بين أفول نظام دولى وميلاد آخر.. سنوات صعبة

مقالات 14:19 25.04.2024

نعيش مرحلة غير عادية. نسأل كثيرا ونتساءل أكثر. نعرف أن تيارات تجرفنا ولكن إلى أين، لا ندرى. العالم من حولنا يتغير وما زال السؤال يلح إن كنا حقا تغيرنا معه. تثبت الأيام الصعبة التى نمر فيها أن أحداثا عظام وقعت ما كان يجب أن تقع وأن أحداثا كثيرة عادية لم تقع وكان يجب أن تقع. أتحدث هنا عنا كعرب رغم علمى أن العروبة لم تعد بالضرورة هوية كل العرب.

أتحدث أيضا باسم جيل كان شاهدا على نشأة نظامين فى لحظة كادت تكون واحدة. جيل كان شاهدا على ميلاد نظام دولى جديد عرفناه باسم نظام القطبين وميلاد نظام إقليمى جديد أطلقنا عليه النظام الإقليمى العربى. تأثرا ببعضهما أيما تأثير. تأثر نمط التحالفات فى النظام العربى بنمط وطبيعة التحالفات فى النظام الدولى، وتأثر نمط السلوك السياسى للدول القائدة فى كل نظام بنمط سلوك الدول القائدة فى النظام الآخر. أصبحنا لنجد فى النظام العربى دولا تنهج نهجا يساريا وأخرى ترفع شارات اليمين بكل تياراته وأنواعه، ولكل دولة انحيازاتها الحرة فى سياساتها الخارجية نحو قطب بعينه.

هذا الجيل نفسه كان شاهدا على تحول هائل فى شكل وهيكل النظام الدولى من شكل وهيكل النظام الثنائى القطبية إلى شكل وهيكل نظام أحادى القطبية، وهو النظام الذى استحق بسلوكيات قائده وتصرفاته ونمط تحالفاته أن يسمى بنظام الهيمنة. هيمنت الولايات المتحدة على النظام الدولى وصارت تؤثر مباشرة وبقوة فى نمط تحالفات وتفاعلات الدول الأخرى المنضوية تحت عنوان نظام إقليمى أو آخر.

بدأنا نشاهد آثار هذا التحول علينا فى أواخر القرن الماضى. لم يكن غريبا، وإن بدا لنا خطيرا، الانحسار الواضح فى التزام دول النظام الإقليمى العربى الانتماء إلى العروبة عقيدة أو هوية. لاحظنا، وكنا نتابع عن كثب بعد أن كنا، أنا وفريق باحثين ومهتمين، نتابع من داخل مؤسسات النظام الإقليمى كالجامعة العربية ومنظماتها المتخصصة، كيف أدت نهاية القطبية الثنائية فى النظام الدولى إلى تراجع حاد فى الخطاب القومى، مضمونا وترديدا. رأينا أيضا كيف، وبسرعة، توقف أو كاد يتوقف السعى نحو تحقيق تنمية إقليمية عن طريق تنفيذ مشاريع تكاملية، ولا أقول اندماجية. رأينا، وهو الأخطر، سقوط دول عربية، الواحدة بعد الأخرى، فى مستنقع الانفراط أو الفوضى الداخلية. فى بعض الحالات كان السقوط، وما يزال، رهيبا ومكلفا لارتباطه بأوضاع طائفية عاشت هادئة لسنوات فى كنف سيادة الخطاب القومى وعلو صوت العمل العربى المشترك. المهم فى هذا المجال التصريح بأن الولايات المتحدة كانت طرفا مؤثرا وفاعلا فى معظم هذه الحالات ولا تزال قواتها العسكرية فى دول عربية مقيمة لا تغادر.

لا شك أن المرحلة التى هيمنت فيها دولة واحدة على النظام الدولى كانت من أسوأ المراحل التى مر بها هذا النظام، ولعل السبب يكمن، على الأقل من الناحية النظرية، فى أن أمريكا باعتبارها القطب المهيمن، لم تكلف نفسها عناء وضع قواعد عمل جديدة تتناغم والتحول الهائل من نظام ثنائى القطبية إلى نظام القطب الواحد. إذ راحت أمريكا تتعامل مع منظومة قيم وضعت فى ظل توازن دولى معين وبالتأكيد لا تصلح فى ظل هيمنة قطب واحد، حتى إن كان هو نفسه القطب الذى شرع قواعد المرحلة، مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية.

المرحلة الأسوأ فى تقديرى هى تلك التى نمر فيها سواء كنا دولا فى منظومة دول عربية أو كنا لاعبين فى منظومة عالمية. نمر فى مرحلة تستحق أن أطلق عليها مرحلة أفول الهيمنة الأمريكية وإن كنا ما نزال فى بدايتها التى قد تطول لأسباب يجب أن تكون فى الحسبان. علامات هذا الأفول كثيرة أنتقى منها القليل لأهميته بالنسبة لموضوعنا هنا:

أولا: حالة هياج. أقصد به فلتان فى تصرفات وسلوكيات العديد من قادة الدول، حتى الكبرى منها. يمتد هذا الفلتان إلى التحدى الصارخ من جانب دول صغيرة لإرادة ونفوذ دول كبيرة منها دول استعمار قديم ودول استيطان حديث. يمتد أيضا إلى التحدى المدروس من جانب قطب ناهض كالصين وقطب يحن إلى تاريخه الإمبراطورى كروسيا. لاحظنا أنواعا من فلتان إسرائيل التى غامرت بأغلى ما تملك، وهو دعم أمريكا، لتجبر واشنطن على الانصياع لتنفيذ هدف وجودها وتوسعها، ونجحت.

ثانيا: زيادة فى تطبيقات ظاهرة انفراط الدولة القطرية فى عديد الأقاليم وبخاصة فى الشرق الأوسط. أهم التطبيقات وأخطرها وإن كان ما يزال محل تكهنات ومخاوف هو ما يتردد عن تعدد متزايد فى مؤشرات واحتمالات نشوب حرب أهلية ثانية فى الولايات المتحدة. يأتى فى صدارة هذه المؤشرات التصريحات النارية والتهييجية الصادرة مؤخرا عن الرئيس السابق دونالد ترامب، وله سوابق فى هذا الشأن.

ثالثا: التعقيدات الكثيرة التى تواجه عملية البحث عن بديل لحالة بدء أفول نظام الهيمنة الأمريكية على النظام الدولى. من هذه التعقيدات ثلاثة تستحق التوقف عندها: 

(1) شيوع عبارة عالم الجنوب كمفهوم مبتكر غير محدد المعنى والحدود والعضوية، وحده لا ينفع كبديل لنظام الهيمنة، ولكن كمكمل قد ينفع كمحسن للهيمنة التى تمارسها أمريكا ومرطب لأدائها. 

(2) أمريكا تقيم أحلافا متحركة ومتنقلة أو أحلافا لقضية بعينها كتجربة تفيد فى تأكيد الهيمنة وتعزيزها ولتعويض العجز الناتج عن انحدار مكانتها وعن ضعف إمكاناتها المخصصة لفرض النظام الذى تريد. 

(3) اتساع الفجوة بين منظومة القيم التى تتمسح بها أمريكا والغرب عامة من جهة وبين السلوكيات الفعلية لها ولهذه الدول من جهة أخرى. إسرائيل بما فعلته فى غزة وبما تفعله فى الضفة الغربية فضحت إلى أقصى درجة مدى اتساع هذه الفجوة الكاشفة أيضا عن صعوبة تخلص أو تخليص أمريكا من ورطتها، حتى عند لحظة الأفول. هنا يأتى التقرير عن حال حقوق الإنسان الصادر قبل يومين أو ثلاث عن وزارة الخارجية الأمريكية وتقديم أو عرض الوزير بلينكن له نموذجا صارخا للمدى المخزى الذى وصل إليه اتساع الفجوة بين منظومة القيم والتزام أمريكا وبقية دول حلف الغرب باحترامها.

العالم فى ورطة، وعالمنا العربى جزء منه. كلاهما فى حال انتقال إلى شىء آخر غير معلومة حدوده أو شكله أو شروطه أو القيم التى يتحلى بها عن اقتناع، أو يتسلح بها ليقهر غيره.

 

جميل مطر  

كاتب ومحلل سياسي 

 

مؤسسة أوراسيا الدولية للصحافة تشارك في معرض التوظيف في جامعة "أضا"

أحدث الأخبار

المحكمة الجنائية الدولية تحذّر من تهديدات انتقامية ضدها
13:00 04.05.2024
فيتش تعدل النظرة المستقبلية لمصر من مستقرة إلى إيجابية
12:00 04.05.2024
السوداني يدعو الأحزاب إلى احترام الدولة
11:00 04.05.2024
حماس: ذاهبون إلى القاهرة بروح إيجابية للتوصل إلى اتفاق
10:00 04.05.2024
تحذير أممي من مذبحة في رفح
09:00 04.05.2024
إرهابيون يفجرون جسراً في النيجر
17:30 03.05.2024
المغرب: تفكيك خلية إرهابية مرتبطة بـداعش
17:00 03.05.2024
ألمانيا تحبط هجوماً إرهابياً بقيادة 4 شباب
16:30 03.05.2024
إيران تعلن الإفراج عن طاقم سفينة برتغالية
16:00 03.05.2024
صحفي ألماني: الصحفيون يواجهون التحديات المستمرة في نشر المعلومات
15:30 03.05.2024
موسكو تطرح قراراً أممياً يحظر تسليح الفضاء إلى الأبد
15:00 03.05.2024
والي الخرطوم يعلن حالة الطوارئ في الولاية
14:30 03.05.2024
كيف سيستجيب الاتحاد الأوروبي لطلب المجر بشأن أذربيجان؟
14:00 03.05.2024
مصر تشير إلى تقدم إيجابي في مفاوضات هدنة غزة
13:30 03.05.2024
وفاة الشيخ طحنون بن محمد آل نهيان
13:00 03.05.2024
لقاء تاريخي بين أردوغان وزعيم المعارضة ناقش مشاكل تركيا
12:45 03.05.2024
علييف يستقبل وزير الطاقة السعودي
12:19 03.05.2024
الاتحاد الأوروبي يخصص 2 مليون يورو إضافية لإزالة الألغام في أذربيجان
12:00 03.05.2024
ميرزاييف: " يتشكل المجتمع المدني عندما يعبر الجميع عن آرائهم بحرية
11:39 03.05.2024
تركيا تعلن قطع جميع العلاقات التجارية مع إسرائيل
11:11 03.05.2024
أذربيجان تحيي اليوم العالمي لحرية الصحافة
11:04 03.05.2024
حركة إم 23 تسيطر على مدينة غنية بالمناجم في الكونغو الديمقراطية
10:45 03.05.2024
بن طالب وحكيمي مرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب أفريقي بالدوري الفرنسي
10:30 03.05.2024
باكو تستضيف منتدى منظمي رحلات منظمة التعاون الاقتصادي
10:15 03.05.2024
الحرس الثوري: إيران استخدمت 20% فقط مما أعدته للهجوم على إسرائيل
10:00 03.05.2024
الأمم المتحدة: 7500 طن ذخائر غير منفجرة متناثرة في أنحاء غزة
09:45 03.05.2024
إعادة إعمار غزة قد تستمر للقرن المقبل
09:30 03.05.2024
أردوغان: من يتشدقون بحقوق الإنسان اكتفوا بمشاهدة مقتل 35 ألف فلسطيني في غزة
09:15 03.05.2024
ارتفاع حصيلة شهداء الكوادر الطبية بغزة إلى 496
09:00 03.05.2024
الكاف يحدد منافس الزمالك في نهائي الكونفدرالية
18:00 02.05.2024
مشكلة الألغام وانسحاب قوات حفظ السلام الروسية من قاراباغ
17:21 02.05.2024
فرنسا تدعو للهدوء في الجامعات مع تصاعد تأييد غزة
17:00 02.05.2024
الولايات المتحدة : جورجيا تخاطر بعلاقاتها مع الغرب
16:00 02.05.2024
علييف: هناك حالات جفاف في أذربيجان
15:30 02.05.2024
علييف : تحضيرات استضافة قمة المناخ مستمرة
15:15 02.05.2024
ميقاتي: لبنان يتحمل العبء الأكبر في أزمة اللاجئين السوريين
15:00 02.05.2024
برلماني أوكراني : لابد من نشر رؤوس نووية في أوروبا الشرقية
14:58 02.05.2024
مصادر إعلامية : باكو وسيط محتمل بين تل أبيب وأنقرة
14:33 02.05.2024
عبد الله بن زايد يلتقي زعيم المعارضة الإسرائيلي ويبحث معه أزمة غزة
14:00 02.05.2024
الفلبين تستدعي السفير الصيني
13:30 02.05.2024
جميع الأخبار