مس اعتراف الرئيس الامريكي دونالد ترامب بالقدس عاصمة لاسرائيل والذي يرفضه جزء كبير من المجتمع الدولي رفضاً قاطعاً أرمينيا واللوبي الأرمني بصورة مباشرة. وأنها توقفت "عند مفترق الطرق" بتعبير آخر.
ليس سراً أن أغنى الجالية الأرمنية في العالم هي في أمريكا. ولن تعارض هذه الجالية سياسة البيت الأبيض.
أولا، يمكن أن يؤثر سلباً على أعمال الأرمن المربحة جداً في الولايات المتحدة.
ثانيا، سيكون هناك "سوء فهم على حافة الصراع" مع اللوبي القوي الآخر في الولايات المتحدة وهي اللوبي اليهودي، الذي يعتمد اللوبي الأرمني على دعمه لاعترافه ب"الإبادة الجماعية عام 1915" الأسطوري التساوي للإبادة الجماعية الفعلية لليهود خلال الحرب العالمية الثانية - المحرقة .
ومع ذلك، لا يمكن لأرمينيا أن تعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل. لأنه بعد هذا الاعتراف مباشرة ً لا شك في حتمية قطع العلاقات مع إيران ومعظم الدول العربية.
يزيد الوضع تعقيدا في أن أحد الأحياء التاريخية الأربعة للقدس هو الأرمني. وقد ظهر هذا الحي على وجه التحديد في سنوات الإمبراطورية العثمانية التي يكرهها الأرمن.
عموماً وبسبب مجهول لا أحد في العالم يقول اليوم إن السلطان العثماني كان مالكاً شرعياً أخيراً للقدس والذي لم تكن شرعيته موضع الشك من قبل أي جهة في العالم (بما في ذلك اليهود والعرب والولايات المتحدة وروسيا).
وإذا ظلت الإمبراطورية العثمانية حتى يومنا هذا كانت القدس مدينة متعددة الجنسيات ومزدهرة في هذه الدولة والتي تتسع للجميع - العرب واليهود والأرمن الأقوام الأخرى أيضاً.
وضع انهيار الإمبراطورية العثمانية بذاته عدداً هائلاً من "القنابل الموقوتة" في بنية الشرق الأوسط وأشعل الكثير من الصراعات. ساهم المواطنون الأرمن للدولة في اقتراب سقوط الإمبراطورية العثمانية بتمردهم وخياناتهم ضد حكومتهم الشرعية وأجبروها على اللجوء إلى ترحيل السكان الأرمن من المنطقة الأمامية للجبهة إلى المستوطنات في عمق البلاد. بما في ذلك في سوريا من حيث انتقل جزء من المرحلين إلى فلسطين وزادوا عدد سكان القدس.
هناك ترابط تاريخي بين قضية القدس و"الإبادة المزعومة" للأرمن (في الواقع الترحيل القسري) أكثر مما يبدو للوهلة الأولى.
بعتقد بعض الأرمن أن "المافيا الأنجلوسكسونية واليهودية" هي القوة التي حققت "الإبادة المزعومة" للأرمن وثورة البلاشفة. وقد طرح هذا الاحتمال على وجه الخصوصم في عام 2015 السكرتير التنفيذي وعضو هيئة رئاسة المجلس الالعلمي لأكاديمية القضايا الجيوسياسية آراييك ستيبانيان في برنامج قناة "Pravda.Ruk" للفيديو. وبحسب كلامه بهذا السبب بالذات لم تعترف الولايات المتحدة وبريطانيا قط ب"الإبادة الجماعية المزعومة" للأرمن في عامي 1915-1916 من القرن الماضي بأنها إبادة جماعية. ويدعي الخبير أن الدولة العثمانية نفذت طلباتهما ل"كنس" الأراضي لإقامة دولة إسرائيل، وفي المقابل ساعدت الأموال المسروقة من الأرمن المقتولين في تنظيم الثورة البلشفية. وكانت "الأموال المسروقة" بمبلغ كبير قدره 12 مليار فرنك.
يدعي آراييك ستيبانيان أن مصالح الأنجلوساكسون في تدمير الأرمن كانت متماشية مع مصالح الأتراك (ولكن لا يفسر تماماً الأسباب التي جعلت من هذه الشعوب ذات "المصالح المشتركة المناهضة للأرمن" تتقاتل بلا رحمة أثناء الحرب العالمية الأولى). وذلك لأن الأرمن كان لها تأثير كبير في المنطقة وكانوا يحتلون مناصب هامة في الإمبراطورية العثمانية، بما في ذلك الوزراء والشئون المالية. أجمع الأرمن حوالي 60%من التجارة في الامبراطورية العثمانية في أيديهم. وفقا لآرييك ستيبانيان، وهذا لم يرض العديد من القوميين الأتراك.
بطريقة أو بأخرى، ولكن إذا رغب الأرمن في ذلك، كان من الممكن أن يعارضوا إسرائيل.
وفي الوقت نفسه، يستغل السياسيون الأرمن من زمان وبنشاط قضايا "التاريخ" وترابطها مع الحداثة لأغراضهم المرضية. ويزيد الاستغلال من تعقيد الوضع. خاصة إذا أخذت في الاعتبار أن الحي الأرمني يقع في الموقع الرئيسي في المركز التاريخي للقدس.
وحتى الآن، لم يعان الحي الأرمني من القدس والأرمن المقيمون هناك من المواجهات العربية الإسرائيلية الأخيرة، ولكن لا أحد يضمن أن الوضع لن يتدهور مرة أخرى.
وقال الأرشمندريت للبطريركية الأرمنية في القدس كوريون بغداسريان على وجه التحديد إنه إذا استمرت المواجهات فأنها ستصل الى حي الأرمن أيضاً.
وقال كوريون بغداسريان:" كنا ننتظر عدداً كبيراً من الحجاج الأرمن في عطلة المهد التي على الأرجح سنحتفلها هذا العام من دونهم. واذا تواصلت المواجهات فان الحجاج الارمن لن يأتون لاسباب أمنية ".
وهذا سيؤثر بالتأكيد على التدفق السياحي بشكل عام والذي بدوره سيؤثر على الاقتصاد. ويشارك الأرمن المحليون في أعمال التجارة والفنادق أساساً، حيث سيؤثر ذلك في المقام الأول على الأرمن المحليين.
وتأمل البطريركية الأرمنية في القدس أن يتغير الوضع قريباً وألا يحدث المزيد من المصادمات التي لها عواقب سلبية على المجتمع.
وكان بطريرك الكنيسة الأرمنية الرسولية في القدس المطران نورخان مانوكيان بين 13 من البطاركة والرؤساء للكنائس في القدس الذين حذروا رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب، قبل إلقائه لكلمته أن التغيير في الوضع القائم في المدينة سيؤدي إلى عواقب لا يمكن إصلاحها.
على أي حال، نظراً للموقع الاستراتيجي للحي الأرمني في القدس من المرجح أن تتفاقم المواجهة بين العرب واليهود لولاء اللوبي الأرمني. ويشعرالأرمن بخير عندما تزيد "حصتهم الذهبية" في السعر. وعلى خلفية "النضال من أجل القدس"، يمكن وقوع أكثر التلاعبات غير المتوقعة، سواء فيما يتعلق بالقضايا التاريخية أو بقضايا التوجه الجيوسياسي لأرمينيا.
kavkazplus.com
الإعداد والترجمة : د. ذاكر قاسموف