إنه الاحتلال يا غبى!

مقالات 11:00 27.10.2023

«إنه الاقتصاد يا غبى» هى عبارة فى السياسة الأمريكية استخدمت على نطاق واسع خلال الحملة الانتخابية الناجحة لبيل كلينتون ضد جورج بوش الأب عام 1992. ولبعض من الوقت، اعتبر بوش المرشح الأقوى بسبب خبرته السياسية كرئيس لأمريكا ومعاصرته تطورات سياسية خارجية مثل الانتصار فى الحرب الباردة وحرب الخليج الأولى. اكتسبت العبارة شعبيتها من جيمس كارفيل، كبير مستشارى حملة كلينتون، وتوحى أن كلينتون هو الخيار الأفضل لرئاسة أمريكا لأن بوش لم يهتم بالاقتصاد اهتماما كافيا حيث شهد الاقتصاد الأمريكى موجة من الكساد، فى وقت حاول بوش فيه التركيز على نجاحاته الخارجية.

أصبحت هذه العبارة القصيرة تستخدم وتتغير كلماتها فى حالات يتم فيها توجيه اهتمام الرأى العام إلى قضايا فرعية هامشية لتجنب القضية الأهم والمركزية والتى تنبثق عنها بقية القضايا الهامشية.

 منذ بدء حكمه فى العشرين من يناير 2021، اتبع الرئيس الأمريكى جو بايدن سياسة تقوم على فكرة أنه يمكن أن يتم تجاهل القضية الفلسطينية، وتكملة إبرام صفقات مباشرة مع دول الخليج، الذين كانوا قلقين بشكل متزايد من صعود إيران فى المنطقة وحريصين على الاقتراب من اقتصاد إسرائيل المزدهر القائم على التكنولوجيا. وامتدحت إدارة بايدن الاتفاقيات الإبراهيمية التى توسطت فيها إدارة دونالد ترامب، واحتضنتها هادفة لتحقيق الجائزة الكبرى وهى عقد اتفاقية تطبيع العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل.

من هنا ترى الدوائر الأمريكية، بما فيها البيت الأبيض، أن عملية طوفان الأقصى، تهدف بالأساس لعرقلة أى اتفاق مستقبلى بين الرياض وتل أبيب. وتؤمن هذه الرواية بأن حركة حماس تدرك أن رد الفعل الإسرائيلى المبالغ فيه، والذى يسفر عن سقوط آلاف الضحايا المدنيين، كفيل بانهيار أى اتفاق محتمل مع السعودية. وكلما كان رد إسرائيل أكثر وحشية، زاد احتمال انهيار الصفقة، التى تعد الجائزة الاستراتيجية، حيث إنها علاقات بين إسرائيل والدولة التى يوجد بها الحرمان المكى والنبوى الشريف، أهم مقدسات أكثر من مليار ونصف مليار ممن يدينون بالإسلام، إضافة لما تملكه السعودية من إمكانيات اقتصادية ومالية ضخمة.

تخيلت واشنطن أن الحكومات العربية لا تهتم كثيرا بالشعب الفلسطينى، إلا أنها لم تقدر حساسية القضية الفلسطينية عند الرأى العام المحلى لدرجة إقدام ولى العهد السعودى محمد بن سلمان على وقف مفاوضات التطبيع فى أعقاب الهجوم الإسرائيلى على قطاع غزة.

عملية طوفان الأقصى مثلت صفعة قوية لواشنطن، فى وقت استثمرت فيه إدارة بايدن كثيرا من الوقت والجهد فى زيارات عديدة للمملكة السعودية، للدفع بمساعى التطبيع مع إسرائيل، وربما تكون الرغبة واللهفة لإنجاح هذه الصفقة، قد خلقت عمى بين الجانبين الأمريكى والإسرائيلى على حد سواء، حول ما كان يحدث عبر الحدود فى غزة.

افترض كبار مساعدى الرئيس بايدن أنه يمكن تنحية الشعب الفلسطينى جانبا وتقديم بعض الفتات لتحسين ظروفه المعيشية لإبقائه هادئا، دون الحاجة لمعالجة مصدر العنف الرئيس فى هذه البقعة من العالم، ألا وهو استمرار الاحتلال الإسرائيلى للضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية، والذى مضى عليه الآن أكثر من نصف قرن من الزمان، إلا أن عملية طوفان الأقصى أيقظت هذه الأصوات من أحلامها بعدما أعادت حركات المقاومة وضع القضية الفلسطينية على قمة جدول الأعمال العالمى منذ السابع من أكتوبر الحالى.

شاهد بايدن خلال ما يقرب من نصف قرن من العمل السياسى فى واشنطن، سواء كسيناتور أو كرئيس للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ أو كنائب للرئيس، جهود الرؤساء الأمريكيين والتى انتهت كلها بالفشل فى إقرار السلام بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى بسبب رفض إسرائيل وغياب الرغبة الأمريكية فى الضغط على تل أبيب لفرض حل طبقا للقوانين الدولية.

وفى الوقت الذى عين فيه الرئيس بايدن مبعوثين إلى إيران وليبيا والقرن الأفريقى واليمن، لم يرشح بايدن أى شخصية قيادية للتعامل مع ملف الصراع العربى الإسرائيلى، وإن كان عين مبعوثا للإشراف على ملفات التطبيع العربية الإسرائيلية.

لم تتخذ إدارة بايدن أى خطوات ذات مغزى لمنع الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة من دعم أعمال العنف التى يقوم بها المستوطنون المتطرفون، والتى أدت إلى زيادة فى الوفيات وتشريد المزيد من الأسر الفلسطينية على مدى العامين الماضيين.

وبصورة غير مباشرة أنهت إدارة بايدن الحديث أو وجود دور أمريكى راع لمفاوضات سلام تؤدى لوجود دولة فلسطينية على حدود ما قبل 5 يونيو 1967، مع تجاهل قضية عودة اللاجئين واللاجئات، ورفض أى نقاش بشأن مستقبل مدينة القدس. كما رحب بايدن باعتراف إدارة سلفه ترامب بالمدينة المقدسة عاصمة أبدية وموحدة لإسرائيل، ورفض إعادة فتح القنصلية الأمريكية بها لخدمة الشعب الفلسطينى، واعتبرت أن عملية سلام الشرق الأوسط، أصبحت أحاديث الماضى حيث أنها استمرت منذ أكثر من أربعة عقود، من دون تحقيق تقدم.

 كذلك، تبنت إدارة بايدن والحكومة الإسرائيلية، وبعض الحكومات العربية مبدأ جديدا يرى أن أصل الصراع وقلب المشكلة هو عدم الاعتراف الفلسطينى بإسرائيل دولة يهودية مستقلة، ويرون أنه لم تعد هناك أى إمكانية لقيام دولة فلسطينية، بعدما خسر الجانب الفلسطينى فرصة تاريخية منحت له بين عامى 2000 ــ 2008، وأن الوقت قد حان لحل السلام بين إسرائيل والدول العربية. فى الوقت الذى خرجت فيه الكثير من الدراسات والتقارير تشير إلى أن بديل دولة فلسطينية قد تبخر بالفعل، وإن استلزم إيجاد دولة للشعب الفلسطينى فلتكن الأردن، أو كما يحلم بعضهم بدولة تشمل قطاع غزة، وتضم سيناء.

 وأمل مفكرو هذا الطرح فى أن يساهم حكام عرب فى إقناع أجيال جديدة من الشباب والأطفال العرب بأن «الاحتلال ليس هو أصل القضية». وموازاة مع الشق السياسى يأتى الشق الأكثر خطورة مما نشهده الآن فى نطاق الهرولة العربية «للسلام» مع إسرائيل، وهو ما يرتبط بتغيير المناهج الدراسية التعليمية العربية خاصة فى مواد التاريخ والجغرافيا، وهو ما يدق ناقوس خطر كبير حيث تنشغل نخب العرب وتتوه وسط فوضى الأزمات اليومية التى يحيون فيها، فى حين يركز البعض على جهود لن تتوقف يدعمها خطوات التسامح والتطبيع ودعوات قبول الآخر، حيث تنسى الأجيال الجديدة من الشباب والأطفال العرب وجود احتلال لأراض عربية بها مقدسات دينية.

ويعنى ذلك إنجاح العرب لاستراتيجية إسرائيل فى محاولة إقناع أطفال العرب أن «الاحتلال ليس هو أصل القضية»، وأن احتلال فلسطين ليس قضيتهم على الإطلاق. لذا، أرجعت عملية «طوفان الأقصى» عقارب ساعة التطبيع للوراء، والآن يدرك الملايين من الأطفال العرب مجددا أن الاحتلال هو القضية، وليس ما يخرج منها من قضايا فرعية تشتت التركيز عن أصل الصراع.

محمد المنشاوي 

كاتب صحفي متخصص في الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن 

للتواصل مع الكاتب: [email protected] 

خبير سياسي: يمكن لأذربيجان أن تلعب دور الوسيط بين تركيا وإسرائيل

أحدث الأخبار

سويسرا ترصد 11 مليون دولار للأونروا في غزة
16:00 09.05.2024
روسيا تكشف تفاصيل مشروع قاعدة القمر النووية مع الصين
15:00 09.05.2024
حماس ترحب باعتراف جزر البهاما بدولة فلسطين
14:00 09.05.2024
باكستان تعلن حالة الطوارئ لإلحاق 26 مليون طفل بالتعليم الرسمي
13:00 09.05.2024
أمريكا تلغي تراخيص توريد رقائق الجيل الرابع إلى هواوي الصينية
12:00 09.05.2024
الديمقراطيّ الكردستاني زيارة بارزاني لطهران انعطافة مهمّة في العلاقات الثنائية
11:00 09.05.2024
الجزائر تنتقد شروط فرنسا لاستعادة أرشيف الاستعمار
10:00 09.05.2024
الكويت وتركيا تؤكدان حماية المدنيين في غزّة
09:00 09.05.2024
الملح المدعّم بحمض الفوليك يحمي من التشوهات الخلقية
الملح المدعّم بحمض الفوليك يحمي من التشوهات الخلقية
18:00 08.05.2024
خبير سياسي: يمكن لأذربيجان أن تلعب دور الوسيط بين تركيا وإسرائيل
17:03 08.05.2024
شرطة وارسو تعتقل روسياً فر إلى بولندا
16:00 08.05.2024
الخارجية» الروسية: لا نرى حتى الآن آفاقاً للتسوية في غزة
15:00 08.05.2024
خبير سياسي: قمة المناخ تحمل أهمية كبيرة للسلام الإقليمي
14:00 08.05.2024
خفايا زيارة باشنيان إلي روسيا
13:00 08.05.2024
مؤتمر صحفي للرئيس الأذربيجاني ونظيره البلغاري
12:30 08.05.2024
بدأ الاجتماع الموسع بين علييف ورئيس بلغاريا
12:15 08.05.2024
علييف يجتمع مع رئيس بلغاريا
12:00 08.05.2024
ميرزايف عن ذكري احتلال شوشا : لم أكن أتصور أن يتم احتلال شوشا بهذه الطريقة
11:00 08.05.2024
أسعار النفط تتراجع مع زيادة المخزونات الأمريكية
10:30 08.05.2024
السفيرة أذربيجانية في بريطانيا : أذربيجان وأرمينيا تسيران نحو السلام الدائم
10:15 08.05.2024
ما هي تداعيات اجتياح رفح علي المنطقة؟
10:00 08.05.2024
تيك توك ترفع دعوى لوقف بيع التطبيق أو حظره في أمريكا
09:15 08.05.2024
أنباء عن تولي شركة أمريكية إدارة معبر رفح بعد الحرب
09:00 08.05.2024
الشرطة الهولندية تفض احتجاجاً مؤيداً للفلسطينيين في جامعة أمستردام
17:00 07.05.2024
الرئيس البلغاري يصل اذربيجان في زيارة رسمية
16:30 07.05.2024
تراب رضاييف: دعوة أذربيجان يمكن أن تكون فرصة ذهبية لإحلال السلام في المنطقة
16:00 07.05.2024
علييف يجتمع مع رئيس وزراء سلوفاكيا
13:45 07.05.2024
علي أحمدوف : ثلث دول العالم تعاني من مشكلة الالغام
علي أحمدوف : ثلث دول العالم تعاني من مشكلة الالغام
13:30 07.05.2024
الولايات المتحدة ... اعتقال 2500 خلال المظاهرات المؤيدة لفلسطين
13:15 07.05.2024
قطر: حديقة القرآن تحصل على الاعتماد الدولي في صون الموارد النباتية
13:00 07.05.2024
شي يحث ماكرون على مساعدة الصين في تجنب حرب باردة جديدة
12:45 07.05.2024
حماس توافق على مقترح مصري- قطري لوقف النار
12:30 07.05.2024
مصر ترفع مستوى التأهب في شمال سيناء
12:15 07.05.2024
شولتس يعلن الاتفاق على استخدام عائدات الأموال الروسية المجمدة لشراء أسلحة لأوكرانيا
12:00 07.05.2024
روسيا: سنتعامل مع مقاتلات إف- 16 في أوكرانيا على أنها تحمل أسلحة نووية
11:45 07.05.2024
حماس تحذر إخلاء رفح تطور خطير وسيكون له تداعيات
11:30 07.05.2024
حرب غزة تلقي بظلالها على العلاقات بين إيران وسوريا
11:15 07.05.2024
جهود مصرية لاحتواء التصعيد بين حماس وإسرائيل
11:00 07.05.2024
تركيا.. ضبط 3 آلاف و380 قطعة أثرية في إزمير
10:45 07.05.2024
أردوغان يرحب بإعلان حماس قبولها وقف إطلاق النار
10:30 07.05.2024
جميع الأخبار