تستضيف مدينة سمرقند بجمهورية أوزبكستان، اجتماعات الدورة الخامسة والعشرين للجمعية العامة لمنظمة السياحة العالمية، خلال الفترة من 16 إلي 20 أكتوبر 2023. يأتي ذلك تزامناً مع اختيارها عاصمة للسياحة العالمية لعام 2023. وبهذه المناسبة تم التوقيع من قبل زوراب بولوليكاشفيلي، الأمين العام لمنظمة السياحة العالمية، وأولوغ بيك أعظموف النائب الأول لوزير الثقافة والسياحة بجمهورية أوزبكستان، وعزيز عبد الحكيموف رئيس جامعة "طريق الحرير" الدولية للسياحة على مذكرة بشأن إنشاء أكاديمية السياحة الدولية في مدينة سمرقند. والتي من شأنها أن تعمل علي تعزيز التعاون بين جمهورية أوزبكستان ومنظمة السياحة العالمية وإعداد المختصين في قطاع السياحة على المستوى العالمي.
تمتلك سمرقند تراثًا ثقافيًا وحضاريًا كبيرًا نتج ذلك عن التاريخ العريق الذي تمتلكه سمرقند. ورغم الاختلاف حول مؤسس المدينة، حيث يرجعه البعض إلي كيكاوس بن كيقباذ، وهناك من يقول أنه الإسكندر الأكبر، في حين يقول البعض الآخر أنه شمر أبو كرب، ولذلك سميت "شمركنت" وتم تعريبها إلى "سمرقند"، أي "قلعة الأرض"، وقد وصفها "ابن بطوطة" بقوله: " إنها من أكبر المدن وأحسنها وأتمها جمالاً، مبنية على شاطئ وادٍ يعرف بوادي القصَّارين، وكانت تضم قصورًا عظيمة، وعمارة تُنْبئ عن هِمَم أهلها."
دخل الإسلام إلي سمرقند عام 87هـ/ 705 م، على يد القائد قتيبة بن مسلم الباهلي، ثم أعاد فتحها مرة أخرى عام 92هـ/ 710م. وقد عمل المسلمون علي تحويل عدد من المعابد إلى مساجد لتأدية الصلاة، وتعليم الدين الإسلامي لأهل البلاد. وفي العصر العباسي ازدهرت مدينة سمرقند بشكل كبير، حيث شكلت سمرقند احد حواضر العالم الإسلامي، وازدهرت الحياة الاجتماعية والاقتصادية بها إلي جانب بخاري في عهد الدولة السامانية حتى حكم الدولة الخوارزمية في عهد السلطان علاء الدين محمد بن تكش عام 606هـ/ 1209م.
ينسب إلي مدينة سمرقند العديد من أعلام الفقه والعلوم الإسلامية، من بينهم: محمد بن عدى بن الفضل أبو صالح السمرقندي، المتوفي عام 444 هـ. أحمد بن عمر الأشعث أبوبكر السمرقندى، الذي كان يكتب المصاحف من حفظه، والمتوفى عام 489هـ. أبومنصور محمد ابن أحمد السمرقندي، الفقيه الحنفي، صاحب كتاب "تحفة الفقهاء".
قام المغول بتدمير معظم العمائر الإسلامية، بعد أن دخلها جنكيز خان في العاشر من المحرم 617 هـ/ 1220 م، حيث دمر قصر الحاكم، وأمر بالقتل والنهب وأسر الآلاف من صناع سمرقند المهرة وفرضت الضرائب الباهظة على من تبقى من السكان في المدينة وأمسى الجزء القديم من المدينة خراباً مهجوراً بسبب تدمير قناة المياه الجارية، وبعد أن اعتنق المغول الإسلام، اتجهوا إلى تشييد العديد من العمائر الإسلامية، خاصة في العهد التيموري، وذلك على مدى 150 عامًا، هي فترة حكمهم لبلاد ما وراء النهر من عام 617 هـ/ 1220 م، إلى عام 772 هـ/ 1370 م.
عقب سيطرة الأمير تيمور على سمرقند في العصور الوسطى، جعلها عاصمة لدولته. وأحضر إليها أفضل المعمارين، والفنانين والحرفيين من شتى بقاع الأرض، لبناء المدينة بأفضل شكل ممكن، ما جعلها مركز ثقل العالم في تلك المرحلة من التاريخ. وتحولت سمرقند إلى مركز علمي عالمي في عهد ابنه أولوغ بيك. ونجحت المدينة في نيل إعجاب كل من زارها على مر القرون الماضية، لا سيما أنها كانت من أهم أجزاء طريق الحرير. ولا تزال المدينة التي حظيت بمكانة واسعة في أشعار ومدائح وروايات الشعراء والكتّاب، تحافظ على رونقها التاريخي حتي اليوم.
تشتهر سمرقند بكثرة قصورها التي ترجع إلي عهد الأمير تيمورلنك، منها: قصر دلك شاه "القصر الصيفى"؛ والذي يتميَّز بمدخله المرتفع المزدان بالآجر الأزرق والمُذَّهب، وكان يشمل على ثلاث ساحات في كل ساحة فسقيه. قصر باغ بهشت "روضة الجنة"، وقد شُيِّد بأكمله من الرخام الأبيض المجلوب من تبريز فوق ربوة عالية، وكان يحيط به خندق عميق ملئ بالماء، وعليه قناطر تصل بينه وبين المنتزه. قصر باغ جناران "روضة الحور"، وقد عرف بهذا الاسم لأنه كانت تحوطه طرق جميلة يقوم شجر الحور على جوانبها، وكان ذا تخطيط متقاطع متعامد. مدرسة بيبى خانم؛ وتتميز بصحنها الأوسط المكشوف، مع وجود أربعة إيوانات. مدرسة وخانقاه وضريح الأمير تيمور "كور أمير"، والذييعتبر مجمعًا دينيًا شيده المهندس الأصفهاني محمد بن محمود البنا عام 807هـ/ 1405 م. ميدان ريجستان؛ وقد شيده الأمير تيمور، ليستعرض فتوحاته فيه.
تضم سمرقند إلي جانب القصور، العديد من العمائر الجنائزية، أهمها: تجمع شاه زنده الجنائزي، في الطرف الجنوبي من أطلال أفروسياب وسط مقبرة كبيرة ظهرت في نهاية القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي، وبداية القرن السادس الهجري/ الثاني عشر الميلادي، ويعد الأمير تيمور، أول من وضع اللبنات الأولى لهذا البناء ليكون مجمعاً جنائزياً لأفراد الأسرة التيمورية. ويضم عدداً من قباب الدفن لأمراء وأميرات من البيت التيموري بالإضافة لبعض الشخصيات ذات المكانة العلمية والدينية في العصر التيموري. ويتكون من ثلاث مجموعات، العليا والوسطى والسفلى يربط بينهما ممر مستطيل الشكل مكشوف وغير منتظم وتضم هذه المجموعات عدداً من قباب الدفن "كورخانة" وحجرة الزيارة "زيارات خانة"، فضلاً عن المساجد والمدارس.
تقع قبة مدفن خواجة أحمد الديلمي المتوفي عام 741 هـ/ 1340 م في نهاية الدهليز الذي يتوسط المنطقة العليا من تجمع شاه زنده، وقد شيدت القبة من الأجر، وتتكون مربع يشغل كل ضلع من أضلاعها الثلاثة داخلة مستطيلة الشكل قليلة العمق في حين يشغل الضلع الرابع كتلة المدخل ويغطي التربيع الأرضي سقفاً مسطحاً وهو يختلف عن كل قباب المدفن بتجمع شاه زنده من حيث استخدام القباب ذات الأشكال والزخارف المتنوعة في التغطية.
يقع مجمع قثم بن العباس، في الجهة الشرقية من المنطقة العليا بتجمع شاه زنده، ويعد هذا المجمع هو الأساس في بناء التجمع المعماري كله، ويضم هذا المجمع ثلاث وحدات معمارية مختلفة الوظيفة، وهي قبة الدفن، وحجرة الزيارة، والمسجد، وتنسب إلى فترات تاريخية مختلفة، فقبة الدفن ترجع إلى ما قبل العصر التيموري، في حين شُيدت حجرة الزيارة عام 735 هـ/ 1334 م، أما المسجد فقد شُيد عام 834 هـ/ 1430 م. وتفضي فتحة المدخل المستطيلة التي يحيط بها إطار مستطيل الشكل من البلاطات الخزفية المزخرفة بالأوراق والأزهار والفروع النباتية بالإضافة إلى النقوش الكتابية إلى دهليز مستطيل الشكل تتوسطه في الجهة الجنوبية فتحة باب مستطيلة تؤدي إلى المسجد.
تقع قبة مدفن شيرين بيك أقا، على يمين الداخل إلى المنطقة الوسطى من تجمع شاه زنده الجنائزي وقد شيدت هذه القبة الملكة شيرين بيك أقا -ابنة ترغاي- أخت الأمير تيمور لنفسها عام 686 هـ/ 1385 م. ويتكون تخطيطها المعماري من مساحة مربعة بكل ضلع من أضلاعها داخلة مستطيلة معقودة بعقد مدبب ذي أربعة مراكز وبصدر كل داخلة نافذة مستطيلة معقودة، ويغطي التربيع الأرضي قبة قطاعها على هيئة عقد مدبب القمة وبه تحديب خفيف عند التقاء الخوذة بالرقبة والقبة محمولة على حنايا ركنية مقرنصة تليها رقبة القبة المثمنة التي تضم ست عشرة داخلة مستطيلة ومعقودة وبعضها مصمت والبعض الآخر فتحت به نوافذ مغشاة بالزجاج الملون، ويلي المثمن خوذة القبة وهي عميقة ومزخرفة من الداخل بالتذهيب والألوان، وللقبة رقبة أسطوانية طويلة مزخرفة بدخلات مستطيلة مغشاة بالفسيفساء الخزفية التي سقط بعضها.
تقع قبة مدفن ألجي شاد ملك أقا، ضمن المجموعة الوسطى لتجمع شاه زنده الجنائزي وقد شيدت هذه القبة قتلنغ تركان أقا إحدى زوجات الأمير تيمور، لابنتها ألجي شاد ملك أقا، ويرجع تاريخ إنشائها إلى العشرين من جمادى الآخرة 773 هـ/ 29 ديسمبر 1372 م. وقد شيدت القبة من الأجر، ويتكون التخطيط العام لها من مساحة مستطيلة الشكل تمتد من الشرق إلى الغرب ويشغل كل ضلع من أضلاعها داخلة مستطيلة الشكل معقودة بعقد مدبب ويغشى الجدران والدخلات الرأسية فسيفساء خزفية بهيئة مساحات مستطيلة ويتوسطها أشكال دوائر بها زخارف هندسية بأشكال مختلفة ويفصل بينها إطارات مستطيلة يزخرفها نقوش كتابية بالخط الكوفي المضفور.
شُيد مسجد بيبي خانم ما بين عام 801 هـ/ 1398 م، وعام 806 هـ/ 1403 م، ويقع في الجهة الشرقية من ميدان ريجستان "الأرض الرملية". وقد شيد المسجد من الأجر، ويتكون التخطيط العام من مساحة مستطيلة الشكل تمتد من الشرق إلى الغرب بطول 167 مترًا، وعرض 109 أمتار، يتوسطها صحن مكشوف تحيط به أربع ظلات أكبرهما عمقاً واتساعاً ظلة القبلة، ويتخلل تلك الظلات أربع ايونات تقع في منتصف كل ضلع من الأضلاع الأربعة، ويقع خلف ثلاثة منها ثلاث حجرات مربعة كمقاصير خصصت لإلقاء الدروس ويغطي الظلات والحجرات قباب مختلفة الأحجام لم يتبق منها سوى قباب المقاصير الثلاثة.
أما مسجد تومان أقا، فيقع ضمن مجمع تومان أقا، والذي يشتمل على قبة دفن وحجرة للزيارة بالإضافة إلى المسجد. وقد شيد المسجد من الأجر، وعلى الرغم من أنه أطلق عليه مسمى "مسجد" كما ورد في النقش الإنشائي إلا أن تخطيطه اقتصر على بيت الصلاة فقط، وجاء علي شكل مستطيل قريب من المربع، حيث يبلغ بعداه 8.15، 8.36 مترًا، وينقسم من الداخل إلى ثلاثة أقسام رأسية تمتد من الشرق إلى الغرب بواسطة بائكتين عموديتين على جدار المحراب ويغطي الأقسام سقف مقبى منخفض. وللمسجد مدخل يقع في الجهة الشرقية يفضي إلى الداخل مباشرة تقابله حنية محراب بسيطة.
تطورت فنون العمارة في سمرقند، حيث شهدت إنشاء العديد من المدارس، مثل مدرسة ميرزا أولوغ بيك. في الجهة الغربية من ميدان ريجستان في مواجهة مدرسة شيردار، والتي شيدها ميرزا أولوغ بيك بن شاه رخ بن الأمير تيمور عام 820 هـ/ 1417 م. وهي عبارة عن صحن أوسط مكشوف تحيط به أربعة إيوانات معقودة بعقود مدببة أكبرها عمقاً واتساعاً الإيوان الغربي "إيوان القبلة"، ويكتنف الإيوانات حجرات سكن الطلاب "درس خانة" في طابقين وهي حجرات مستطيلة الشكل معقودة بعقود مدببة، ويقع خلف الإيوان الغربي مسجد مستطيل الشكل يمتد من الشمال إلى الجنوب يتكون من رواقين تسير عقود بوائكهما موازية لجدار المحراب الذي يتوسط الجدار الغربي ويكتنف المسجد من الجانبين الشمالي والجنوبي حجرة مربعة بكل ضلع من أضلاعها دخلة مستطيلة عميقة ويغطي كل حجره قبة مدببة ذات تفصيصات محمولة على رقبة أسطوانية الشكل. كما تحتضن سمرقند ضريح الإمام محمد بن إسماعيل البخاري، صاحب صحيح البخاري، وهو عبارة عن بناء بسيط طابعه إسلامي تعلوه قبة محززة، يوجد تحتها ضريح الإمام.
بقلم : أحمد عبده طرابيك