تتجه الانظار الي منطقة عرسال وجرودها مع اقتراب موعد الحسم العسكري في تلك المنطقة الحدودية في شمال شرق لبنان والتي تشمل جرود عرسال من الجهة اللبنانية وجزء من جرود فليطة وجرود الجراجير وقارة من الجهة السورية .
الكلام عن صدور قرار بانهاء الوجود الارهابي المسلح في تلك المنطقة بدأ مع نشر تقارير صحافية تحدثت عن ان حزب الله يستكمل تحضيراته لخوض معركة تهدف لتحرير الاراضي اللبنانية المحتلة من قبل عدد من الفصائل الارهابية ابرزها داعش وجبهة النصرة والتي تبلغ مساحتها 250 كم مربع . الا ان كلام الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في خطابه الاخير حول المعركة اعتبر اعلانا رسميا لقرار الحزب الحاسم والنهائي .
فتحرير هذه الاراضي له اهمية وتأثير كبيرين ليس علي لبنان فحسب وانما علي تطورات الأزمة السورية كما علي وضع المجموعات الارهابية في المنطقة وخاصة مشروع داعش الذي تلقي ضربة كبيرة في العراق ويبدو انها ستستكمل في سوريا .
من المفيد الاشارة الي ان عرسال وجرودها شكلت منذ بداية الازمة السورية في العام 2011 اشكالية كبيرة لاسباب عديدة :
اولا: كانت تلك المنطقة ممراً لعبور السيارات المفخخة والانتحاريين الي العمق اللبناني . ما تسبب بسقوط عشرات الشهداء من المدنيين والعسكريين اللبنانيين .
ثانيا :كانت معبرا لتمرير الاسلحة والارهابيين الي الداخل السوري وخاصة الي ريف دمشق وحمص
ثالثا:حاول المسلحون والقوي المحركة السيطرة علي عرسال وجرودها وكامل حدود السلسلة الشرقية اللبنانية وصولا الي ريف القصير بهدف تشكيل طوق علي لبنان وعزله عن سوريا
رابعا: اراد المسلحون وخاصة المنتمين الي تنظيم داعش جعل عرسال موطيء قدم ومنطلق من اجل التوسع الي الداخل اللبناني للوصول الي الشمال والسيطرة علي ميناء طرابلس لاعتماده كمنفذ للبحر . هذا ما اكدته تقارير امنية واستخباراتية عديدة كما كشفته بكل وضوح التحقيقات التي اجرتها الاجهزة الامنية اللبنانية مع ارهابيين القي القبض عليهم . فقد تبين ان هذه الفكرة-الحلم كانت حاضرة عند تنظيم داعش الذي كان يسعي للسيطرة علي منطقة تمتد من تدمر الي القريتين فعرسال فالشمال اللبناني فالبحر الابيض المتوسط.
كل هذه الاسباب والمعطيات جعلت لهذه المنطقة خصوصية كبيرة لناحية تأثيرها علي الامن والاستقرار والجغرافيا السياسية للمنطقة اضافة الي تحولها في حال نجاح مشروع داعش بالوصول الي البحر المتوسط الي تهديد للامن الاقليمي والدولي.
تعطيل هذا المشروع حصل علي مراحل مختلفة . فقد نفذ الجيشان السوري واللبناني وحزب الله سلسلة عمليات ادت الي افشال المشروع واحباطه والي خلق واقع ميداني جديد تمثل بالتقاء الجيشين علي طول الحدود اللبنانية السورية . وقد ساهم هذا الامر بتعطيل مسار اغراق المناطق اللبنانية بالعبوات والانتحاريين . خاصة انه تزامن مع سيطرة المقاومة علي معاقل اساسية للارهابيين كانوا اقاموا فيها معامل لتصنيع العبوات والاحزمة الناسفة وتحديدا في القصير والقلمون . ثم جاءت الاجراءات الامنية الوقائية المكثفة من قبل الاجهزة الامنية اللبنانية لتكمل المهمة .
في نفس السياق ادي انهيار المسلحين في ريف دمشق والقلمون والزبداني والغوطة الشرقية الي تعطيل عمليات الاستفادة من عرسال كممر للارهابيين والاسلحة الي الداخل السوري .
ثم جاء ابعاد داعش عن تدمر والقريتين الي عمق البادية ليقضي نهائيا علي حلم تحويل عرسال حلقة اساسية في مشروع وصول التنظيم الارهابي الي البحر المتوسط .
الا ان كل هذه الانجازات لا تلغي حقيقة مفادها ان ان مجرد وجود بؤر مسلحة ارهابية خارجة عن السيطرة والضبط علي الاراضي اللبنانية تشكل تهديدا للبنان. وقد اثبتت هذا الامر وقائع المداهمات الاخيرة للجيش اللبناني في مخيمات عرسال وتفجير عدد من الارهابيين انفسهم اثناء المداهمة وقبلها عمليات رأس بعلبك والقاع حيث نفذ انتحاريون عمليات استهدفت مواقع للجيش ووضعت عبوات ناسفة للمواطنين ما يجعل الجهات المعنية غير مطمئنة ومتخوفة من استمرارية وجود هذا التهديد .
لذلك يبدو ان هناك نوع من الاجماع علي ضرورة معالجة البؤرة المتبقية والتي بمعالجتها يصبح ريفي دمشق وحمص الغربيين خاليين من الارهاب كذلك يتم تحرير كامل المنطقة الحدودية الجردية بين لبنان وسوريا من الوجود الارهابي .
هذا الواقع يدفع لطرح تساؤل حول ما اذا كان الحسم العسكري المرتقب للجرود يكفي لاستئصال الحالة الارهابية التي تشكل خطرا علي لبنان . يجمع المراقبون والمعنيون علي ان هذا الملف لا يمكن اعتباره منتهيا اذا لم ستكمل بمعالجة ملف النازحين.
بقاء النازحين في الظروف القاسية التي يعيشونها يشكل بحد ذاته بيئة لاعادة توليد المشاكل والأزمات وبالتالي فان عودتهم بشكل صحيح وسليم هي عنصر اساسي لتأمين الاستقرار في لبنان .
وقد جرت مؤخرا تجربة تستحق المتابعة حيث عاد خلال الشهرين الماضيين عدد من النازحين الذين كانوا يقيمون في مخيمات عرسال ،الي بلدة عسال الورد وغيرها من بلدات القلمون .وقد تبين ان لا عوائق حقيقية امام عودتهم .
كما يمكن الاستفادة من ما جري في الداخل السوري عندما تم نقل عدد من عوائل المسلحين الي مناطق نفوذهؤلاء