تشكل الانتخابات الرئاسية المبكرة في جمهورية أذربيجان أهمية كبيرة ليس لشعب أذربيجان وحسب، بل لشعوب المنطقة والعالم بشكل عام. فهذه الانتخابات المقرر إجراؤها في 7 فبراير 2024. تكمن أهميتها في عدد من النواحي:
أولاً: النضوج الديمقراطي الذي تشهده أذربيجان. حيث تعيش البلاد وسط مناخ سياسي ناضج، تظهر ملامحه من خلال التعددية السياسية وحقوق الإنسان وحرياته وتوطيد مؤسسات المجتمع المدني. حيث كان من نتائج كل هذا الحراك السياسي أنه ينشط في البلاد حاليًا 55 حزبًا سياسيًا، وأكثر من 3 آلاف منظمة من منظمات المجتمع المدني غير الحكومية، وأكثر من 4 آلاف منظمة غير تجارية، إلي جانب الاتحادات النقابية التي تشمل على نحو مليوني شخص في صفوفها نشاطًا حرًا.
ينص قانون الأحزاب السياسية، الصادر عام 2012، علي تخصيص دعم مالي من ميزانية الدولة سنويًا لتمويل فعاليات الأحزاب السياسية. حيث تشارك هذه الأحزاب السياسية مشاركة فاعلة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والبلدية التي تقام في البلاد في جو من الحرية والنزاهة والديمقراطية. وذلك يشير بدوره إلي تشكل التعددية السياسية والنظام السياسي الديمقراطي القائم علي الأحزاب العديدة في أذربيجان. كما ازداد خلال السنوات الماضية بشكل كبير استقلال مؤسسات المجتمع المدني ومن بينها المنظمات غير الحكومية وإمكاناتها. وذلك بعد صدور قرار "مفهوم دعم الدولة للمنظمات غير الحكومية" عام 2007، تأسيس مجلس دعم الدولة للمنظمات غير الحكومية. وقام المجلس الذي بدأ فعالياته عام 2008 بتمويل الآلاف من مشاريع المنظمات غير الحكومية كدعم للمبادرات المدنية.
من ملامح النشاط الديمقراطي في أذربيجان، أن ضمان حرية التعبير والمعلومات والصحافة والإعلام والتعددية السياسية من الاتجاهات الرئيسية لسياسة الدولة. حيث تم سن العديد من القوانين والتشريعات التي تهدف إلي تعزيز القاعدة المادية التقنية لوسائل الإعلام الجماهيرية وتحسين وتوطيد الضمان الاجتماعي للصحفيين والإعلاميين. فإلي جانب وسائل الإعلام التي يزيد عددها عن 5 آلاف، يوجد نحو 20 ألف موقع إلكتروني. ويستخدم الانترنت نحو 80% من سكان أذربيجان البالغ عددهم 10 ملايين نسمة. ويستخدم نحو حوالي 3 ملايين شخص شبكات التواصل الاجتماعي. ويوجد في أذربيجان 11 قناة تلفزيونية، 4 قنوات فضائية، 13 قناة إقليمية، 16 محطة إذاعية.
ثانيًا: أصبحت أذربيجان بعد حرب قراباغ الثانية 2020، وتحرير جميع أراضي قراباغ بعد حرب اليوم الواحد في سبتمبر 2023، مصدر إلهام ليس لشعوب ودول المنطقة وحسب، بل لكثير من شعوب ودول العالم. فقد استعادت أذربيجان سيادتها علي كامل ترابها الوطني بفضل سواعد أبنائها وقوتها العسكرية. إلي جانب المكانة الاقتصادية والسياسية التي باتت تتمتع بها أذربيجان، وومن هنا تستمد الانتخابات الرئاسية المبكرة في فبراير 2024 أهميتها بالنسبة للعالم الخارجي. حيث أصبحت أذربيجان تحظي بكثير من الاهتمام من قبل السياسيين والمراقبين والإعلاميين والمهتمين بالديمقراطية في مختلف دول العالم.
لذلك فإن يوم 7 فبراير 2024 هو يوم حاسم في أذربيجان. حيث تتجه أنظار العالم إلي أذربيجان لمتابعة هذه الانتخابات التي تعد أول انتخابات تجري بعد تحرير أذربيجان كامل أراضيها المحتلة في قراباغ، حيث يقوم شعب أذربيجاني بالتصويت في الانتخابات لأول مرة في خانكندي وشوشا ولاتشين وفضولي وغيرها من المدن المحررة من الاحتلال الأرميني الذي دام لثلاثة عقود من الزمان، وذلك بعد أن عاد أهل هذه المدن إلي ديارهم وأرضهم واستقروا فيها بعدما عاشوا مهجرين بعيدًا عنها علي مدار هذه السنوات، وهذا الحدث التاريخي لن يغير نظرة العالم إلي أذربيجان فحسب وإنما سيكون سببا في تغيير نظرة العالم إلي جنوب القوقاز بشكل عام، ومن هنا تأتي أهمية انتخابات الرئاسة في أذربيجان.
أحمد عبده طرابيك
باحث في شئون آسيا الوسطي والقوقاز