إسماعيل طلاي
يستقبل القطريون العام 2019، بنبرة تفاؤل، يستمدونها من صمودهم أمام حصار جائر، ومتواصل منذ 19 شهراً كاملة، من دون أن ينجح خصوم الدوحة في فرض عزلة دبلوماسية على الدولة الخليجية الصغيرة مساحة، والتي أثبتت نجاحها في مقارعة كبار العالم، عبر تحقيق إنجازات قياسية، ليس آخرها، وتيرة التقدم القياسية التي أبهرت رئيس الفيفا في إنجاز مشاريع البنى التحتية وملاعب مونديال 2022.
وعلى الصعيد الاقتصادي، تستقبل الدوحة العام الجديد، بموازنة عامة تعكس قوة اقتصادها، بتحقيق فائض بقيمة 4.3 مليار ريال، على الرغم من ارتفاع المصروفات مقارنة بموازنة السنة الماضية. في الوقت الذي تمضي قطر تدريجياً نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي من المنتجات الغذائية، موازاة مع فتح خطوط بحرية جديدة، وتدشين مينائي حمد ورويس، اللذين سيمكنان من رفع نسبة الواردات والصادرات القطرية، تماشياً وانفتاح قطر على أسواق عالمية جديدة، نحو دول آسيا وأفريقيا ودول أميركا اللاتينية.
16 زيارة خارجية لأمير قطر كسرت محاولة العزلة
شهد العام 2018، حراكاً نشطاً للدبلوماسية القطرية؛ حيث زار أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني 16 دولة من قارات العالم الأربعة، شملت تركيا، وألمانيا، وبلجيكا، وبلغاريا، وروسيا، والولايات المتحدة، والكويت، وفرنسا، وبريطانيا، والإكوادور، وبيرو، والباراغواي، والأرجنتين، وكرواتيا، وإيطاليا، وماليزيا. وتوّجت تلك الزيارات بالتوقيع على عديد الاتفاقيات الثنائية، تأكيداً على احتفاظ قطر بمكانتها على خارطة العلاقات الدولية، ونجاحها في كسر محاولات وضغوط يائسة قادتها دول الحصار لمحاولة فرض عزلة دبلوماسية على قطر، عبر محاولات وصمها بدعم الإرهاب والتطرف في العالم، تصدت لها اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان التي استطاعت إقناع المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان التي أصدرت تقريراً مطلع العام 2018، أدان انتهاكات دول الحصار. وتلاها قرار لمحكمة العدل الدولية ضد الإجراءات التمييزية للإمارات العربية المتحدة في حق المواطنين والمقيمين بدولة قطر.
وشارك الشيخ تميم في المناقشة العامة للدورة الثالثة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في أيلول/ سبتمبر، حيث ألقى خطاباً شاملاً؛ تناول فيه موقف قطر من الحصار الجائر المفروض عليها، ورؤيتها تجاه أبرز القضايا الراهنة في المنطقة والعالم، وأعلن عن تعهد دولة قطر بتوفير تعليم جيد لمليون فتاة بحلول عام 2021.
وعلى مدار 365 يوماً، كانت الدوحة قبلة لقادة ورؤساء وملوك دول، بجانب مسؤولي كبرى المنظمات الدولية. وتوّجت الانتصارات الدبلوماسية، باستعادة الدوحة لحلفائها من دول الحصار، حيث قررت 3 دول تطبيع علاقاتها مع الدوحة، بعد أن اضطرت لقطعها تحت تهديد الضغوط وإغراءات دول الحصار، بينما سارعت دول أخرى مثل مالي لافتتاح سفارتها بالدوحة.
وفي الثاني من كانون الأول/ ديسمبر الجاري، سلم سفير جمهورية موريشيوس، لدى قطر أوراق اعتماده؛ لتكون بذلك موريشيوس، ثالث دولة مُقاطعة تعيد علاقاتها مع الدوحة، بعد السنغال وتشاد اللتان سبقتا موريشيوس بمغادرة معسكر الدول المؤيدة لحصار قطر، حيث أعادت تشاد في 2 شباط/ فبراير الماضي علاقاتها الدبلوماسية مع الدوحة بعد قطع العلاقة لنحو 7 أشهر. وفي شهر آب/أغسطس، قررت السنغال إعادة سفيرها إلى الدوحة بعد أن استدعته للتشاور مع بداية الأزمة الخليجية.
قادة العالم لم ينقطعوا عن زيارة قطر
لم يتوقف توافد رؤساء وقادة دول العالم على مطار الدوحة، حيث زارها عدد كبير من رؤساء الدول، ومنهم رؤساء سيراليون، وجمهورية أنغوشيا الروسية، وأوكرانيا، وتوغو، وزيمبابوي، والصومال، وفلسطين، وكوت دي فوار، ونيبال، وغانا، ورواندا، والإكوادور. واستقبل أمير قطر العديد من ضيوف البلاد من كبار المسؤولين العرب والأجانب، ومن بينهم رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، والأمين العام لمنتدى الدول المصدرة للغاز، ومدير عام صندوق النقد الدولي، ورئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، ومسؤولين آخرين.
نظومة “اس 400” التي أشعلت أحقاد خصوم قطر
ستبقى زيارة أمير قطر إلى موسكو ولقائه الرئيس بوتين في آذار/ مارس 2018 عالقة في الأذهان، حيث أسالت الكثير من الحبر، وكشفت عن تنامي أحقاد دول الحصار التي لم تتقبل حصول دولة قطر على منظومة “اس 400” الدفاعية الروسية، بحسب ما كشفه – حينها- تقرير صحيفة “لوموند” الفرنسية التي قالت إن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان هدّد بشن ضربة عسكرية ضد قطر إن حصلت على مضادات الصواريخ الروسية “أس 400″، وطالبت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التداخل لوقف الصفقة المتوقعة بين الدوحة وموسكو، والحيلولة دون حصول قطر على تلك المنظومة الدفاعية الأكثر تطوراً.
ترمب: قطر شريك استراتيجي لمحاربة الإرهاب..وقاعدة العديد” باقية في الدوحة
في نيسان/ أبريل، زار أمير قطر الولايات المتحدة الأمريكية بدعوة من الرئيس دونالد ترمب الذي أكّد تمسكه بالشراكة الاستراتيجية مع دولة قطر، مشيداً بدورها في مكافحة الإرهاب. كما أثنى أمام وسائل الإعلام العالمية على المكانة والتقدير الذي يحظى بها الأمير الشاب بين شعبه، مواطنين ومقيمين، في تصريحات استوقفت متابعين، قارنوا بينها، وبين بتلك التي صدرت من ترمب في حق ولي العهد السعودي وهو يستعرض – ساخراً- صفقات بملايين الدولارات انتزعها من محمد بن سلمان.
وزار الشيخ تميم القيادة المركزية الأمريكية بمدينة تامبا في ولاية فلوريدا، وأجرى محادثات مع عدد من المسؤولين الأمريكيين في إطار تعزيز العلاقات القطرية الأمريكية في المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية. كما عقد لقاءات مع عدد من الوزراء وأعضاء من الكونغرس الأمريكي وكبار المسؤولين. كما عقدت على هامش الزيارة، جولة “الحراك الاقتصادي” لدولة قطر في الولايات المتحدة الأميركية، وشملت أربعة منتديات اقتصادية بين دولة قطر والولايات المتحدة.
وفي شهر كانون الثاني/ يناير، عُقد في واشنطن، الحوار الاستراتيجي الأول بين دولة قطر والولايات المتحدة، بهدف تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين الصديقين في مختلف المجالات، وترسيخ العلاقات التاريخية بين الدوحة وواشنطن على جميع الأصعدة. كما عقدت دولة قطر جولتين من الحوار الاستراتيجي مع كل من بريطانيا والصين.
وسرعان ما توّجت زيارة أمير قطر، بإعلان أمريكي صريح، يؤكد تمسكها ببقاء قاعدة العديد العسكرية بالدوحة، حيث نفت القيادة المركزية الأمريكية وجود أي نية لديها لنقل قاعدة “العديد” الجوية خارج دولة قطر، واصفة الأنباء التي تحدثت عن ذلك بأنها “كاذبة ولا أساس لها”. وجاء تصريح القيادة المريكزة ليكسر آمال دول الحصار التي كانت تمنّي النفس بإقناع إدارة ترمب بحسب قاعدة العديد إلى إحدى دول الحصار.
قطر- تركيا.. الحليفان المثاليان
كان العام المنقضي، حافلا بالإنجازات في رصيد العلاقات الدبلوماسية القطرية-التركية، تأكيداً لحرص البلدين على ترسيخ علاقاتهما الاستراتيجية، والتي توّجت شهر كانون الأول/ ديسمبر بعقد الدورة الرابعة للجنة العليا الاستراتيجية، والتوقيع على مزيد من الاتفاقيات، التي رعت رصيد البلدين إلى نحو 50 اتفاقية ومذكرة تفاهم ثنائية، في خطوة لتكريس الشراكة الاستراتيجية بين البلدين.
وقبلها، زار الشيخ تميم بن أنقرة مطلع العام، والتقى الرئيس رجب طيب أردوغان لتأكيد دعم قطر لحليفها الاستراتيجي الذي كان يعاني من أزمة اقتصادية خانقة، نتيجة تراجع الليرة التركية تحت تأثير العقوبات الأمريكية.
تيلرسون ضحية تعنّت دول الحصار.. والأزمة الخليجية تراوح مكانها
لم تنجح جهود الوساطة الكويتية، ولا تحركات الدول الكبرى في تحقيق اختراق لحالة الجمود الذي تشهده الأزمة الخليجية، بسبب تعنّت دول الحصار، ورفضها الجلوس على طاولة الحوار!
وكان وزير الخارجية الأمريكي الأسبق ريكس تيلرسون أكبر ضحايا جمود الأزمة الخليجية، ولم تنجح جولاته المكوكية في تحقيق تقدّم يذكر، قبل أن يتبيّن لاحقا أن جهود تيلرسون لم يكن ليكتب لها النجاح، في ظلّ خلافاته مع الرئيس ترمب الذي أقيل من منصبه، ليعيّن بومبيو “رجل ثقة ترمب” الذي لم يحرز أي تقدم يذكر. وتبقى الأنظار تتطلع لمدى إمكانية انعقاد قمة خليجية – أمريكية في واشنطن، شهر كانون الثاني/ يناير 2019، لم تبرز في الأفق أي تصريحات رسمية أميركية تؤكد انعقادها، لحدّ الآن.
ترهّل مجلس التعاون..وفشل قمة الرياض
جاءت القمة الخليجية الأخيرة بالرياض، لتجسّد حجم التقهقر الذي بلغه مجلس التعاون الخليجي، جراء سياسة العناد التي تتبعها دول الحصار، ورفضها مناقشة تداعيات أزمة حصار قطر ضمن جدول أعمال القمة. وأمام منطق حوار الطرشان الذي تتبعه تلك الدول، لم تجد دولة قطر دافعا ومحفّزاً لمشاركة أميرها في قمة الرياض التي خرجت بقرارات لا ترقى إلى طموحات الشعوب الخليجية. وقررت الدوحة المشاركة بوزير الدولة للشؤون الخارجية سلطان بن سعد المريخي، تأكيداً على حرصها وتمسكها بمجلس التعاون، كخيار استراتيجي لا بديل عنه، رغم حالة الجمود التي يتخبّط فيها!
الأزمة الخليجية تلقي بظلالها على القمة العربية
وعلى الصعيد العربي، ألقت الأزمة الخليجية بظلالها على القمة العربية التي استضافتها السعودية، شهر نيسان/ أبريل، حيث شاركت دولة قطر في القمة العربية التي استضافتها السعودية، بمستوى تمثل دبلوماسي منخفض، ممثلة بالسفير سيف البوعنين، مندوب قطر لدى الجامعة العربية سابقاً، كون القمة عقدت في بلد ما يزال يحاصر قطر ويفرض عليه قيود جائرة، ولم يراع الجيرة وصلة الرحم، كما جاء على لسان المسؤولين القطريين.
