بعد نحو ستة أسابيع من اشتعال فتيل احتجاجات المزارعين في أوروبا، لا يزال التظاهر والغضب من السياسة الزراعية الأوروبية المشتركة سيدا الموقف رغم "التنازلات" التي قدمتها بروكسل لحد الآن في هذا الملف.
ويطالب المزارعون في عدة دول أوروبية بخفض أسعار المنتجات لتمكينهم من تغطية تكاليف إنتاجهم، وبفرض القوانين نفسها المفروضة عليهم على الدول الموردة من خارج الاتحاد الأوروبي. ودعت النقابتان الرئيسيتان للمزارعين في البلاد "FNSEA" و"JA"، للتظاهر بالجرارات بباريس عشية انطلاق النسخة 60 من المعرض الدولي للزراعة بالعاصمة الفرنسية. وأكدت النقابتان بأنه لا يمكن تنظيم صالون الزراعة الذي يحظى بشعبية كبيرة في فرنسا ويزوره سنويا ملايين الأشخاص بشكل طبيعي، وكأن شيئا لم يحدث وكل شيء على ما يرام". ولم يتمكن رئيس الوزراء الفرنسي جابرييل أتال حتى الآن من تهدئة غضب المزارعين الذين يشكون، كما هي الحال في دول أوروبية أخرى، من انخفاض الدخل ومن القوانين البيئية الصارمة والمنافسة التي تشكّلها واردات أرخص ثمنا من خارج الاتحاد الأوروبي.
إسبانيا، التي كانت من أوائل الدول الأوروبية التي انفجر فيها غضب المزراعين، تتواصل الاحتجاجات فيها حيث تظاهر آلاف المزارعين ودخلت مئات الجرارات وسط العاصمة مدريد. وأمام وزارة الزراعة، حمل المزارعون لافتات كتب عليها عالم الريف يموت أو بدون الريف المدينة لا تأكل. ويحتج المزارعون ومربّو الماشية الإسبان منذ أول فبراير للمطالبة بفرض أسعار للمنتجات تمكّنهم من تغطية تكاليف إنتاجهم، وبتطبيق القوانين المحلية على الموردين من دول خارج الاتحاد الأوروبي، وفق ما قال ممثل الاتحاد لويس كورتيس لمحطة "إر تي في إي" العامة. وأوضح كورتيس أن الإجراءات التي أعلنتها الحكومة اليسارية في إسبانيا الأسبوع الماضي ليست كافية لمعالجة المشكلات التي يواجهونها.
وفي اليونان، طالب آلاف المزارعين بالحصول على مساعدات مالية لإنهاء احتجاجهم المستمر منذ أربعة أسابيع، فيما قالت الحكومة إنها تفتقر للموارد لتقديم للمساعدة. لكن رئيس الوزراء كيرياكوس ميتسوتاكيس قال إن الاحتجاجات ستكون مفيدة لإقناع الاتحاد الأوروبي بتغيير سياساته الزراعية. وأضاف لمحطة "ستار تي في" التلفزيونية: هذه وسيلة ضغط لي أيضا، عندما أذهب إلى بروكسل للتفاوض. وتشهد العلاقات بين وارسو وكييف توترا بعدما أعلنت الشرطة البولندية الأربعاء أنها تحقق في مسألة رفع لافتة مؤيدة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال احتجاج للمزارعين ضد المنافسة غير العادلة من أوكرانيا المجاورة. ورفع المزارعون في جنوب بولندا لافتة كتب عليها "بوتين، أعد النظام في أوكرانيا وبروكسل وفي حكومتنا" إلى جانب علم للاتحاد السوفيتي مثبت على جرار زراعي.
من جهتها، قدّمت المفوضية الأوروبية تنازلات عدة في الأسابيع الأخيرة بعدما ألقى المزارعون في كل أنحاء أوروبا باللوم على السياسة الزراعية المشتركة والصفقة الأوروبية الخضراء في المشكلات التي يواجهونها. وجددت دول الاتحاد الأوروبي الأربعاء الإعفاءات على الواردات من أوكرانيا، وذلك وسط عدة مظاهرات للمزارعين في الأيام الأخيرة. لكن النص الذي اقترحته بروكسل وصادق عليه سفراء الدول الأعضاء يشمل فرض تدابير تصحيحية" سريعة في حال حدوث اضطرابات كبيرة في السوق، ومكابح طوارئ" لثلاثة منتجات (الدواجن والبيض والسكر) تثبّت الواردات منها عند متوسط الكميات المستوردة في الفترة 2022-2023، على أن يتم في حال تجاوزها فرض رسوم جمركية. وبات مصير النص بأيدي أعضاء البرلمان الأوروبي.