نحو خطاب الكراهية والمغالاة وتوجيه المعلّمين لهؤلاء الطلاب نحو ثقافة السلام والتعايش واحترام الآخر، وكذلك لا بدّ من مراجعة الكتب الدراسية و حذف كلّ العبارات التي تتبنّى مفاهيم الكراهية والتطرف واستبدالها بعبارات تحثّ على التسامح والتواصل والتعاون.
لا بدّ من إرساء منظومة حقوقية على مستوى مؤسسات حقوق الإنسان تعمل على حماية المتعلّمين من خطاب الكراهية والتطرّف مهما كان مصدره.وفي الختام لا بد من صياغة مشروع متكامل يشارك فيه كل المجتمع المدني للتصدي لهذا الداء الخطير.
ولا يسعنا إلا نضع بين أيديكم النجاحات التي حققها المركز الدولي منذ تأسيسه سنة 2016. فلقد إستطاع إقناع العديد من الشباب باستراتيجيته الواضحة وأهدافه الهادفة من خلال المنتديات واللقاءات والمسامرات والأنشطة الثقافية والعلمية والترفيهية وقوافل التي جابت العديد من الولايات التونسية تحت عنوان" قوافل الفكر الإصلاحي" التي آتت أكلها بملاقات الشباب والشابات.لتنوير عقولهم ودرئ المفاهيم الخاطئة تجاه الدين.
سماحة الشيخ الزيتوني لطفي الشندرلي