رفض السويسريون بأغلبية قوية غير متوقعة مبادرة شعبية تدعو إلى الخروج المُبكِّر والنهائي من الطاقة النووية في موعد لا يتجاوز عام 2029، ليوافقوا بذلك على توصية من الحكومة حثت على الاستمرار في الاعتماد على الطاقة النووية، طالما بقيت المفاعلات في البلاد تعمل بشكل آمن. ويدعو جوهر المبادرة إلى إلغاء محطات توليد الطاقة النووية في نهاية مدة 45 عاما واستبدال الذرة بـ "الأخضر".
وجاء الرفض بنسبة 54.2 في المائة من المصوتين، وهو منظور يعادل 1.3 مليون شخص، في حين وضع نحو مليون مصوت "نعم" للإلغاء المُبكر. كما تم رفض المبادرة من قِبل غالبية المقاطعات في البلاد، باستثناء أربع مقاطعات من سبع ناطقة بالفرنسية، في حين رفضت جميع المقاطعات الناطقة بالألمانية المبادرة باستثناء اثنتين.
ومن المفارقات، أن رفض المبادرة وصل إلى نسبة 60.5 في المائة في مقاطعة، سولير، حيث يوجد أحد المفاعلات النووية "جوسجين"، ويصعد الرفض إلى نسبة 63 في المائة في مقاطعة، آركوفي، التي تستضيف مفاعلين اثنين "بيزناو 1، ولايبشتادت"، وبنسبة 56.2 في المائة في مقاطعة بيرن التي تستضيف مفاعل موهيلبيرج، على الرغم من أن جوهر المبادرة في إلغاء المفاعلات يستند إلى دواع صحية وأمنية.
وبحسب الدستور السويسري، فإنه يحق لأي مواطن التقدم بمبادرة شعبية يتم طرحها للتصويت العام لإقرار قانون جديد، أو تعديل قانون قائم، بشرط أن يجمع 100 ألف توقيع تؤيد مبادرته. ولا تأخذ المبادرة قوة القانون إلا إذا نالت موافقة أكثر من نصف المصوتين في البلاد على أن يكونوا موزعين على أكثر من نصف عدد المقاطعات السويسرية الـ 26.
وتملك سويسرا خمسة مفاعلات لتوليد الطاقة النووية، تنتج في مجموعها نحو 40 في المائة من الكهرباء في البلاد. تتمتع جميع هذه المفاعلات بصلاحية الاستمرار في استخدامها إلى أجل غير مسمى، ما يعني أنها يمكن أن تبقى تعمل طالما أنها آمنة. لكن أهمية هذه المراكز تبرز بشكل أقوى في فصل الشتاء عندما يكون استهلاك الكهرباء مرتفعا جدا، ومراكز توليد الطاقة الكهربائية من المساقط المائية محدودا بسبب تجمد المياه، وعليه تم اعتبار المفاعلات أساسية من ناحية ضمان التزود بالطاقة الكهربائية.
وبعد حادث مفاعل فوكوشيما في اليابان في آذار (مارس) عام 2011، تبنت الحكومة السويسرية والسلطة التشريعية في ذات العام مبادئ تؤكد الرغبة في الخروج التدريجي من الطاقة النووية، بموجب خطة أسمتها "استراتيجية الطاقة لعام 2050" أكدت فيها أن المفاعلات الخمسة لن يتم استبدالها عندما تصل إلى نهاية حياتها، بمعنى آخر أنها أقرت أنها لن تشرع في بناء مفاعلات نووية جديدة، كبديل عن تلك التي ينتهي عمرها، من ناحية، وأنها ستخرج نهائيا من الطاقة النووية في نهاية حياة المفاعل، من ناحية أخرى.
واقتضت الخطة أن تقوم البلاد بإصلاح نظام استيراداتها من الطاقة، وتقليص استهلاك الطاقة، وتحسين فعالية الطاقة، وزيادة حصة الطاقة المتجددة في الاستهلاك، وأيضا نقش مادة في قانون الطاقة النووية يمنع بناء مفاعلات جديدة.
أما المبادرة الشعبية التي تم رفضها اليوم، فهي الأخرى تحظر بناء مفاعلات جديدة، لكنها تريد علاوة على ذلك تحديد فترة زمنية معينة لاستخدام المفاعلات الخمسة في وقت لا يتجاوز عام 2029، وأن يتم حفر مادة في الدستور تمنع بناء مفاعلات جديدة مستقبلا.
وعليه لو كانت هذه المبادرة قد نالت موافقة المصوتين أمس، فإن مفاعل، بيزناو 1، الذي دخل حيز التشغيل عام 1969، كان سيتم إيقافه عن العمل في نهاية عام 2017، ثم يتم الشروع في هدمه. الأمر نفسه ينطبق على مفاعلات، بيزناو 2، وموهيلبيرج، اللذين تم بناؤهما عام 1972. وأن يتم إيقاف مفاعل، جوسجين، الذي تم بناؤه في عام 1979، في عام 2024، ومفاعل، لايبشتادت، الذي تم بناؤه في عام 1984، في عام 2029، أي عندما يبلغ عمر كل منهما 45 عاما. وفي المجمل العام، خططت المبادرة لأن يتم الخروج نهائيا من الطاقة النووية في غضون 13 عاما من الآن.
وإذا كانت الحكومة تعترف بأنه يتعين إيجاد بديل للطاقة النووية، إلا أنها ترفض أن يتم ذلك على عجل. تقول "إن الإغلاق المبكر للمفاعلات سيولد هبوطا حادا في إنتاج الكهرباء، إذ إن إغلاق ثلاثة مفاعلات في عام 2017، سيقلص إنتاج الكهرباء بمقدار الثلث، وسيجعل من المستحيل تعويض الطاقة المنتجة من المفاعلات من الطاقة المتجددة التي يتم إنتاجها في سويسرا، ما سيتعين استيراد كميات كبيرة من الكهرباء من فرنسا أو ألمانيا، وهو ما يُزيد من الاعتماد على التزود بالطاقة من الخارج، ويضع أمن التزود بالطاقة في مخاطر.
علاوة على ذلك، تقول الحكومة، "إن البنية التحتية لشبكة الطاقة ليست كافية كي تسمح بتحقيق زيادة جوهرية في استيراد الكهرباء، كما أن الكهرباء المستوردة من البلدان المجاورة هي مُنتجة أصلا من الطاقة النووية أو الفحم، ما يُضعف المعنى البيئي للمبادرة".
وتقول الحكومة أيضا "إن إيقاف محطات توليد الطاقة قبل الأوان، يمكن أن يكون مكلفا جدا. إذ إن شركة، أكسبو، إحدى الشركات التي تتولى تشغيل المفاعلات قد حددت أربعة مليارات فرنك "4.2 مليار دولار" كتعويض عن استثماراتها المفقودة، في حين حددت شركة، البيك، خسائرها بحدود 2.5 مليار فرنك "2.6 مليار دولار".
وأيد المبادرة، الحزب الاشتراكي، وحزب الخضر، في حين رفضتها أحزاب اليمين وأغلب الاقتصاديين منذ البدء.