أمريكا تخسر الصين مرتين.. من المسئول؟

مقالات 10:45 03.03.2023
       قبل ثلاثة أرباع قرن تساءلت واشنطن «من تسبب فى خسارة الصين؟» واليوم يُعاد طرح السؤال فى إطار تاريخى مختلف بصورة كلية عما كان عليه الوضع العالمى عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية.
      شهد عام 1949 حسم الحزب الشيوعى الصينى بقيادة ماو تسى تونج الحرب الأهلية الصينية بعد انتصاره على الحزب القومى الصينى المعروف باسم الكومينتانج، بقيادة شيانج كاى شيك. دعمت واشنطن الكومينتانج، وساعدتهم على نقل بقايا حكومتهم وقواتهم العسكرية إلى تايوان فى نفس العام.
      لم تعترف واشنطن بحكومة الحزب الشيوعى فى بكين العاصمة، واستمرت فى الاعتراف بحكومة الكومينتانج كممثل شرعى للشعب الصينى لعقود.
      ومثّل وصول الشيوعيين للحكم فى الصين صدمة ضخمة فى واشنطن، إذ تزامن ذلك مع بدء إرهاصات الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفيتى الذى فجر قنبلته النووية الأولى قبل سيطرة ماو على الحكم. خشيت واشنطن من تعاون وتحالف الاتحاد السوفيتى مع النظام الشيوعى الجديد فى الصين، وهو ما تم لاحقا.
      دفع ذلك نخبة واشنطن لطرح سؤال «من تسبب فى خسارة الصين؟»، وكيف أخطأت واشنطن فى حساباتها وتوقعاتها ولم تتحسب لوصول الشيوعيين للحكم فى بكين؟.
      شهدت واشنطن لعبة إلقاء اللوم خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضى على من تسبب فى خسارة الصين، وساهمت عدة عوامل فى بقاء السؤال حيا لسنوات طويلة، ومن هذه العوامل أهمية الصين الكبيرة كونها أكثر دول العالم سكانا، ولقوة نفوذها فى القارة الآسيوية، وهو الأمر الذى من شأنه أن يضاعف التهديد الشيوعى الذى فرضه الاتحاد السوفيتى بالفعل. كما زاد السيناتور جوزيف مكارثى من مخاوفه من الصين الشيوعية فى حملته الغوغائية ضد الأمريكيين الذين اتهمهم بالتعاون مع القوى الشيوعية، وتسببت المكارثية فى حالة من الذعر بين الساسة والأشخاص المثقفين.
      خلص تحقيق أجرته اللجنة الفرعية للأمن الداخلى فى مجلس الشيوخ، تم حلها منذ ذلك الحين، إلى إلقاء اللوم على الأكاديميين والدبلوماسيين ذوى الميول اليسارية.
      لم يدم تقارب القوتين الشيوعيتين الأكبر فى العالم، الصين والاتحاد السوفيتى، لسنوات طويلة، وما لبس أن اصطدمت بكين بموسكو حول التعريف الأمثل للشيوعية. ثم انخرطت الدولتان فى نزاعات حدودية عسكرية مسلحة عام 1969، زادت من الفجوة بين القطبين الشيوعيين، وهو ما سبب ارتياحا كبيرا فى واشنطن.
استغل وزير الخارجية الأسبق هنرى كيسنجر هذا الشرخ ليقوم بدبلوماسية سرية نتج عنها التوصل لتفاهمات أمريكية صينية تغيرت معها خريطة العالم بصورة دراماتيكية. كما زار الرئيس ريتشارد نيكسون الصين عام 1972 مؤسسا لعلاقات جديدة، واعترف لاحقا بالنظام الشيوعى الحاكم فى بكين كممثل وحيد للشعب الصينى.
      أكدت واشنطن تبنى سياسة «صين واحدة»، لكنها فى الوقت نفسه تحتفظ بعلاقات غير رسمية مع تايوان بعدما ألغت اعترافها بها عام 1979. وأصدر الكونجرس فى نفس العام قانون «العلاقات مع تايوان» حيث تعهدت واشنطن بالمساعدة فى تجهيز تايبيه للدفاع عن نفسها. أقر الكونجرس أيضا عدة قوانين سهلت وسمحت بتسليح تايوان لتدافع عن نفسها، كما دعمت التعاون الثنائى معها فى جميع المجالات، على الرغم من قطع العلاقات الدبلوماسية الرسمية بينهما.
      عادت واشنطن أخيرا لطرح سؤال «من تسبب فى خسارة الصين؟» بصيغة جديدة فى إطار صعود الصين الصاروخى لتصبح مصنع العالم، وصاحبة ثانى أكبر اقتصاد عالمى، فى وقت يضيق فيه الفارق التكنولوجى والعسكرى مع الولايات المتحدة.
يلقى الجانب الأمريكى باللوم على نفسه بسبب ما حدث تحديدا منذ 2001، وهو العام الذى يُعد علامة فارقة فى تاريخ صعود الصين للحاق بالولايات المتحدة، إذ شهد انضمام الصين لمنظمة التجارة العالمية، فى الوقت الذى عرفت فيه أمريكا هجمات 11 سبتمبر.
      دفع دخول الصين للمنظمة التجارية العالمية واستغلالها رخص الأيدى العاملة الماهرة والضخمة فى جذب ملايين المستثمرين، لتنطلق الصين وتنجح فى تحقيق معدلات نمو متوسطها 8% خلال الـ20 عاما الماضية. على النقيض، تورطت أمريكا فى حربها العالمية ضد الإرهاب والذى جرها لحربين مكلفتين فى أفغانستان والعراق خرجت منهما قبل عامين. وتشير دراسة بحثية مشتركة صدرت عن جامعة براون المرموقة، إلى وصول تكلفة الحروب منذ هجمات 11 سبتمبر وحتى نهاية العام المالى 2021 إلى 6.4 تريليون دولار، ناهينا عن التكلفة البشرية ومئات الآلاف من الضحايا الأفغان والعراقيين الأبرياء. بينما لم تعرف الصين التورط فى أى نزاعات عسكرية منذ انتهاء نزاع حدودى مع فيتنام عام 1979، وإن كانت تتبنى استراتيجية توسع فى بحر جنوب الصين، مما أجج خلافات على الحدود البحرية مع إندونيسيا والفلبين وفيتنام.
      تصورت واشنطن أن تبنى الصين لاقتصاديات السوق سيخلق طبقة وسطى عليا، ويسرع من تبنى الصين نموذجا ديمقراطيا ليبراليا، وهو ما لم يحدث على الإطلاق. بل قويت شوكة الحزب الشيوعى منذ وصول الرئيس شى للسلطة، فى وقت تنعدم فيه أى أفق لانفتاح سياسى.
      يكتسب اليوم سؤال «من تسبب فى خسارة الصين؟» بعدا مثيرا فى علاقات واشنطن مع الصين، القوة الثانية فى عالم اليوم، فى وقت تشهد فيه علاقاتهما توترات لا تتوقف منذ ظهور فيروس كوفيد 19، وزيادة الأنشطة العسكرية الصينية بالقرب من تايوان.
      جدد الغزو الروسى لأوكرانيا النقاش حول رد فعل واشنطن إذا أقدمت الصين على خطوة مشابهة. ومع إحجام إدارة الرئيس جو بايدن عن التدخل العسكرى المباشر فى أوكرانيا، زادت الشكوك حول ما إذا كانت واشنطن ستساند تايوان إذا تعرضت لموقف مشابه لما تتعرض له أوكرانيا حاليا مع تبنى واشنطن سياسة «الغموض الاستراتيجى» فيما يتعلق بإمكانية تدخلها عسكريا لمنع الصين من ضم تايوان. ويتزامن ذلك مع إصدار الرئيس الصينى شى جين بينج تعليمات لقيادته العسكرية بأن تكون جاهزة بحلول عام 2027 لشن حرب إعادة ضم تايوان للبيت الصينى.
      دفع ذلك واشنطن لتتساءل للمرة الثانية «من تسبب فى خسارة الصين؟»، وظهر ذلك جليا فى تشكيل لجنة خاصة تركز على «الحزب الشيوعى الصينى»، وعلى التحدى التكنولوجى والصناعى والعسكرى الذى أصبحت الصين تمثله للولايات المتحدة.
       مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، فمن المرجح أن تستمر سياسات الحزبين تجاه الصين فى التقارب، كما يتوقع، أن تصبح العلاقات مع الصين ضحية الهستيريا المرتبطة بعدم رغبة أى طرف فى الإجابة على سؤال ليس له إجابة.
 
 
محمد المنشاوي 
كاتب صحفي متخصص في الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن 
للتواصل مع الكاتب: [email protected]
 
خبير سياسي: يمكن لأذربيجان أن تلعب دور الوسيط بين تركيا وإسرائيل

أحدث الأخبار

سويسرا ترصد 11 مليون دولار للأونروا في غزة
16:00 09.05.2024
روسيا تكشف تفاصيل مشروع قاعدة القمر النووية مع الصين
15:00 09.05.2024
حماس ترحب باعتراف جزر البهاما بدولة فلسطين
14:00 09.05.2024
باكستان تعلن حالة الطوارئ لإلحاق 26 مليون طفل بالتعليم الرسمي
13:00 09.05.2024
أمريكا تلغي تراخيص توريد رقائق الجيل الرابع إلى هواوي الصينية
12:00 09.05.2024
الديمقراطيّ الكردستاني زيارة بارزاني لطهران انعطافة مهمّة في العلاقات الثنائية
11:00 09.05.2024
الجزائر تنتقد شروط فرنسا لاستعادة أرشيف الاستعمار
10:00 09.05.2024
الكويت وتركيا تؤكدان حماية المدنيين في غزّة
09:00 09.05.2024
الملح المدعّم بحمض الفوليك يحمي من التشوهات الخلقية
الملح المدعّم بحمض الفوليك يحمي من التشوهات الخلقية
18:00 08.05.2024
خبير سياسي: يمكن لأذربيجان أن تلعب دور الوسيط بين تركيا وإسرائيل
17:03 08.05.2024
شرطة وارسو تعتقل روسياً فر إلى بولندا
16:00 08.05.2024
الخارجية» الروسية: لا نرى حتى الآن آفاقاً للتسوية في غزة
15:00 08.05.2024
خبير سياسي: قمة المناخ تحمل أهمية كبيرة للسلام الإقليمي
14:00 08.05.2024
خفايا زيارة باشنيان إلي روسيا
13:00 08.05.2024
مؤتمر صحفي للرئيس الأذربيجاني ونظيره البلغاري
12:30 08.05.2024
بدأ الاجتماع الموسع بين علييف ورئيس بلغاريا
12:15 08.05.2024
علييف يجتمع مع رئيس بلغاريا
12:00 08.05.2024
ميرزايف عن ذكري احتلال شوشا : لم أكن أتصور أن يتم احتلال شوشا بهذه الطريقة
11:00 08.05.2024
أسعار النفط تتراجع مع زيادة المخزونات الأمريكية
10:30 08.05.2024
السفيرة أذربيجانية في بريطانيا : أذربيجان وأرمينيا تسيران نحو السلام الدائم
10:15 08.05.2024
ما هي تداعيات اجتياح رفح علي المنطقة؟
10:00 08.05.2024
تيك توك ترفع دعوى لوقف بيع التطبيق أو حظره في أمريكا
09:15 08.05.2024
أنباء عن تولي شركة أمريكية إدارة معبر رفح بعد الحرب
09:00 08.05.2024
الشرطة الهولندية تفض احتجاجاً مؤيداً للفلسطينيين في جامعة أمستردام
17:00 07.05.2024
الرئيس البلغاري يصل اذربيجان في زيارة رسمية
16:30 07.05.2024
تراب رضاييف: دعوة أذربيجان يمكن أن تكون فرصة ذهبية لإحلال السلام في المنطقة
16:00 07.05.2024
علييف يجتمع مع رئيس وزراء سلوفاكيا
13:45 07.05.2024
علي أحمدوف : ثلث دول العالم تعاني من مشكلة الالغام
علي أحمدوف : ثلث دول العالم تعاني من مشكلة الالغام
13:30 07.05.2024
الولايات المتحدة ... اعتقال 2500 خلال المظاهرات المؤيدة لفلسطين
13:15 07.05.2024
قطر: حديقة القرآن تحصل على الاعتماد الدولي في صون الموارد النباتية
13:00 07.05.2024
شي يحث ماكرون على مساعدة الصين في تجنب حرب باردة جديدة
12:45 07.05.2024
حماس توافق على مقترح مصري- قطري لوقف النار
12:30 07.05.2024
مصر ترفع مستوى التأهب في شمال سيناء
12:15 07.05.2024
شولتس يعلن الاتفاق على استخدام عائدات الأموال الروسية المجمدة لشراء أسلحة لأوكرانيا
12:00 07.05.2024
روسيا: سنتعامل مع مقاتلات إف- 16 في أوكرانيا على أنها تحمل أسلحة نووية
11:45 07.05.2024
حماس تحذر إخلاء رفح تطور خطير وسيكون له تداعيات
11:30 07.05.2024
حرب غزة تلقي بظلالها على العلاقات بين إيران وسوريا
11:15 07.05.2024
جهود مصرية لاحتواء التصعيد بين حماس وإسرائيل
11:00 07.05.2024
تركيا.. ضبط 3 آلاف و380 قطعة أثرية في إزمير
10:45 07.05.2024
أردوغان يرحب بإعلان حماس قبولها وقف إطلاق النار
10:30 07.05.2024
جميع الأخبار