تنوي الحكومة المحلية لكردستان العراق إجراء الاستفتاء لانفصال عن العراق بتاريخ 25 سبتمبر الحالي. أثار إعلان إجراء الاستفتاء نقاشات مختلفة. قد أدلى نائب مدير جامعة يالوجا التركية والخبير في شئون بلدان الشرق الأوسط البروفيسور جنكيز تومار بتصريحات في هذا الموضوع ليوميات أورأسيا:
- جنكيز باي، أصبحت مسألة الاستفتاء الكردي من أهم المواضيع في الأجندة منذ عدة أشهر. هناك القرار ال1514 بعنوان "إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة " والذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1960. من الناحية الأخرى أن حكومة كردستان العراق تطلب الاستقلال. في رأيك هل تعيش الشعوب المقيمة في المناطق الكردية في الاستعمار؟
- طبعاً، لا، يمكن ضرب الأحداث الجارية في إفريقيا منذ القرنين السادس عشر والسابع عشر كمثال على الاستعمار. نعلم أن إثر سقوط الدولة العثمانية في الشرق الأوسط إعتباراً من أواخر القرن ال19 انتقلت البلدان العربية التابعة للعثمانيين إلى الانتداب الإنجليزي والفرنسي. واستمر هكذا إلى عام 1950. ولكنه لا يمكن إقرار النظام الانتدابي كنظام إداري كلاسيكي. يمكن أن يكون ما قامت به إسبانيا في أمريكا الجنوبية وإنجلتارا في أمريكا الشمالية وكذلك هلندا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإنجلتارا في إفريقيا والهند اعتباراً من القرنين السادس والسابع عشر مثالاً للاستعمار الكلاسيكي.
خلال عهد النظام الانتدابي لم تكن القومية الكردية مكونة ولذلك لم نر أي حركة كردية للاستقلال. ولكن، وخاصة بعد الخمسينات من القرن الماضي قد تكونت القومية الكردية وسعت لتحقيق الاستقلال. هناك الجهود الهادفة إلى الاستقلال والحكم الذاتي في تركيا بعد عام 1980 وفي العراق وإيران وسوريا بعد عام 1950. ولكن لا يمكن اعتبارها كتخلص من الاستعمار. مثلاً، في تركيا يتمتع الأتراك والأكراد بحق المساواة في الحقوق المدنية ولا مانع لأي كردي ليشغل المنصب الرسمي الحكومي أو يترقي فيه أو يمارس التعليم، وأنه يحق له أن يكون رئيساً للجمهورية. لذلك هذه التطورات مختلفة جداً.
- في رأيك كيف توصلت الأحداث إلى مرحلة الاستفتاء؟ يشار هنا إلى عاملين: الأول هو أنه في عام 2014 ترك الجيش العراقي حكومة كردستان العراق والبيشمركة بوحدهما في مواجهة داعش والثاني هو نقط كركوك حيث تدعي حكومة كردستان العراق ان النفط يباع إلى الدول الأخرى دون منح حصة للإقليم. في رأيك كيف أثر هذان العاملان على عملية الاستفتاء؟
- خلال المدة الطويلة كانت هناك طموحات الاستقلال في المنطقة وكان طلباني وبرزاني يناضلان من أجل الاستقلال. ولكن لم تتحقق هذه الطموحات من الناحية بسبب استقطاب العالم إلى الحلفين الشرقي والغربي، ومن الناحية الأخرى وبسبب الحكم الديكتاتوري لصدام حسين. وتعود أسباب ظهور هذه الطموحات في العراق بالذات إلى نتائج حرب الخليج والغزو الأمريكي والقضاء على الدولة العراقية إثرهما. تكونت هذه الأوضاع أيضاً جراء ممارسة القيادة العراقية في ذلك الحين سياسة التمييز في حق الأكراد والمواطنين السنة وظهورداعش وإحراز البيشمركة إنجازات في مواجهة الدولة الإسلامية خلافاً للجيش العراقي ولعب الأكراد دوراً هاماً في مكافحة الإرهابيين سواءاً كان في سوريا أو في العراق وكانت هذه التطورات مهمة جداً من وجهة النظر الأمريكي أيضاً. تنوي حكومة كردستان العراق انتهاز الفرصة السانحة الناجمة عن انشغال حكومات في كل من تركيا والعراق وإيران بقضايا مختلفة. كما تكافح حكومة كردستان العراق ضد داعش جنباً إلى جانب الولايات المتحدة. بعد قهر داعش لا حاجة للأكراد. وأنهم يريدون الاستفادة من هذه الفوضى لإجراء الاستفتاء. ومن الناحية الأخرى تجدر الإشارة إلى التصفية العرقية ضد العرب والتركمان في شمال العراق وإخراجهم من المنطقة استعداداً للاستفتاء.
- كما تفضلت أن الولايات المتحدة تحتاج إلى الأكراد لمواجهة داعش. يشير الكل إلى مشروع الشرق الأوسط الكبير. إن لم يكن مثل هذا الشيء بصورة رسمية ولكن هناك نظرية مماثلة. كما يدعى عن قيام دولة حليفة لإسرائيل وليست دولة كردية. ما رأيك في هذا الصدد؟
- لم تفعل الولايات المتحدة وغيرها من الدول هذا حباً للأكراد. كما تعلمون في المنطقة جماعات دينية راديكالية. تكافح إيران الولايات المتحدة منذ مدة طويلة. في تركيا يمارس حزب العدالة والتنمية السياسة المستقلة وفيها حكومة منحازة للإسلام بصورة كبيرة. مقابل العوامل التركية العربية والكردية يأملون في إقامة الدولة العلمانية وغير الدينية التي لن تتمكن من البقاء دون الدعم الأمريكي الإسرائيلي وأنها ستكون حليفة لإسرائيل في المنطقة. وتم وضع هذه الخطة بعد الثمانينات من القرن الماضي.
- أعلنت الحكومة التركية عن رفضها القاطع لهذا الاستفتاء. كما أصدر رئيس حزب الحركة القومية دولت بختشالي بياناً أكثر صرامة بهذا الصدد وقال إن الاستفتاء يسبب الحرب. هل هناك أي نتائج إيجابية للاستفتاء لتركيا، وما هي مؤثراتها على تركيا عموماً؟
- من المستحيل الحديث عن النتائج الإيجابية. لتركيا مشكلة ب.ك.ك/ ب.ي.د. في سوريا، وفي شمال العراق أقيم الاتفاق مع برزاني ضد ب.ك.ك. برزاني شخص له علاقات جيدة مع تركيا. لاشك في أن تركيا في وضع معقد جداً. إذا لم تكن مشكلة ب.ي.د./ ب.ك.ك. في سوريا كان موقف تركيا أكثر صرامة. وفي سوريا تؤيد تركيا جيش سوريا الحرة ولكن في العراق لا حليف لها غير برزاني. لذلك أنها قد تعارض الاستفتاء ولكن لا أظن وصول هذه المعارضة إلى مستوى الحرب. لأنه هناك ب.ك.ك /ب.ي.د. أكثر خطراً من برزاني. وترى تركيا في هذا تهديداً لأمنها الجغرافي. وسيؤثرالاستفتاء الكردي في العراق على المناطق الكردية في تركيا وسوريا وإيران وسيحاول فيما بعد لإقامة دولة كردستان.
- ولكن أعلن برزاني في أحد تصراحاته التي ادلى بها قبل شهر ونصف أنه لا يرى
ب. ك.ك. منظمة إرهابية؟
- على الرغم من أن هذه القوى متنازعة ولكنها لا تريد إضرار بعضها للبعض. وأنها مضطرة إلى الوحدة في شكل ما. لا أظن أن هذا الوضع يتغير جداً. نرى كفاحهم ضد الدول التي يرون فيها عدواً لهم. ولا أعتقد أن هذه القوى تتقاتل في الوقت الحاضر. وقد تنشب المواجهات فيما بعد بسبب اختلاف المصالح.
- نريد أن نتطرق إلى إحدى الدول الهامة في المنطقة وهي إيران. أصلاً اتخذ إيران موقفاً مشابهاً لموقف تركيا. وأنه يعارض إقامة الدولة الكردية في المنطقة. ومن الناحية الأخرى قبل شهرين زار رئيس الأركان العام لإيران تركيا وأجريت اللقاءات الدبلوماسية. ولكن صرحوا أنهم لم يقيموا أي اتفاق مع تركيا في هذا المجال. ما رأيك في سياسة إيران في هذا الصدد؟
- إيران وتركيا دولتان تنعدم الثقة بينهما منذ زمن طويل. وحتى في الماضي كانت إيران تستفيد من القوى الكردية المعادية لتركيا. ولكن يبدو أن إيران يقدر التطورات الأخيرة وخاصة على الأقل خلال الأشهر الثلاثة- الأربعة الأخيرة تقديراً صحيحاً. يبدو بكل وضوح تأثير الأحداث الواقعة في سوريا والعراق على إيران وتركيا. أصلاً، إذا تمكنت هاتان الدولتان من التوصل إلى الاتفاق لم تصل المواجهات في المنطقة إلى مستوى الحرب. ولم تتمكن روسيا والولايات المتحدة من التدخل في المنطقة إلى هذا القدر. ولكن لم تتمكن تركيا وإيران من التوصل إلى الاتفاق لأنه هناك غياب الثقة بينهما من ناحية تاريخية ومذهبية. كما لدى إيران أيضاً مشاكل هامة جداً ويبدو أنه قد أدرك هذه الحقيقة وبدأ يثق بتركيا. وإذا تمكنت الدولتان من التوصل إلى الاتفاق قد تنحل القضايا العديدة لصالحهما. إلا أن موجة الانفصالات الكردية ستشمل تركيا وإيران بعد العراق وسوريا.
- أخيراً أريد أن أسأل: كما تعرفون أنه في كردستان العراق تعيش القوميات المختلقة. ليس الأكراد فقط، خاصة، في كركوك يعيش التركمان، هناك المناطق التي يعيش فيها العرب. من المعروف، أنهم يعارضون الاستفتاء أساساً. ما هو مصير هذه الأقوام إثر انفصال الأكراد عن العراق نتيجة الاستفتاء؟
- لا شك، هناك تغير كبير في مصير العرب والأتراك والأكراد. عانى العرب والأتراك والأكراد من جور نظام صدام على حد سواء. تواصل الحكومة الحالية انتهاج السياسة الطائفية. ويستفيد الأكراد من هذه السياسة ويخرجون العرب والتركمان من المنطقة. ليس الوضع الراهن في المنطقة لصالح التركمان والعرب. وستضع إقامة الدولة الكردية بدل الفيديرالية الكردية التركمانية العربية في المنطقة. يقع التركمان والعرب في وضع معقد كما كان في عهد صدام حسين.