قبل 70 عاما، بشّر انسحاب بريطانيا من الهند بنهاية عصر الامبراطورية البريطانية.
فقد انسحبت بريطانيا من بلد كانت تعتبره درة تاجها الامبراطوري، وخلقت خلفها بلدين مستقلين.
كانت تلك عملية تقسيم جلبت معها واحدة من أكبر مآسي القرن العشرين.
كان عدد سكان الهند آنذاك يناهز 400 مليون نسمة، غالبيتهم من الهندوس، وكان المسلمون يشكلون 25 في المئة تقريبا من مجموع سكان البلاد.
وكان الزعيم الهندي جواهر لال نهرو، زعيم حزب المؤتمر وأول رئيس وزراء في الهند المستقلة، معارضا لمبدأ تقسيم البلاد على أسس دينية.
ولكن محمد علي جناح، رئيس عصبة مسلمي الهند، والذي أصبح حاكما عاما لباكستان عقب التقسيم، كان مصرا على أن لمسلمي الهند الحق في تأسيس دولة خاصة بهم.
قال مسؤول بريطاني عليم ببواطن الأمور حينذاك "جاء التقسيم والاستقلال سوية. فقد كان الواحد منهما ثمنا للآخر".
كلف اللورد ماونتباتن - وهو من اقارب الأسرة البريطانية المالكة - بمهمة إخراج بريطانيا من أكبر مستعمراتها. وقرر ماونتباتن - الذي قتل في عام 1979 بانفجار قنبلة زرعها في يخته الجيش الجمهوري الأيرلندي - أنه من الأفضل أن تتم عملية الانسحاب من الهند بسرعة.
لذا تم الفراغ من رسم خط تقسيم شبه القارة الى دولتين في خمسة اسابيع فقط.
احتفلت الهند ومن ثم باكستان باستقلالهما في ايام متتالية من شهر آب / أغسطس 1947.
ولكن بعد مضي يومين فقط، عندما تبينت طبيعة خط الحدود بين البلدين الوليدين، اصيب جميع الهنود والباكستانيين بالقنوط والحزن.
من جانبه، اشتكى محمد علي جناح بأنه حصل على باكستان "أكلها العث"، إذ تكونت الدولة المسلمة الجديدة من شطرين يفصل بينهما الفا كيلومتر من الأراضي الهندية (استقلت باكستان الشرقية في عام 1971 لتؤسس دولة بنغلاديش بعد حرب شرسة لعبت فيها الهند دورا مهما).
وقبيل اعلان استقلال الدولتين، اندلعت صدامات بين الهندوس والمسلمين، ولكن أحدا لم يتوقع مستوى العنف الذي اندلع عقب التقسيم.
فعندما أعلن قرار التقسيم، نزح 12 مليون لاجئ على الأقل من إحدى الدولتين الى الدولة الأخرى، وقتل في العنف الطائفي نصف مليون الى مليون شخص على الأقل كما اختطف عشرات الآلاف من النسوة.
ولم تتعافى العلاقات الهندية الباكستانية ابدا من أثر التقسيم وآلامه.
فالبلدان ما زالا يدعيان السيادة على ولاية كشمير.
وخلال اسابيع من استقلالهما، خاض البلدان حربا حول السيادة على وادي كشمير في صراع ما زال بلا حل ويمثل نتائج عملية تقسيم ناقصة ومعيبة.
أعقب اعلان الاستقلال والتقسيم انتقال الملايين بين البلدين
رادكليف، المسؤول عن تقسيم الهند
-
قبل 70 عاما، كلف رجل واحد بمهمة رسم الحدود التي قسمت الهند، البلد الذي كان عدد سكانه آنذاك يناهز 400 مليون نسمة. كان ذلك الرجل هو المحامي البريطاني سيريل رادكليف.
-
منح رادكليف مهلة لم تتجاوز خمسة أسابيع لتقسيم الهند، ففي اعقاب الحرب العالمية الثانية قررت بريطانيا على عجل منح الهند استقلالها كما وافقت على طلبات بعض المسلمين بانشاء دولة مستقلة للمسلمين الهنود. وفي آب / أغسطس 1947، انبثقت دولتا الهند ذات الأغلبية الهندوسية وباكستان ذات الأغلبية المسلمة.
-
وكانت على طرفي الهند البريطانية آنذاك ولايتان كبيرتان يتساوى فيهما عدد الهندوس والمسلمين، وهما البنغال في الشرق والبنجاب في الغرب. وكانت مهمة المحامي رادكليف رسم خط تقسيم يمر في هاتين الولايتين. كانت مهمة معقدة، وكان مصير عدد من الولايات الأخرى مبهما ايضا.
-
اعتمد رادكليف على مستشارين جهلة وخرائط عفا عليها الزمن واحصاءات غير دقيقة، ولم يكن في الإمكان رسم خطوط تقسم مجتمعات عاشت جنبا الى جنب منذ قرون عدة.
-
كان التوتر يتصاعد، وكان رادكليف واعيا بالمخاطر. وأعلن قراره بعد أيام قليلة من اعلان استقلال الهند وباكستان، عندما احتفل الملايين غير واعين بالدولة التي سيكونون مواطنين فيها.
-
وكانت المفاجأة بالنسبة للعديدين غير سارة اطلاقا، فقد عبر 12 مليونا من الناس الخط الذي رسمه رادكليف سعيا لبلد جديد.. كما قتل من نصف مليون الى مليون منهم في العنف الطائفي الذي أعقب التقسيم. وكانت تلك مأساة انسانية هائلة ما زالت تسمم العلاقات بين الهند وباكستان الى يومنا هذا.
-
أحرق رادكليف كل وثائقه قبل أن يغادر الهند.، ورغم تكريمه من قبل الحكومة البريطانية، لم يكن رادكليف يشك في المشاعر الحقيقة التي يكنها له البنجابيون والبنغاليون. وقال "هناك 80 مليونا من البشر الغاضبين يبحثون عني، ولا أريد أن يعثرون علي". ولم يعد السير سيريل رادكليف ابدا الى الهند أو باكستان.
