دعت منظمات غير حكومية فرنسا إلى تحمل مسؤولياتها فيما يتعلق بميراث تجاربها النووية التي أجرتها في الجزائر وبولينيزيا، بمناسبة حلول الذكرى الـ64 لتفجيرها أولى قنابلها الذرية في منطقة رقان تحت مسمى "اليربوع الأزرق".
في 13 فبراير 1960، قامت فرنسا بإجراء أولى تجاربها النووية في صحراء الجزائر في منطقة رقان (جنوب غرب)، تحت مسمى اليربوع الأزرق (Gerboise blue). ففي مثل ذلك اليوم المشؤوم لسكان هذه المنطقة من العام 1960، فجّرت فرنسا أولى قنابلها الذرية والتي كانت تعادل في قوتها التدميرية أربعة قنابل هيروشيما مجتمعة (التي فجرتها الولايات المتحدة في 6 أغسطس 1945 باليابان)، وحوّلت منطقة رقان بولاية أدرار والتي كانت آهلة بالسكان إلى جحيم.
ندد نفس البيان بإصرار فرنسا على إبقاء هذه القضية تحت بند أسرار الدفاع الوطني والأمن، ورفضها تسليم الخرائط الخاصة بمواقع النفايات النووية وتحديد مواقع دفنها. كما عبّرت المنظمات الموقعة عن خشيتها من تداعيات استمرار تعرض السكان للإشعاع في المناطق المتضررة، مشيرة إلى "ارتفاع أعداد حالات السرطان والولادات غير الطبيعية والتشوهات الخلقية" فيها.
من جانبه، دعا "مرصد التسلح" بفرنسا ومقره ليون في بيان مشترك الثلاثاء وقّعت عليه عدة منظمات بما في ذلك منظمة "شعاع"، الحملة الدولية للقضاء على الأسلحة النووية (ICAN) "إيكان" فرنسا، فرع "إيكان" ألمانيا، منظمة الأطباء الدوليين لمنع الحرب النووية (IPPNW)، ومبادرات نزع السلاح النووي (IDN)، الدولة الفرنسية إلى رفع السرية عن الملفات المرتبطة بالتفجيرات والتجارب النووية في الجزائر، وتزويد الأخيرة بالقائمة الكاملة لمواقع دفن النفايات النووية مع وصف تفصيلي للمواد المدفونة.. وتسهيل التعويض وتسريعه للضحايا الجزائريين.
ونوّهت المنظمات الموقعة حسب نفس البيان بإنشاء الرئيسين تبون وماكرون للجنة مشتركة للمؤرخين ودعت إلى تسريع عملها، خصوصا ما يخص عواقب التجارب النووية. كما قال بيان مرصد التسلح بفرنسا إن عدد الجزائريين الذين طالتهم آثار هذه التجارب النووية "لا يقل عن 42 ألف نسمة، يعاني الكثير منهم من أمراض مرتبطة بالتعرض للإشعاع". لكن اللافت، هو تطرق بيان المرصد إلى قضية بالغة الأهمية اليوم، ألا وهي قضية تنقل الغبار النووي المشع إلى دول الجوار، وقال إنه تم اكتشاف آثار للغبار النووي في مناطق نائية مثل السنغال وساحل العاج وبوركينا فاسو والسودان، وحتى في فرنسا أثناء العواصف الرملية. ففي كل عام، تتسبب الزوابع الرملية المعتادة في الصحراء الجزائرية، في نقل الغبار المشع إلى دول أخرى بما في ذلك فرنسا ودول أوروبية أخرى.
يوضح تقرير "جمعية من أجل مراقبة الإشعاعات النووية في الغرب" (ACRO) ومقرها فرنسا، متعلق بالتجارب النووية الفرنسية في الجزائر، بأن تحليلاتها كشفت عن وجود بقايا تلوث إشعاعي ترجع إلى اختبارات القنبلة الذرية التي أجرتها فرنسا في الستينيات، في الغبار الذي تحمله الرياح من الصحراء الجزائرية نحو أجواء أوروبا.
كما أحصت جمعية من أجل مراقبة الإشعاعات النووية في الغرب (ACRO) منذ بداية الستينيات، إجراء فرنسا تجارب نووية جوية في صحراء الجزائر وتحديدا منطقة رقان عام 1960 وحتى التجربة النهائية عام 1996 في بولينيزيا الفرنسية، لـ210 عمليات تفجير نووية.
في ظل التداعيات البيئية التي خلفتها التجارب النووية الفرنسية والتي لا تزال مستمرة في سياق زمكاني، مع استمرار تواجد البقايا المشعة في منطقة التفجيرات وأيضا تنقلها إلى دول أخرى في مناطق شاسعة، هل يدخل هذا التلوث في سياق قانون الجرائم البيئية المعروف تحت مسمى الإبادة البيئية (écocide)، والذي اعتمده البرلمان الأوروبي بالإجماع في 29 مارس 2023؟
اعتمد النص الأوروبي على تعريف اقترحته في الأساس اللجنة الدولية لوقف جرائم الإبادة البيئية، وهو يقول إن كل سلوك يُسبب أو يحتمل أن يسبب الوفاة أو ضررا جسيما لصحة أي شخص أو ضررا كبيرا لنوعية الهواء، ونوعية التربة أو نوعية المياه، والتنوع البيولوجي، وخدمات ووظائف النظام البيئي أو للحيوانات أو النباتات، يُشكل جريمة جنائية عندما يكون غير قانوني ويتم ارتكابه عمدا. يجب على الدول الأعضاء التأكد من أن أي سلوك يسبب ضررا جسيما وواسع النطاق، أو شديدا وطويل الأمد، أو جسيما لا يمكن إصلاحه، يتم التعامل معه على اعتباره جريمة ذات خطورة خاصة ويُعاقب عليه وفقا للأنظمة القانونية للدول الأعضاء" في التكتل.
أجرت فرنسا 17 تجربة نووية بالصحراء الجزائرية في الفترة ما بين 1960 و1966. وعشرات التجارب في بولينيزيا بجزر موروروا وفانجاتوفا المرجانية في الغلاف الجوي وأيضا تحت الأرض.
يرفض القضاء الفرنسي طلبات التعويض المقدمة من أقارب الضحايا. فقد رفضت المحكمة الإدارية في ستراسبورغ بشرق فرنسا في نوفمبر الماضي طلبات من أقارب أشخاص لقوا حتفهم نتيجة للتجارب النووية الفرنسية بالجزائر وفي بولينيزيا بين عامي 1960 و1998، بحجة التقادم. حيث إن القانون الفرنسي يسمح منذ يناير 2010 بالاعتراف بالضحايا المباشرين لهذه التجارب النووية وتعويضهم، لكنه لا ينص على أي تدابير لأقاربهم فيما يتعلق بالضرر المعنوي أو العائلي أو المادي.
ومنذ صدور قانون 2010، أنشئت لجنة لتعويض ضحايا التجارب النووية. وسجل 2282 ملف مطالبات تعويض في الفترة ما بين مطلع 2010 ونهاية 2022. ومع تسجيل 328 طلبا جديدا، فإن 2022 هو العام الثاني من ناحية عدد الطلبات المسجلة بعد 2010. وفي 53 بالمئة من الحالات، تم الاعتراف بالأشخاص كضحايا.