علي عكس المتوقع جاء عدد المسجلين في السجل الانتخابي الليبي خارج البلاد مخيبا للآمال، بعد توقعات بأنه ستكون لهم الكلمة الفصل في ما ستشهده ليبيا من سباق انتخابي يعتبروه كثيرون غير مسبوق من حيث الأهمية.
فبعد أيام قليلة ينتهي تسجيل الناخبين خارج ليبيا، والذي بدأ في 1 فبراير/ شباط الماضي، وكان مقررا استمراره ثلاثين يوما، لكن لم يسجل خلالها سوى 4984 ناخبا فقط، ما دفع المفوضية العليا للانتخابات إلى تمديد التسجيل حتى 12 مارس/ آذار الجاري.
ومن المزمع أن يشهد البلد الغني بالنفط انتخابات برلمانية ورئاسية، قبل نهاية العام الجاري، ضمن خارطة طريق أطلقتها الأمم المتحدة، في 20 سبتمبر/ أيلول الماضي، وتتضمن أيضا تعديل اتفاق سياسي أبرمتها أطراف النزاع، عام 2015، وعقد مؤتمر حوار وطني شامل.
وتحاول المنظمة الدولية انتشال البلد الغارق في أزمات مالية واقتصادية وسياسية وأمنية خانقة، منذ أن أطاحت ثورة شعبية بنظام معمر القذافي (1969-2011).
** انتخابات مهمة
وكما أجمع معظم الليبيين علي إجراء تلك الانتخابات، التي ستنهي مراحل انتقالية طالت منذ ثورة 2011، أجمع معظمهم أيضا علي أنها ستكون علي قدر عالٍ جدا من الأهمية.
وتوقع رئيس مفوضية الانتخابات، عماد السائح، في حوار سابق مع الأناضول، أن يشهد السباق الانتخابي تنافسا كبيرا وغير مسبوق بين الأطراف الموجودة علي الساحة ولاعبين جدد.
ويبلغ عدد الليبيين ستة ملايين نسمة، بحسب آخر إحصاء عام 2016 والذي لم يُحدث حتى الآن، ومن بين هؤلاء يوجد حوالي أربعة ملايين في سن الانتخاب، وفق المفوضية العليا للانتخابات.
وسجل في السجل الانتخابي داخل ليبيا، منذ فتحه في 6 ديسمبر/ كانون أول الماضي وحتي إغلاقه في 15 فبراير/ شباط الجاري، 966 ألفا و799 ناخبا، ليبلغ إجمالي الناخبين المسجلين مليونين و432 ألفا و502 ناخب.
** رهان على الخارج
السباق الانتخابي المقبل توقع كثيرون أن يحسمه الناخبون الليبيون في الخارج، لكن عدد المسجلين منهم حتى أحدث إعلان للمفوضية (4984) متواضع للغاية.
ذلك العدد الصادم لكثيرين جاء مخالفا لتوقعات محللين سياسيين ليبيين كانوا قد أجمعوا على أن الكلمة الفصل في الاستحقاق المقبل سيكون للناخبين بالخارج.
تلك التوقعات كانت مبنية علي معطيات، أهمها دعوة عائلة القذافي الناخبين في الخارج إلى تسجيل أسمائهم.
وهو الأمر ذاته الذي دعا إليه محامي سيف الإسلام، نجل القذافي، الذي يتحدث مقربون منه عن نيته الترشح في الانتخابات المقبلة لحكم ليبيا.
تلك الدعوات صاحبها زخم كبير، لا سيما من أنصار القذافي، الذين تتحدث تقديرات غير رسمية عن أن عددهم في الخارج يفوق المليوني شخص غادروا ليبيا بعد الثورة.
كما كان لأبرز رجال القذافي في الخارج، وهو أحمد قذاف الدم المقيم بالقاهرة، تصريح تحدى فيه سلطات ثورة فبراير/ شباط 2011 الحالية بقوله: "إن كنتم تريدون انتخابات نزيه، فعدد أنصار القذافي في مصر وحدها يفوق المليون، وهو عدد كفيل بحسم الأمر لصالحنا".
وثمة أمر ثانٍ عول عليه محللون في تحديد أهمية الناخبين بالخارج، وهو الحروب التي تشهدها المدن الليبية، وأدت في المدن والمناطق الشرقية وطرابلس والجنوب إلى خروج أنصار تيار الإسلام السياسي خارج البلاد.
ذلك الخروج جعل كثيرين يذهبون إلى أن أنصار ذلك التيار ستكون لهم مشاركة انتخابية قوية، لضمان عودتهم إلى ليبيا.
لكن عدد الناخبين المسلجين في الخارج، الذي أعلننه مفوضية الانتخابات، جاء عكس كل ذلك.
** صعوبات فنية
مستنكرا ذلك العدد، قال للكاتب الليبي، علي الزليتني، للأناضول، إن "عدد الناخبين المسجلين في الخارج أقل حتي من عدد السفراء وموظفي السفارات الليبية، بينما عدد الجاليات الليبية يفوق المليونين في أرجاء العالم".
وتابع: "ذلك العدد الصادم للغاية كان بسبب أمور فنية في طريقة التسجيل.. أتابع عبر صفحات مغتربين ليبيين بموقغ فيسبوك تعليقاتهم علي التسجيل.. الكثير منهم يشكون من مشاكل فنية في التسجيل، والنتيجة أن مئات الآلاف لم يتمكنوا من التسجيل".
بدوره، قال محمد الجالي، وهو ليبي يقيم في ألمانيا، للأناضول، إنه والكثير من الليبيين في البلد الأوروبي لم يتمكنوا من التسجيل بسبب مشاكل فنية كثيرة.
وبالفعل، أقرت مفوضية الانتخابات بوجود "صعوبات فنية"، لكنها ألمحت، في بيان الإثنين الماضي، أنها ليست مسؤولة عنها، وأنها تعلن تمديد التسجيل بناء علي طلب المواطنين بالخارج، الذين لم يتمكنوا من التسجيل؛ بسبب بعض "الصعوبات الفنية المتعلقة بهم".
** اتهام للمفوضية
أما بالعيد العوامي، القيادي في الجالية الليبية في مصر، فذهب إلى أبعد من ذلك، بقوله للأناضول إن "المشكلة فنية بالفعل، لكنها مقصودة".
واتهم المفوضية بـ"عرقلة تسجيل الليبيين في مصر؛ لأن عددهم كبير وستذهب أصواتهم إلى رجال القذافي".
هو الآخر اتهم مهند الدوكالي، ليبي يدرس بالخارج، المفوضية بـ"بتعمد إيجاد مشاكل فنية لإقصاء أنصار تيار الإسلام السياسي، فلا يمكن بأي شكل من الإشكال أن يكون عدد المسجلين في الخارج بهذا التواضع".
** "العدد كان متوقعا"
مقابل تلك الاتهامات، قال رئيس مفوضية الانتخابات، عماد السائح، للأناضول، إن "المفوضية تعمل بكل حرفية وهمة ونزاهة، والجميع يشهد بذلك في شرقي البلاد وغربها، فهي مؤسسة لكل الليبيين علي اختلاف مشاربهم".
ويتصارع على السلطة في ليبيا حكومتان، هما حكومة الوفاق الوطني، المعترف بها دوليا، في العاصمة طرابلس (غرب)، و"الحكومة المؤقتة" في مدينة البيضاء (شرق)، ولكل منهما قوات مسلحة.
وقلل السائح من حجم الصدمة في عدد المسجلين بالخارج، معتبرا أن "ذلك العدد كان متوقع؛ بسبب سلبية المواطن".
واستطرد: "الأمر كان متوقعا قبل بدء عملية التسجيل، ففي عام 2012 عندما أشرفنا علي انتخابات المؤتمر الوطني تحصلنا فقط علي ثمانية آلاف ناخب بالخارج، رغم أن تلك الانتخابات كانت تشهد زخما كبيرا، كونها الأولى بعد الثورة".
وشدد على أن "الراغبين في التسجيل بالخارج واجهتهم مشاكل فنية متعلقة برقم القيد، وجري علاجها".
وختم السائح بقوله إن "المفوضية قطعت الطريق علي المشككين والمخونين بأن باشرت حاليا في جمع أسماء من تعذر عليهم التسجيل في الخارج، لتسجلهم المفوضية بنفسها، حتى يتاح لهم التصويت في الانتخابات المقبلة".