وكان المستهلكون العرب للأنباء والتعليقات قد أنزعجوا في هذا الأسبوع بعد معرفتهم أن السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر تطلب إغلاق قناة الجزيرة وشركات التابعة لها. وقد قدمت الحكومة الكويتية قائمة المطالب من قبل الدول الاربع التي فرضت حصاراً على قطر بتهمة دعم الارهاب.
وينص الشرط الرقم 6 في القائمة على إغلاق شبكة الجزيرة الفضائية والشركات التابعة لها، في حين يدعو الشرط الرقم 11 إلى إغلاق مواقع كترونية وصحف ووسائل إعلامية أخرى ممولة من قطر.
كانت قناة الجزيرة التي تأسست في عام 1996، بأعلبية موظفيها من صحفيين محنكين سابقين ومدربين من قبل هيئة الإذاعة البريطانية. وكانت القناة نفسها تمثل الهواء النقي في منطقة لم تمتلك إلا الأخبار الصادرة للحكومات بدلا من حق الجمهور في المعرفة. اكتسبت "الجزيرة" التي كان شعارها "الرأي والرأي الآخر" سرعان ما رغبة الجماهير الضخمة في العالم العربي الذي كان متعطشا لأي بديل للتليفزيونات الحكومية المحتكرة على الموجات الهوائية. عملت الشبكة بجد في البداية على تقديم البرمجة المتوازنة مع المعايير الصحفية العالية. استجابت الجماهير بشكل إيجابي، وسرعان ما أصبحت قناة الأقمار الصناعية ولا تزال هي القناة الرقم 1 باللغة العربية.
لقد اشتعل الربيع العربي الذي جعل الشبكة منزعرة ( وذلك على الرغم من أن الكثيرين يدعون أنها كانت وراءه)، لكنها سرعان ما انضمت إلى هذه الحركة، لتساهم في تغطية المظاهرات من أجل التغيرات الديمقراطية.
وخلال السنوات القليلة الماضية، تراجعت الشبكة إلى حد ما في مصداقيتها وحيادها، مما يعكس بعض التحيزات. ومع بدء الربيع العربي في التلاشي، وتمت إطاحة بعض الإسلاميين الذين حصلوا على السلطة، تفاقمت قناة الجزيرة في بعض الأحيان، مما أدى إلى فقدان المصداقية. وكان من المفترض أن تعمل قناة "الجزيرة المباشرة" ، مثل " C-SPAN" في الولايات المتحدة، لكنها ركزت بشكل شبه حصري على البث المستمر وإعادة بث الاحتجاجات المؤيدة للإخوان المسلمين. تم إغلاق هذا الفرع للقناة في عام 2014، كانت غالبا ما ينظر إليها باعتبارها الناطقة بلسان الإخوان المسلمين، بدلا من المنفذ المهني الملائم.
ولكن على الرغم من بعض الأخطاء وغياب التوازن الكلي، إلا أن أخبار شبكة الدوحة لا تزال جذابة لملايين المشاهدين. إن مشاهدة برنامج "الحصاد" الإعلامي الذي يستمر لمدة ساعة، هو أمر لا بد منه لأي شخص مهتم بتتبع ما يحدث في العالم، وخاصة القضايا المتعلقة بالشرق الأوسط. حتى التقارير المقدمة على الأكثر من جانب واحد تعبر دائما عن وجهة النظر المعارضة أيضاً. استنادا إلى قيمة الأخبار، يجري مقدمي البرامج في الشبكة المقابلات بصورة منتظمة مع المسئولين القياديين والخبراء من جميع طبقات المجتمع. كما أجروا الحوارات مع رؤساء الدول وقادة المعارضة والخبراء والناشطين البارزين، دون استثناء أي شخص، بما في ذلك الإسرائيليين والأكراد والمصريين والديمقراطيين والجمهوريين الأميركيين، والناشطين اليمينين واليساريين وكذلك المدافعين عن حقوق الإنسان والناشطين من جميع أنحاء العالم.
تعتبر الوسائل الإعلامية مصدراً للأنباء والتعليقات، وينبغي ألا تصبح جزءاً من أي صراع بين الدول المجاورة. وبدلا من محاولة قتل الرسول، فإن أفضل طريقة للاستجابة للنص غير المرغوب فيع هو إنتاج نص مضاد، وليست معاقبة الوسائل الإعلامية أو البلد الذي يدعمه.
وقد مكن الملايين من المشاهدين في العالم العربي للجزيرة العربية من أن تفخر بأنه ينظر إليها في المنطقة كمصدر الرقم 1 للأخبار. ويرجع الجزء الكبير من قدرتها إلى الموارد الهائلة من الصحفيين المحترفين المدربين تدريبا عاليا، وحرية التحرير النسبية للعمل والميزانيات الكبيرة. كل هذا يترجم إلى القدرة على تغطية القصص في جميع أنحاء العالم من جميع وجهات النظر.
ويبدو أن رغبة الدول العربية في إغلاق قناة الجزيرة والشركات التابعة لها تعكس الغيرة والصراع الداخلي بدلا من الطلب على محتويات أنباء الشبكة. وإذا كان الطلب هو وقف خطاب الكراهية أو التحريض على العنف، فقد يكون من الأفضل فهمه. ولكن هذا هو إصرار شامل على إغلاق الشبكة.
الحاجة إلى وقف شيطنة الصحافة لا تقتصر على الأزمة في الخليج. في الأشهر الأخيرة، زادت مصر والسلطة الفلسطينية والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وغيرها من الدول عرقلة المواقع الإخباريةعبر القوانين الصارمة حول الصحافة واعتقالات الصحفيين. فإن العالم العربي يتراجع أكثر فأكثر في تصنيف حرية الصحافة.
وفي تصنيف مؤشرات الحرية العالمية لعام 2017 الصادر عن منظمة "مراسلون بلا حدود" ومقرها باريس تقع المملكة العربية السعودية في المرتبة 168 بلدا من أصل 180 بلدا. البحرين في المرتبة 164، مصر في المرتبة 161 والإمارات العربية المتحدة في المرتبة 119 وقطر في المرتبة 123.
وقد جعلت الثورة الأعلامية الشبكات الأعلامية غير مسيرة. تتمكن الجماهير الذكية في العالم العربي من الحصول على الأخبار التي ترضيها من القنوات الأخرى وفي شبكة الإنترنت وبذلك تتجاوز الحصار المفروض عليها. لإبقاء الجماهير على علم، من الأهمية بمكان أن تبقي وسائل الإعلام خارج الصراع الخليجي الحالي. وينبغي معالجة وسائل الإعلام السيئة والمتحيزة من خلال الصحافة المتوازنة والمهنية، وليس باستخدام مطرقة.
داود كتاب - صحفي فلسطيني والأستاذ السابق للصحافة في جامعة برينستون وعضو مجلس الإدارة لمعهد الصحافة الدولي
الترجمة: د.ذاكر قاسموف