قال الدكتور إيميل رحيموف، قنصل أذربيجان بالقاهرة، إن مأساة يناير الأسود لن ينساها التاريخ، لأنها تعتبر من أكبر الجرائم في تاريخ الإنسانية، موضحًا أنها لم تكن المأساة الوحيدة التي عاشها مواطن, بلاده، والتي جاءت كعقاب لهم على رغبتهم في التحرر من سيطرة الاستعمار وسيطرة الاتحاد السوفيتي السابق.

وتحيي جمهورية أذربيجان في هذه الأيام، ذكرى مرور 29 عامًا على أحداث مذبحة يناير الأسود، والتي قامت فيها قوات الجيش السوفييتي باجتياح العاصمة باكو من جميع الاتجاهات برًا وبحرًا، وذلك في ليلة 20 يناير 1990، وأطلقت الدبابات مدافعها الرشاشة تجاه المتظاهرين السلميين المطالبين بالاستقلال عن موسكو، لكي تحصد أرواح الآلاف من الأبرياء، في محاولة لإنقاذ النظام الشيوعي من الانهيار الذي حدث بعد شهور قليلة، وتفككت الجمهوريات التابعة له.

وأكد رحيموف، خلال ندوة عقدها مركز الحوار للدراسات السياسية والإعلامية، مساء اليوم، الإثنين، بعنوان: "20 يناير.. ذكرى مأساة باكو.. قراءة في كتاب"، أن غزو قوات الاتحاد السوفيتي للعاصمة باكو، مثل صدمة للشعب الآذري، ولم يتوقع أحد أن يكون الهجوم بهذه الوحشية، خصوصًا وأنه لم يقدم للسلطة البلشيفية إلا كل خير، حيث كان البترول والغاز المستخرج من أراضي أذربيجان، صاحب الفضل الأول في انتصار السوفيت على الجيش الألماني النازي ودول المحور في الحرب العالمية الثانية، حيث كانت إمدادات النفط تذهب مباشرة إلى الجبهة، فضلا عن ذهاب 80% من إجمالي الإنتاج النفطي إلى موسكو طوال 70 عامًا هي عمر جمهورية أذربيجان السوفيتية، مشيرًا إلى أن قرابة 600 ألف أذري شاركوا في الحربين العالمية الأولى والثانية، رحل خلالهما عن الحياة 300 ألف شخص عن الحياة بخلاف مئات الآلاف من المصابين، كما لم يرحم الهجوم النساء ولا الأطفال أو المسعفين.

وأوضح رحيموف، أنه رغم ذلك فإن العلاقة بين أذربيجان وروسيا في الوقت الحالي في منتهى القوة، وأن هناك موروثًا ثقافيًا ولغة مشتركتان يجمعان الأذريين بالروس، مشيرًا إلى أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عندما يزور باكو يزور مقبرة شهداء مذبحة 20 يناير، ويضع إكليلا من الزهور عليه، اعترافًا منه بالجريمة التي ارتكبتها موسكو في ذلك الوقت، مضيفًا أن أذربيجان تقيم علاقات خارجية متوازنة بين اللاعبين الثلاثة الكبار في آسيا روسيا وإيران وتركيا.

وأبدى قنصل أذربيجان تعجبه من المجتمع الدولي، الذي منح ميخائيل جورباتشوف آخر رئيس للاتحاد السوفيتي، جائزة نوبل للسلام، رغم أنه المتسبب الرئيسي في تلك المذبحة، مؤكدًا أن ذلك يعتبر إزدواجية في المعايير، لأن جورباتشوف نفسه اعترف عام 1995، بخطئه في إعلان حالة الطوارئ في أذربيجان والسماح بالأحداث أن تسير إلى هذا الشكل الدامي، موضحًا أن بلاده شهدت حالة من القمع خلال أول 20 عامًا من الحكم السوفيتي من 1920 : 1940، حيث تم نفي 170 ألف مواطن إلى مناطق صحراوية في سيبريا وكازاخستان، معظمهم من الأدباء والمثقفين وضباط الجيش ورجال الدين، عقابًا لهم على إظهار هويتهم الثقافية الأذربيجانية والدينية الإسلامية، وأنهم حافظوا بصعوبة على عاداتهم وتقاليدهم.

وعقد مركز الحوار للدراسات السياسية والإعلامية ندوة ناقش فيها كتابًا أصدره الكاتب المتخصص في شئون آسيا الوسطى محمد سلامة بعنوان "يناير الأسود.. الغزو السوفيتي لباكو"، وحضرها كاتب الكتاب، والدكتور عادل درويش، الأستاذ بجامعة حلوان، ومدير المركز الثقافي المصري السابق في أذربيجان، وعدد من الباحثين والمهتمين بشئون وسط آسيا، وأعضاء الجالية الأذربيجانية في مصر.

من جانبه، قال الدكتور عادل درويش، المستشار الثقافي السابق في أذربيجان، إن مأساة 20 يناير، تشكل عدوانًا وانتهاكًا للقونين والمواثيق الدولية، ارتكبها قرابة 26 ألف جندي من الجيش الأحمر السوفيتي، وأنهم أطلقوا مدافع الدبابات والرصاص في كل اتجاه على المتظاهرين السلميين بهدف إنقاذ الدولة الشيوعية من الانهيار، مضيفًا أن مراسم الحداد تقام في أذربيجان كل عام في ذلك التوقيت كل عام وتكتسي باكو باللون الأسود.

وأضاف درويش، أن الهدف الأكبر مما حدث هو قتل أحلام شعب أذربيجان الذي نجح في تأسيس أول دولة ديمقراطية في الشرق الإسلامي عام 1918، لذلك فقد قتل مئات الضحايا واعتقل آلاف آخرين، وتهدم قرابة 200 منزل في مدينة باكو الهادئة عروس بحر قزوين.

وأكد محمد سلامة، الكاتب المتخصص في شئون وسط آسيا، أن الذكرى الحزينة توضحها أرشيفات الكتب ومراكز الأبحاث التي ذكرت عددًا كبيرًا من الأحداث لم يتم تقييمها، خصوصًا وأن السلطات السوفيتية كانت تلقي بجثث الضحايا في بحر قزوين، مضيفًا أنه كان هناك ستار من التعتيم على مذبحة 20 يناير بسبب وجود الدولة تحت الحكم السوفيتي في ذلك الوقت، وأن الكتاب الذي أصدره ضم صورًا كثيرة توضح هذه المعاناة، أفظعها صورة لدبابة سوفيتية تدهس متظاهر أذربيجاني.

وأضاف سلامة، أن السوفيت قاموا بقطع البث التليفزيوني عن باكو، وتم جمع الأسلحة من المتظاهرين وتسليمها للجيش السوفيتي ومنع الأذريين من الدفاع عن أنفسهم، مضيفًا أن الأحداث كانت مقدمة لتفكك الاتحاد السوفيتي واستقلال الدول الموجودة تحت مظلته فيما بعد، وأن ذلك كان الثمن الذي دفعه مواطنوا أذربيجان.

ولفت إلى أن مصر لعبت دورًا بارزًا في تلك الأحداث، رغم البعد الجغرافي بينها وبين أذربيجان، لكن المستشار الدمرداش العقالي، والشيخ يوسف البدري، عضوا مجلس الشعب، تقدما بطلبات إحاطة عاجلة طالبا فيها الخارجية المصرية بإدانة الأحداث الدامية في أذربيجان، ومطالبة القوات السوفيتية بالانسحاب من باكو، وأن البرلمان المصري سجل ذلك في مضبطته في ذلك الوقت، مضيفًا أن من النوادر أن شعب أذربيجان لم يعرف ذلك إلا بعد إتمام الاستقلال نهاية عام 1991، لأنه كان تحت ستار التعتيم السوفيتي.