قبل ثلاثة أعوام وقّعت إيران والقوى العظمى اتفاقاً تاريخياً أخرجها من عزلتها الدولية وجذب استثمارات أجنبية ولا سيما الأوروبية منها، عوّل عليها الإيرانيون لجهة تحسين أوضاعهم الإقتصادية المتردّية. ولكن سرعان ما انقلبت إدارة دونالد ترامب على توقيع الإدارة السابقة، ولم تكتفِ بالإنسحاب من الإتفاق بل أرفقته بعقوبات على مرحلتين: الأولى، دخلت حيز التنفيذ في السابع من آب الحالي فشلّت قدرة إيران على شراء الدولار وفرضت عقوبات على صناعات رئيسية كالسيارات والسجاد وتجارة الذهب والمعادن النفيسة، والثانية، وهي الأخطر مقررة في الخامس من تشرين الثاني المقبل، وسيتمّ خلالها حظرمبيعات النفط الإيراني.
هل تهدف الولايات المتحدة الأميركية من جرّاء عقوباتها إلى إسقاط النظام من الداخل على وقع تنامي النقمة الشعبية، أم تسعى لتعديل الإتفاق النووي وإضعاف النفوذ الإيراني في المنطقة؟
المحلل الإستراتيجي الدكتور وفيق ابراهيم يرى أنّ ترامب لا يهدف إلى إسقاط النظام الإيراني، بل يسعى إلى استدراج إيران لمفاوضات تتمكن الولايات المتحدة من خلالها من دخول المنطقة من باب إعادة الإعمار والإمساك بمصادر الغاز وبعدة دول أبرزها اليمن والعراق وسوريا، وهي دول تحتاج جميعها إلى إعادة أعمار وفيها مخزون من الغاز، وهنا تختلط الأبعاد السياسية بالإقتصادية، "وفي هذا السياق يندرج عرض ترامب لقاء الرئيس الإيراني حسن روحاني في أيّ وقت ودون شروط مسبقة . فنحن ندخل عصر الغاز، وايران البلد الثالث عالمياً من حيث مخزون الغاز، ولديها حقول عدّة ستجعلها تحتل المرتبة الثانية، في حين أنّ الولايات المتحدة تملك مخزوناً من الغاز الصخري، وكلفة استخراجه مرتفعة".
ابراهيم وفي حديث لـ"لبنان 24 " لفت إلى أنّ العقوبات على ايران تعود إلى العام 1979 بعد أزمة الرهائن، "بحيث فُرضت عليها عقوبات غربية قاسية، وعلى رغم ذلك تمكّنت إيران من بناء نفوذ إقليمي من أفغانستان إلى لبنان مروراً بالعراق واليمن. ولكّن الأمر أرهق اقتصادها وأدّى إلى التضخم والبطالة، فاندلعت اضطرابات في انحاء متفرقة من البلاد، وهي مرشحة للتصاعد، ولكن هذا لا يعني أنّ النظام سيسقط، لأنّه قويّ جداً ويُمسك بمجموعات من المتشددين الرافضين للمفاوضات".
تراهن إيران على تأثير القوى الدولية الرافضة للعقوبات للتخفيف من تداعياتها الكارثية على اقتصادها، ولا سيّما العقوبات في مرحلتها الثانية والتي تهدف إلى منع إيران من بيع نفطها، وفي هذا السياق برز إعلان كلّ من الصين والهند وتركيا استعدادهم لشراء النفط الايراني. وبرأي ابراهيم "الصين والهند وروسيا وقسم من الإتحاد الأوروبي قادرون على منافسة الولايات المتحدة في السوق الايرانية، وبإمكانهم أيضاً دفع الأمور بين الولايات وايران باتجاه نوع من الإتفاق".
لماذا مزّق ترامب الإتفاق النووي؟
ساق ترامب جملة مبررات لإلغاء الإتفاق، منها أنّه لا يحول دون تطوير قدرات إيران النووية بعد عام 2025، ولكنّ السبب الجوهري وفق مقاربة ابراهيم يعود إلى اتساع النفوذ الإيراني في منطقة الشرق الأوسط في ظل الإتفاق، "اميركا تمسك بالعالم الإسلامي منذ 1945، وفي السنوات الأخيرة شعرت الإدارة الأميركية بأنّ نفوذ إيران تعاظم وبُني في قلب منطقة النفوذ الأميركي، من أفغانستان إلى العراق واليمن وسوريا، وهذه الدول لديها ثروات طبيعية ومقبلة على ورشة إعادة إعمار تقدّر بأربعة آلاف مليار، من هذا المنطلق يسعى ترامب للجم النفوذ الايراني على مسارح هذه الدول ".
إلزام إيران بالعودة إلى طاولة المفاوضات، وقد انهكتها العقوبات، لإبرام اتفاق جديد يرضي ترامب ومن خلفه اسرائيل، هدف يسعى الرئيس الأميركي لتحقيقه، معوّلاً على تزايد النقمة الشعبية واتساع التظاهرات الإحتجاجية داخل ايران.