أزمة وخلافات ظهرت قبل أشهر قليلة داخل حركة "نداء تونس"، وأدت إلى انقسام الحزب الحاكم الذّي فاز قبل 4 سنوات في الانتخابات التّشريعية، عندما حصد أغلبية المقاعد في البرلمان.
الخلافات حول مصير الحكومة التي يترأسها يوسف الشاهد (المنتمي إلى الحزب)، قسمت الحركة لقسمين: الأول داعم للشاهد وحكومته، والآخر يدعم المدير التنفيذي للحزب، حافظ قائد السبسي (نجل رئيس الجمهورية).
فالفريق الأول يدعو إلى إجراء تعْديل يقدم نفسه على أساس الهيئة السياسية للحزب (كان له 86 نائبًا والآن 56 من أصل 217)، أما الفريق الثاني فيطالب بتغيير الحكومة.
الصراع ظَهر إلى العلن أواخر أّيار/مايو الماضي، عندما أقر الشاهد، بوجود أزمة سياسية تمر بها البلاد، محملًا مسؤوليتها لحافظ السبسي.
هذا الأخير رد على الشاهد ببيان، أهم ما جاء فيه أنّ "الحكومة الحالية تحوّلت إلى عنوان أزمة سياسية، ولم تعد حكومة وحدة وطنية".
في الأثناء، تتعالى هذه الأيّام أصوات من داخل الحزب وخارجه لإعادة لم شمله بعد أن خسر الانتخابات البلدية الأخيرة أمام "حركة النهضة" ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية في 2019.
واليوم، فإن أصواتًا انشقت على الحزب في فترات سابقة، تنادي بإعادة بنائه من جديد.
قبل أيام، صرح رضا بلحاج منسّق حزب "تونس أولا"، لوسائل إعلام محلية عن مشروع تحالف بين الأحزاب التي انشقّت عن حزب نداء تونس".
وكان بلحاج أكد أن "المشاورات متواصلة للعودة لحركة نداء تونس، مع عدد من الشخصيات السياسية المستقيلة من الحزب".
الرّئيس التونسي الباجي قائد السبسي ومؤسس "نداء تونس"، اجتمع بدوره مؤخرًا بالكتلة البرلمانية للحزب في لقاء كان عنوانه "الوضع العام بالبلاد والأزمة السياسية الرّاهنة".
وخرج الاجتماع بعد ساعات ببيان رئاسي يدعو إلى "ضرورة المحافظة على وحدة الأحزاب واعتماد الحوار بينها منهجًا لفضّ المشاكل الداخليّة".
وفي المُقابل، يرى متابعون للشأن التونسي أنه "من الصعب اليوم إعادة بناء نداء تونس على شاكلة سنة 2014".
يذكر أنّ "نداء تونس" شهد في السابق أزمات مماثلة، حيث انشقت منها حركة "مشروع تونس"، في آذار/مارس 2016، بقيادة الأمين العام السابق للحزب، محسن مرزوق.
كما أسس رضا بلحاج، مدير الديوان الرئاسي السابق حزب "تونس أولا"، في يوليو/تموز 2017، فيما أسس سعيد العايدي، وزير الصحة الأسبق حزب "تونس بيتنا" في مايو/آيار العام ذاته، أما الطاهر بن حسين، فشكل حزب حركة مستقبل تونس في فبراير/شباط 2017.
**"حزب غير قادر على إعادة ترميم نفسه"
ويرى المحلل السياسي نصر الدّين بن حديد، في تصريحه للأناضول، أن "نداء تونس أصبح حزبا من الماضي، ولا يمكن إعادته على قاعدة الانتخابات التّشريعية لسنة 2014".
ويرجع ذلك إلى "وُجود عَداوة إيديولوجية وصراعات شخصية صلبة".
واستدرك: " هناك حلم لدى بعض الندائيين (منتمون للحزب) بمجابهة الشاهد ومعه حركة النهضة، فالكل يحلم بوراثة السبسي ولكنه اليوم في أصعب حالاته ".
من جانبه قال المحلل السياسي كمال الشارني، إنّ "النداء متفكك ومتعدد الرؤوس وغير قادر حتى على قيادة كتلة برلمانية أصلا".
وتابع للأناضول: "أصبحت هناك اليَوم خشية على هذا الحزب من الاندثار، فالوحيد القادر على إعادة ترميم الحزب هو الرئيس السبسي، لكنه دستوريا ممنوع من ذلك (الدستور يمنع رئيس البلاد أن يكون متحزبا)".
وأضاف: "الحزب بترتيباته الحالية ومديره التنفيذي الحَالي (نجل الرئيس حافظ قائد السبسي)، غير قادر على إعادة ترميم نفسه".
وأوضح أنّ " نداء تونس قام مُنذ تأسيسه قام على شخصيّة السبسي الكاريزماتية، وهو ينتمي إلى المدرسة السياسية القديمة في تونس، وجمع الخُصوم في حزب واحد بمجموعة من الطموحات وليس ببرنامج سياسي".
** الشاهد وبوصلة الحكم للنّدائيين
ولفت الشارني إلى أنه "ليس هناك أي مؤشرات إيجابية للقيام بمؤتمر أول للحزب، وهو ما يحتاح إلى شخصية ونواة صلبة حوله، لكن هذا الأمر مفقود اليوم في نداء تونس ".
وأضاف في سياق متّصل "أن ذلك ما يجعلهم مضطرين اليوم للتعامل الإيجابي مع خصمهم يوسف الشاهد؛ لأنه الضامن الوحيد لاستمرار السلطة إلى غاية انتخابات 2019".
من جانبه، تابع بن حديد قوله في هذا الإطار، إنّ "وجود الشاهد داخل النداء على مستوى المرجعية السياسية، يجعل منه قادرا على جلب قاعدة أكبر من الحزب لمُساندته".
وأضاف أنه "أهم أحد اللاعبين السياسيين في تونس حزبيا وحكوميا، بدليل تسميته مؤخرا لوزير داخليّة جَديد وهو بذلك سيضع البرلمان أما خيارين أحلاهما مُر"، على حد وصفه.
وأوضح أنه "إن رفض البرلمان منح الثقة للوزير الجديد، فإنه بذلك رفض له (للشاهد)، وإن وافق فستكون تزكية غير مباشرة له".
كما اعتبر بن حديد "أن تسمية الشاهد لوزير داخلية جديد، هي إعلان حرب مباشرة تجاه الباجي ومن بقي معه في نداء تونس".
ولفت إلى أن "الشّاهِد يعد اليوم أفضل لاعب في الساحة السياسية، وإما أن يبقى في الحكم ويترشح لرئاسيات 2019، أو يغادر ويؤسس حزبا جديدا".
وقال "أنا أجزم بأنه لن يلتزم بعدم الترشح لـ2019، ومن يحلم بـن ينتزع من الشاهد وعدا حول هذا الترشح فهو حالم".
من جانبه لفت الشارني إلى أنّ "المنتمين إلى نداء تونس تخلّوا عن الحَرب، لأنهم اكتشفوا أن معسكرهم ضعيف ومليء بالنيران الصّديقة، وليس لهم بديل تقبل به الأطراف، كما أنّ الشاهد يحظى بدعم داخلي وخارجي".
وأضاف أن "الإشكال الحَقيقي في الحركة، بدا حول منافسات الزعامة وتعقدت الأمور أكثر بدخول نجل الرئيس على الخط، وأنّ الجَميع اليوم يحركه موعد انتخابات 2019، وينظرون إلى نداء تونس على أنه مطية لتحقيق طموحات سيَاسيّة".
**قوة سياسية رغم التجاذبات
من جانبه، قال حسن العماري، النائب في البرلمان عن حركة نداء تونس، إن "هناك من يريد التّشكيك في الحزب، لكنه يبقى طرفا سياسيا فاعلا في البلاد، واليوم هناك قوتان في تونس هما حركة النهضة والنداء".
وتابع العماري للأناضول: "صحيح أنّ هناك بعض التجاذبات وأن هناك أزمة هيكلة وتسيير صلب الحزب، لكن سنسعى في ظرف زمني قصير إلى إصلاحه وتنظيم صفوفه".
وعن الموقف من بقاء الشّاهد على رأس الحكومة، أشار العماري إلى "اختلاف الرؤى بين أعضاء الحزب حول هذه المسألة، وأنه يجب مناقشة كل ذلك في الهيئة السياسية وضبط الجميع لقرارتها ومخرجاتها بعيدا عن الآراء الشّخصيّة".