قد واجهت قطر ضغوطا تمارسها أربع الدول الخليجية هي السعودية والبحرين والامارات العربية المتحدة واليمن والدوتان العربيتان الأخريان وهما مصر وليبيا. قطهت العلاقات الدبلوماسية وأعلقت الحدود، وكما أغلق المجال الجوي مع قطر. ومن المتوقع أن تؤدي الأزمة في العلاقات بين أعضاء مجلس التعاون الخليجي، إلى جانب عمان والكويت، إلى بعض المشاكل في منطقة الخليج.
قد أجرى المحلل في مركز الدراسات الدولية والإقليمية، بجامعة جورجتاون في قطر السيد إسلام حسن مقابلة حصرية مع يوميات أوراسيا. وقد عمل سابقاً في كلية الآداب والعلوم ومركز أبحاث الدراسات الخليجية بجامعة قطر. وبصفته ناقداً وباحثاً يركز عمله على دراسات منطقةالخليج الفارسي (العربي)، وسياسات المقارنة والعلاقات الدولية لمنطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا.
يوميات اوراسيا: قررت السعودية والدول العربية الاخرى توتير العلاقات مع قطر، حيث اتهمتها بدعم الجماعات الارهابية فى سوريا ومصر واليمن. في رأيك، كيف سيؤثر هذا القرار على قطر والمنطقة؟
إسلام حسن: فيما يتعلق بقطر، فإن قطع العلاقات الدبلوماسية يؤثر على البلاد بثلاثة طرق مختلفة. أولاً، اقترن قطع العلاقات الدبلوماسية بإغلاق الحدود والمجال الجوي والملاحة البحرية. وقد أثر ذلك على تدفق السلع والخدمات، لا سيما للمواد الغذائية وإمدادات المياه. وعلى الرغم من أن البلد كان قادراً على إيجاد مصادر بديلة لتلبية احتياجاته من الغذاء والماء، إلا أن هذه الطرق البديلة الآن ليست بالتأكيد فعالة. ثانياً، أدى إغلاق المجال الجوي إلى إصابة شركات الخطوط الجوية القطرية بجد. وكانت الخطوط الجوية القطرية، وهي شركة رائدة في قطر، تقوم بتشغيل 18 رحلة يوميا إلى السعودية والإمارات والبحرين ومصر، والتي تشكل ما يقرب من 18 في المئة من قدرة الشركة على النقل. وبالإضافة إلى ذلك، اضطرت شركات الطيران إلى تحويل جميع رحلاتها تقريباً من تحليق فوق البلدان المذكورة أعلاه، مما أدى إلى زيادة في فترات وتكاليف الرحلات الجوية؛ وفي المقابل خسارة كبيرة في الإيرادات. ثالثاً، هناك قدر كبير من المعاملات التجارية بين قطر والأطراف في الصراع. وقد وتوقفت هذه المعاملات بعد إغلاق الحدود والمجال الجوي والملاحة البحرية، مما أثر على الشركات التي تعتمد عليها.
كما أنه لقطع العلاقات الدبلوماسية تأثير على المنطقة بثلاث طرق. أولاً، تشكل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين كتلة داخل دول مجلس التعاون الخليجي تتعارض مصالحها مع مصالح قطر، في حين تمثل الكويت وعمان كتلة عدم الانحياز بين دول مجلس التعاون الخليجي. وما من شك في أن الانقسام بين دول مجلس التعاون الخليجي الآن أكثر عمقاً من أي وقت مضى، سيستمر في النمو بشكل أعمق. ثانياً، إن انعدام الثقة بين قادة دول مجلس التعاون الخليجي أكبر الآن من أي وقت مضى، ولن ينمو إلا أكثر. ثالثاً، بالنظر إلى أن العائلات والقبائل في الخليج لها فروع في أكثر من بلد، فإن القيود المفروضة على التنقل قد منع مواطني دول مجلس التعاون الخليجي من زيارة أسرهم في البلدان الخليجية الأخرى، كما حال دون أداء طقوسهم الدينية للحج في رمضان. وبالتالي، فإن ثقة مواطني هذه الدول في أعضاء مجلس التعاون الخليجي كنموذج اندماج ناجح سوف تتأثر بعد تقييد حرية التنقل، وسوف تظل هذه الندبة حتى بعد التسوية.
يوميات اوراسيا: يرى بعض الخبراء أن السبب الوحيد في التوتر بين قطر والدول العربية الأخرى يعود إلى تطبيع علاقات قطر مع إيران؟ ماذا يمكنك أن تقول عن هذا؟
إسلام حسن: لا أعتقد أن التطبيع مع إيران هو السبب الوحيد. ليس هناك شك في أن التطبيع مع إيران هو عامل، ولكن هناك عوامل أكثر أهمية. واعتباراً من عام 2000 وما بعده، تنتهج قطر سياسة خارجية مستقلة تتعارض أحياناً مع المصالح الاستراتيجية السعودية في المنطقة. إن عدم اتتباع دولة قطر توجيه السياسة الخارجية السعودية وتعاملها مع الدول والجهات غير الحكومية التي لم يوافق السعوديون على أنشطتها قد تسببت هذا التوتر في العلاقات على مدى العامين الماضيين، خاصة بعد الانتفاضات العربية. وقد أعيد إحياء هذا التوتر من قبل وكالة الأنباء القطرية والبيان الذي نسب إلى الشيخ تميم بن حمد الذي نفته قطر في وقت لاحق. حدث ذلك في وقت يواجه محمد بن سلمان منافسة محمد بن نايف على العرش السعودي. وحاول محمد بن سلمان أن يحظى ببركة الولايات المتحدة خلال زيارة ترامب للسعودية لإجبار قطر على الحضوع وضمان فوزة بدعم أمريكي من شأنه أن يعطيه مزيداً من الشعبية في المملكة العربية السعودية ويخفف من صعوده إلى السلطة.
أما دولة الإمارات العربية المتحدة، فهناك منافسة متواصلة بين آل نهيان في أبوظبي وآل ثاني في قطر. تعود هذه الخلافات إلى القرن التاسع عشر. وقد فتحت الانتفاضات العربية فصلاً جديداً في المناقسة القطرية الإماراتية. وأدى هذا إلى سحب السفراء من قطر في عام 2014. وفي بداية الأزمة الدبلوماسية الحالية، وخاصة بعد ملحمة القرصنة الت تبين ضلوع الإمارات فيها. ومع ذلك، فإن نشر قناة الجزيرة رسائل من البريد الإلكتروني ل يوسف العتيبة رمت الإمارات العربية المتحدة إلى أحضان المملكة العربية السعودية.
أما المملكة البخرينية فإنها مملكة صغيرة تدورعلى مدى العامين الماضيين في إطار السياسة الخارجية السعودية. ويبدو أن قطع العلاقات مع قطر كان استجابة لطلب سعودي.
وكانت لمصر علاقات متوترة مع قطر منذ سنوات عديدة، باستثناء فترة رئاسة محمد مرسي. وقد اعتبرت الحكومة المصرية أن قطر مصدر لعدم استقرار. كما يرى النظام المصري أن قطر تتحدى حكمه بتمويل الإخوان المسلمين والمنظمات الأخرى التي حظرها النظام باعتلارها كمنظمات إرهابية. وهكذا، فإن النظام المصري كان يحاول التراجع إلى قطر بأي وسيلة. ويبدو أن القضية الحالية بين الكتلة السعودية وقطر فرصة لممارسة الضغط على قطر لوقف تمويل جماعة الإخوان المسلمين، والجهات التابعة لها، ومؤيديها، وبدل هذا دعم نظام السيسي.
وفيما يتعلق باليمن وليبيا، لا تملك الدولتان الكثير من السيادة في الوقت الحالي. وهما يعانيان بشدة الحروب الأهلية التي يمران بها. وبالتالي، فإن دعم المملكة العربية السعودية، التي هي راعي الأنظمة فيهما، هو الخيار الوحيد في هذه الأزمة.
يوميات اوراسيا: دعا الرئيس ترامب ملك المملكة العربية السعودية إلى حث دول الخليج على عزل قطر. ما رأيك في أن ملك قطر سيحاول أن يبتعد عن الولايات المتحدة وأن يكون حليفاً وثيقاً مع روسيا وإيران؟
إسلام حسن: لم يطلب الرئيس دونالد ترامب من الملك سلمان عزل قطر، لكنه طلب في الواقع من دول مجلس التعاون الخليجي أن تبقى متحدة. وعلى الرغم من أن تغريدات الرئيس ترامب تدل على بركاته للضغط على قطر. فقد رأينا المسؤولين الأمريكيين الآخرين والرئيس ترامب نفسه يؤكدون مجدداً أن العلاقات الأمريكية القطرية ستبقى قابلة للحياة. كما اكدوا ان الولايات المتحدة ليست لديها خطط لنقل قاعدتها العسكرية التى تستضيفها قطر.
أما التقارب الوثيق مع روسيا وإيران، فلن يحدث ذلك. وستبقى الولايات المتحدة حليفة رئيسية لقطر. وبعد أن قلت ذلك، يجب أن نلاحظ أن التحوط هو تكتيك أساسي في السياسة الخارجية القطرية. وبعبارة أخرى، في الوقت الذي تتعاطى دولة قطر مع الولايات المتحدة ، ستحافظ على علاقات حساسة مع إيران وروسيا، مما يجعلهما لا عدوين ولا رفيقين قريبين.
يوميات اوراسيا: أعرب أمير دولة الكويت ورئيس جمهورية تركيا عن استعدادهما للتوسط في حل النزاع بين قطر والدول العربية الأخرى. ما هو رأيكم في ذلك؟
إسلام حسن: لا يمكن للرئيس أردوغان أن يقوم بدور الوسيط في هذا الصراع. إن الدول المتنازعة مع قطر لا تثق في الرئيس أردوغان إلى حد كبير، ولا تراه طرفاً محايداً. كما أن دعمه لجماعة الإخوان المسلمين، التي تعتبرها الإمارات ومصر والمملكة العربية السعودية والبحرين كمنظمة إرهابية تتحدى استقرار الأنظمة في هذه الدول، وهذا ما يعيق التوسط التركي. وفيما يتعلق بأمير دولة الكويت، ولا شك في أن لديه الإمكانية والقدرة على التوسط وحل المشكلة، جنباً إلى جنب عمان إلى حد ما. وقد أظهر الشيخ صباح في العامين الماضيين نجاحاً في التوسط بين دول مجلس التعاون الخليجي، وجميع الأطراف يرونه وسيطاً محايداً وقادراً. وهكذا، سنرى له دوراً هاماً جداً خلال اليومين المقبلين في حل الأزمة في متناول اليد.